الرئيسة \  تقارير  \   لماذا قررت واشنطن دعم كييف بقنابل عالية الدقة؟

 لماذا قررت واشنطن دعم كييف بقنابل عالية الدقة؟

26.12.2022
جون إسماي

 لماذا قررت واشنطن دعم كييف بقنابل عالية الدقة؟
نيويورك: جون إسماي
الشرق الاوسط
السبت 25-12-2022
سلاح أميركي أطلقته قاذفات الشبح لأول مرة فوق كوسوفو في عام 1999، ثم أثناء القتال في حروب ما بعد 11 سبتمبر (أيلول)، سيجري استخدامه قريباً من قبل الطيارين الأوكرانيين الذين يحلقون بطائرات روسية الصنع لاستهداف الجنود الروس.
يعمل السلاح، الذي يطلق عليه “ذخيرة الهجوم المباشر المشترك”، على تحويل قنبلة رخيصة غير موجهة إلى سلاح عالي الدقة موجه بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، وعادة ما يشار إلى هذا النظام المتقدم اختصاراً باسم “JDAMs”.
وأعلنت إدارة الرئيس جو بايدن، الأسبوع الماضي، أن هذه الأسلحة ستكون جزءاً من حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 1.85 مليار دولار، ما يمنح أوكرانيا قدرة قصف موجهة بدقة لم تكن تمتلكها من قبل. وفي حال حصلت على النوع المناسب من المعدات، يمكن للطائرات الأوكرانية أن تحمل عدة قنابل من نوع JDAM في مهمة واحدة، تماماً كما تفعل الطائرات الحربية الأميركية وحلف شمال الأطلسي (ناتو).
- ما أهمية هذه الأسلحة؟
تقنياً، تشير (JDAMs) إلى نظام مثبت على قنبلة يستخدمها الجيش الأميركي ويشار إليها باسم “قنبلة مارك 80”. ويحول النظام القنبلة إلى سلاح موجه بنظام تحديد المواقع العالمي. تم تصميم الرأس الحربي “مارك 80” بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية. وعلى مدى عقود، تم إلحاقه بأسلحة متعددة للقصف على مستوى منخفض، وتحويله إلى ألغام برية وبحرية، وأخيراً إلى أنواع مختلفة من الأسلحة الموجهة. وجرى تبسيط الرأس الحربي “مارك 80” بحيث تخف قوة السحب عند حمله بواسطة الطائرات الأسرع من الصوت. يأتي الرأس عادة بثلاثة أوزان تتراوح بين 500 و2000 رطل. ولم يتضح بعد النموذج أو النماذج التي سيتم توفيرها لأوكرانيا.
منذ أول استخدام قتالي لـ”مارك 80” في أواخر 1990، جرى تحسين نظام “JDAMs” وإضافة قدرات جديدة إليه بحيث يعمل مع مجموعة متنوعة من الصمامات التي تتحكم فيما إذا كانت القنبلة ستنفجر في السماء أو على سطح الأرض أو بعد الحفر في الأرض. على سبيل المثال، تضيف مجموعة واحدة محدثة زوجاً من الأجنحة التي تنفتح بعد إطلاق القنبلة، ما يسمح لها بالطيران أكثر من 40 ميلاً صوب الهدف.
كما أنها غير مكلفة نسبياً، وفق حسابات البنتاغون، حيث أفادت نشرة داخلية تصدر عن البحرية الأميركية في عام 2021 بأن متوسط سعر مجموعة “JDAMs” الأساسية تزيد قليلاً على 24 ألف دولار للقطعة الواحدة.
- من أين جاءت الفكرة؟
ولدت فكرة “JDAMs” من الإحباط الذي شعر به الطيارون وقادة القوات الجوية جراء استخدام نوع مختلف من القنابل الموجهة خلال عملية عاصفة الصحراء في عام 1991.
استخدمت هذه القنبلة لأول مرة بأعداد محدودة قرب نهاية حرب فيتنام، وكانت تلك القنبلة تسمى “بيفواي 2”. في ذلك الوقت، كانت الفكرة تعد ثورية، إذ كانت تتألف من مجموعة باهظة الثمن مثبتة على “مارك 80” لتجعل القنبلة غير الموجهة قابلة للمناورة على طول مسار ليزر منبعث من الأرض أو من طائرة تحلق فوقها. لكن في العراق، غالباً ما عطلت العواصف الرملية والدخان مسار أشعة الليزر، ما تسبّب في عدم إصابة القنبلة لهدفها.
بعد أشهر من انتهاء تلك الحرب، قرر سلاح الجو أن الطيارين العسكريين بحاجة إلى مجموعة لا تتخطى كلفة “بيفواي 2” ويمكنها توجيه القنابل في مختلف الظروف الجوية. كوكبة جديدة من أنظمة “جي بي إس” لتحديد المواقع عرضت حلاً يعتمد على إصدار إشارات الراديو التي يمكن أن توجه القنابل ليلاً أو نهاراً، وفي وجود المطر أو أشعة الشمس.
سارع قادة القوات الجوية إلى العمل على جهاز مماثل لإنتاج ما بات يعرف في النهاية باسم “JDAMs”، التي تنتجها الآن شركة “بوينغ” في مصنع في “سانت تشارلز” بولاية ميسوري الأميركية.
- لماذا تأخرت الولايات المتحدة في تسليمها؟
على عكس بعض الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة في السابق، فإن العائق لم يكن طول فترة التدريب أو كُلفة الصيانة. فقد كان لا بد من حل بعض التحديات التقنية الأساسية في الأجهزة والبرامج. لم يتم تصميم مجموعات “JDAMs” لاستخدامها مع القنابل الأوكرانية الروسية الصنع، ولا يمكن للطائرات الحربية الروسية التي تستخدمها القوات الأوكرانية حمل قنابل أميركية الصنع، كما لا يمكن لأجهزة كومبيوتر الطائرات الروسية الاتصال إلكترونياً بالذخائر الأميركية الموجهة. منذ انضمام بولندا، الدولة التي تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، جرى تعديل بعض طائراتها الحربية الروسية من طراز “ميغ 29” لتحمل ذخائر غربية، لكن ذلك تطلب استبدال أنظمة الكومبيوتر السوفياتية وبعض الأسلاك بمعدات غربية الصنع، وكان هناك حاجة إلى نهج أسرع لأوكرانيا. ولم يذكر البنتاغون الكثير عن كيفية تنفيذ ذلك.
- عراقيل تقنية
تطلب الأمر بعض الحيلة، وكان على المهندسين تعديل أنظمة “JDAMs” لتعمل مع الطائرات الروسية بأقل قدر من التغييرات. وتختلف القنابل التي تستخدمها الولايات المتحدة وروسيا اختلافاً كبيراً في التصميم، وكذلك الأجهزة المستخدمة لربطها بالطائرات الحربية وإسقاطها فوق الأهداف.
وتحتوي القنابل الأميركية الصنع على عروات فولاذية صغيرة مثبتة على رفوف مصممة لإمساكها بشكل مريح في السرعات العالية ودفعها بسرعة بعيداً عن جسم الطائرة عندما يضغط الطيار على زر لإسقاطها. وبالمقارنة، فإن العديد من القنابل الروسية لديها مقبض تعليق واحد فقط، والرفوف التي تسقطها لا تتوافق مع الأسلحة الأميركية الصنع.
حل الجيش الأميركي الجزء الأصعب من هذه المشكلة منذ أشهر، عندما بدأ الطيارون الأوكرانيون لأول مرة في إطلاق الصاروخ الأميركي “عالي السرعة المضاد للإشعاع”، المشار إليه اختصاراً بكلمة “HARM”. وتم إنشاء محول لتوصيل جهاز يسمى “المنصة” وأجزاء أخرى لحمل السلاح إلى الطائرة. وبحسب متحدث عسكري، في قاعدة “رامشتاين” الجوية في ألمانيا، يقدم فريق من القوات الجوية الأميركية والحرس الوطني الجوي يسمى “غراي وولف”، أو الذئب الرمادي، الدعم للقوات الجوية الأوكرانية، بما في ذلك التكتيكات والتقنيات.
وبينما نجح الجيش الأميركي في حل هذه المشكلة التقنية، فإنه واجه عراقيل أخرى. إذ يجب تحويل الإشارة الكهربائية المتولدة عندما يضغط الطيار على الزر لإسقاط تلك القنبلة إلى إشارة تتعرف عليها الأجهزة الأميركية الصنع. وقبل أن يجري إسقاطها، تحتاج أنظمة “JDAMs” إلى بيانات عن موقع الطائرة وسرعتها، بالإضافة إلى موقع الهدف الذي تتم تغذيته إلكترونياً أثناء تحليق الطائرة.
تقدم الأنواع الأحدث من رفوف ومنصات القنابل الأميركية حلولاً، وقد دخلت إحدى المنصات “الذكية” المستخدمة مع صاروخ “HARM” الآن في الخدمة مع القوات الجوية الأوكرانية.
وبحسب مايك بيتروتشا، وهو عقيد متقاعد في سلاح الجو قضى عقوداً في الطيران كضابط أسلحة على مقاتلات “إف - 4 جي” و”إف - 15 إي”، فإن التحدي الأخير هو نقل البيانات من قمرة القيادة إلى المنصة. واستطرد قائلاً إنه منذ أكثر من عقد من الزمان، طوّر الجيش الأميركي نظاماً لتكييف سلاح أميركي الصنع بمساعدة نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) للعمل على طائرة أجنبية باستخدام كومبيوتر محمول مزود بجهاز (جي بي إس) الذي يتصل بالمنصة الذكية عبر البلوتوث. وأضاف العقيد المتقاعد: “اليوم، يمكن أداء نفس الوظيفة على الأرجح باستخدام جهاز لوحي مزود بنظام (جي بي إس)، وربما برنامج طيران تجاري، ومن هناك، تنقل المنصة البيانات إلى القنبلة نفسها”.
- كم قنبلة مزودة بـ”JDAMs” تم إنتاجها؟
تقول “بوينغ” على موقعها إنها أنتجت أكثر من 500 ألف من مجموعة “JDAMs” لصالح الولايات المتحدة والدول الحليفة. غير أنه لم يجرِ الإعلان عن عدد القطع التي جرى إنتاجها لحساب أوكرانيا، لكن من المرجح أن يتم تزويد كييف بقنابل من وزن 500 رطل، ما سيمثل زيادة كبيرة في قدرات الذخائر الموجهة بدقة في أوكرانيا.
وقال أندريه زاغورودنيوك، وزير الدفاع الأوكراني السابق الذي يقدم المشورة للحكومة، إن “هذا لأمر مهم للغاية”.
- خدمة “نيويورك تايمز”