الرئيسة \  واحة اللقاء  \   قراءة في المسار التفاوضي للأزمة السورية

 قراءة في المسار التفاوضي للأزمة السورية

13.02.2016
بشير عيسى



الحياة
الخميس 11/2/2016
معلوم أن بيان جنيف 1 الصادر في 30 حزيران (يونيو) 2012، حظي من حيث المبدأ بقبول مشروط من النظام السوري، تبعاً لقراءته وتفسيره، إلا أنه لم يصل الى حد الموافقة والتوقيع عليه. قابل ذلك تمسك واضح للمعارضة به، لا سيما بالفقرة المتعلقة بتشكيل هيئة حكم انتقالي شاملة.
وعلى رغم تعثره، ظل البيان يشكل المرجعية الأساس للحل السياسي الذي أقرته كل الاجتماعات والقرارات الدولية، وآخرها قرار مجلس الأمن الرقم 2254 تاريخ 18/12/2015.
فالمعارضة تعتبر بيان جنيف 1 شكلاً ومضموناً، نجاحاً سياسياً مثّل ذروة الخط البياني في حربها، ومرد ذلك وجود مزاج دولي متعاطف وداعم لها، إضافة لكون ميزان القوى على الأرض كان يميل لمصلحة الجيش الحر والفصائل الإسلامية المتحالفة معه، مقارنة بالنظام الذي كان مضطراً للذهاب إلى المفاوضات لأسباب عدة، منها ما هو شكلاني، كي لا يظهر بمظهر الرافض لأي حل سياسي، بحيث يصار إلى تحميله كامل مسؤولية استمرار الأزمة، ومن جهة ثانية كان يريدها منصة دولية، تمكّنه من مخاطبة الرأي العام العالمي.
أما لناحية المضمون، فيدرك النظام أنه، في حال بقائه، لن يكون بإمكانه الحكم منفرداً، فمشاركة المعارضة بالقرار السياسي وتداول السلطة باتت ضرورة بديهية، سواء على المستوى الوطني والاقليمي أو الدولي، كما نصت عليها قرارات مجلس الأمن. تأسيساً على هذه الثابتة التي أقرها واعترف بها، كانت للنظام مآرب تكتيكية واستراتيجية، يسعى عبرها إلى تطويع جنيف 1 وإزاحته بما يخدم مصالحه بأقل الأكلاف، عبر رهانه على عامل الوقت وما يمكن أن ينجم عنه من إضافات وتعديلات تواكب المسار التفاوضي. وهذا ما بدا جلياً في مندرجات القرار 2254 المؤسس لمفاوضات جنيف 3.
إن رصداً دقيقاً لسياقات المسار التفاوضي منذ جنيف 1، يجعلنا نلحظ نهجاً للنظام حيك بمنتهى البراغماتية، بالتنسيق مع حليفه الروسي، يقوم على دعامتين متشابكتين: الأولى، تتناول تمثيل المعارضة، والثانية مرتبطة بتظهير الارهاب وتسويقه. في الأولى اشتغل على مشروعية مَن يمثل المعارضة، كمقدمة لإحلال معارضة مكان أخرى، فميز بين "معارضة الخارج" التي رأى فيها امتدادا لمشاريع دول إقليمية وغربية، يأخذ عليها غياب الثقل المؤثر في الميدان، مقابل معارضة داخلية تختلف معها، في البرنامج والأهداف والآلية، إشارة منه إلى خلاف هيئة التنسيق الوطنية مع الائتلاف المعارض، ناهيك عن المعارضات التي تدور في فلكه.
في الثانية كانت المراهنة شاقة، على اعتبار أن معظم الفصائل المسلحة كانت تمثل نواة انشقاقات متفرقة عن الجيش النظامي، انضم إليها مدنيون من كل المناطق، وكان يؤخذ عليها غياب الهيكلية الواضحة والادارة الناظمة التي تفترض التنسيق بين هذه الفصائل، ما أوقعها في فوضى الاقتتال في ما بينها، فقدمت نموذجاً سيئاً عرف النظام كيف يجيّره لمصلحته، لا سيما في مسالة وقف العنف والنار أو العمليات العسكرية، كون ذلك شرطاً لازماً لإنجاح أي عملية تفاوضية، وهذا ما عكسه قول الأسد لكوفي عنان وبعده الابراهيمي: "الحكومة تستطيع الالتزام، ولكن ماذا عن الطرف المقابل، هل يستطيع أن يلزم كل المجموعات المسلحة"؟.
أمام واقع الحال هذا، بدأت تتبلور قيادة فاعلة دأبت على مأسسة الجيش الحر ليكون نداً للجيش النظامي، لكن ظهور النصرة، ومن ثم "داعش"، كقوة مرهوبة، أغرى المعارضة بالدخول معها في تحالف ميداني وتبنٍ سياسي، فكانت الخطيئة التي راهن عليها النظام، ليعيد تعويم نفسه أمام المجتمع الدولي، وذلك مع قيام مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي بإدراج "داعش" والنصرة على لائحة الارهاب، ما وضع المعارضة المسلحة بين مطرقة النظام وسندان "داعش" والنصرة على الأرض.
وشيئاً فشيئاً كان "داعش" يبتلع فصائل ومواقع الحر، ومعها أيضاً فصائل من النصرة، لا سيما في المحافظات الشرقية والريف الشمالي والشرقي لحلب، فيما سيطرت النصرة على محافظة إدلب، مقابل عجز الحر عن امساكه بأي محافظة!. وبين النظام ومعارضيه، كانت وحدات حماية الشعب الكردية تحقق انتصارات ميدانية مؤثرة ضد "داعش" وتحديداً بعد معركة كوباني، وبدعم أميركي ومن ثم روسي، أعطى مؤشراً إلى تفاهم روسي - أميركي، فانضوت وحدات الحماية الكردية تحت غطاء يحمل اسم قوات سورية الديموقراطية، وذلك كمقدمة لإشراكها في العملية السياسية، وكبديل عن القوى المعتدلة التي كانت تبحث عنها واشنطن لمحاربة "داعش"!.
بهذا المسار المتسارع بعد التدخل الروسي العنيف، بحجة مكافحة الارهاب، جاءت اجتماعات فيينا 1 و2 للمجموعة الدولية لدعم سورية، على وقع تفجيرات باريس الارهابية، لتشكل محطات أساسية مضافة الى جنيف 1، عكسها القرار الأممي الرقم 2254، وهو ما كان يعول عليه النظام، للذهاب إلى جنيف 3!. فالقرار استبدل فقرة هيئة الحكم الانتقالي بفقرة "إقامة حكم ذي صدقية وشامل وغير طائفي"، كما ضم الى وفد المعارضة الأساسي أطرافاً أخرى، في طورها لأن تصبح وفوداً مستقلة، إلى جانب وفد الهيئة العليا للمفاوضات الذي تدعمه الرياض، حيث تشير الفقرة العاشرة من القرار إلى هدف "جمع أوسع طيف من المعارضة".
كما ضمّن القرار منع وقمع الأعمال الارهابية التي يرتكبها كل من "داعش" والنصرة، وكل الأفراد والمجموعات والكيانات المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة وغيرها من الجماعات الارهابية، وفق توصيف مجلس الأمن. وفي حال قدّم الأردن قوائم بهذه الجماعات، فسيعتبرها النظام مكسباً إضافياً له، وفي حال تعذّر ذلك، سيكون لوفد الحكومة الحجة لتعطيل جنيف 3. وفي كلتا الحالتين، سيكسب النظام مزيداً من الوقت، ما لم تحقق المعارضة تغييراً في ميزان القوى، حيث يبقى الميدان، صاحب الكلمة الفصل.