الرئيسة \  واحة اللقاء  \   مآلات آستانة 6 وخيارات السوريين في تحديد المصير

 مآلات آستانة 6 وخيارات السوريين في تحديد المصير

28.09.2017
يمان دابقي


 كلنا شركاء
27/9/2017
بعد أن استطاعت الدول الإقليمية في إخماد فوهات البنادق السورية عبر مسار آستانة، أصبح لزاماً على السوريين التعاطي مع الواقع السوري من منظور العقل، وتفعيل دور الوعي الجمعي المدني لإجبار المجتمع الدولي النظر لحرية السوريين والتأكيد على أنَّ ثوابت الثورة مسلّمة يستحيل تجاوزها
لم تمضي ساعات قليلة على نهاية الجولة السادسة من آستانة في 15 من الشهر الحالي، حتى سارعت الحكومة التركية إرسالها تعزيزات عسكرية تتضمن دبابات، ومدرعات وقوات خاصة تركية، انتشرت في ولاية هاتاي التركية الحدودية مع محافظة إدلب، تمهيداً لخوض معركة قطع الشريان انطلاقاً من عفرين وصولاً إلى شمال غرب إدلب في القسم المطل على ولاية هاتاي التركية. وفي ظل تأهب تركيا لدخول إدلب، أطلقت تحرير الشام الرافضة لاتفاق آستانة 6، معركةً في ريف حماه استبقت بذلك الدخول التركي وأجلت المواجهة معها ريثما توسع الهيئة من نقاط سيطرتها، وتستميل عناصر من تنظيم الدولة في شرق حماه تتفق معها بالفكر لتشكل معها قوةً أحادية في شمال سورية، وتعوض النقص في مكامن الضعف، سيما بعد انفصال كبرى الفصائل عنها، جيش الأحرار وحركة نور الزنكي.
وبالفعل استطاعت تحرير الشام اللعب على عامل الوقت، وعززت من تواجدها العسكري على جميع مداخل إدلب بالسلاح الثقيل، ما يوضح قرار الهيئة أنه محسوم في مواجهة معركة قد تعتبر مصيرية بالنسبة لها، في حال قررت تركيا فعلاً الدخول، وهو مايبدو مستبعد بالوقت الحالي لاعبتارت عدة تنظر لها تركيا بعين الحذر والمراقب ، سيما بعد عزم الرئيس مسعود برازني إجراء استفتاء لكردستان العراق، وإقدام الإدارة الذاتية في مناطقها المسيطرة عليها  شمال سوريا على إجراء انتخابات فدرالية الإقليم لأول مرة منذ اندلاع الثورة في سوريا .
وبالعودة إلى معركة إدلب مثل هكذا معركة لا يمكن معرفة من الرابح ومن الخاسر، فتركيا من جهة يبدو أنها مترددة بالدخول حتى بعد إقرارالبرلمان التركي المصادقة على سماح بقاء القوات التركية في سوريا والعراق لعام آخر، فالأخطار الأخيرة على الحكومة التركية يتحتم عليها عدم تجاهل أي خطر يهدد أمنها قومي ، وبنفس الوقت التريث خشية المصائد التي ينصبها لها أعداؤها الرامين إلى إغراق تركيا في الرمال السورية خصوصاُ من قبل خليفتها أمريكا الداعمة لحزب انفصالي كردي تعتبره تركيا أونه إرهابي .
وعليه فالعلاقات التركية الأمركية الأخيرة خي الأسوء بتاريخ علاقات البلدين منذ أكثر من خمسين عام.
وعلى الرغم من تهيئة المناخ العام لدخول الجيش التركي لإدلب، إلا أن الامر ليس سهلاً سيما أن جبهة النصرة في إدلب غير راضية وكانت قد عبرت عن رفضها لاتفاق الأخير معتبرة أنه لا يُلبي مصالح الثورة ويعزز من استرداد المناطق إلى نظام الأسد.
آستانة 6 تعقيد للواقع السوري
التطورات الأخيرة أفرزتها اتفاقيات آستانة 6 الذي انعقد على مدار يومين متتاليين14 الشهر الحالي نتج عنها اتفاق تركي روسي إيراني لضم محافظة إدلب لمناطق تخفيف التصعيد، لتكون المحافظة هي المنطقة الرابعة إلى جانب درعا وريف حمص والغوطة الشرقية. وبحسب نص الاتفاق فإن أبرزنقاط الإيجاب تمخضت في إنقاذ ثلاثة ملايين سوري جلعوا من إدلب موطنهم الأم بعد مسلسل تهجير قسري، وقد تبنت الفصائل  التي ذهبت لآستانة هذا الطرح ، وقبلت بالاتفاق على أن لا يكون لإيران أي تواجد ضمن المنطقة الخاضعة تحت سيطرت المعارضة، كما أثنت الهيئة العليا للمفاوضات على الاتفاق باعتمادها على الضامن والشريك التركي، ومؤخراً صرح رياض حجاب بأن المعارضة تدعم العملية التركية العسكرية في محافظة إدلب ضد تحرير الشام، معتبراً أنها جزء من القاعدة ويجب التخلص منها، تصريحات حجاب جاءت بعد أن أقدمت هيئة تحريرالشام على فتح معركة في ريف حماه الشمالي كضربة استباقية أولى عقبها، اجتياح روسيا لريف إدلب الجنوبي دمرت مدارس ومستشفيات، كوسيلة ضغط لوقف تمدد النصرة ومنع فشل اتفاق تخفيف التصعيد، وقد اتهمت روسيا الولايات المتحدة بالقيام بعمليات تحريض لفصائل اعتبرتها إرهابية بفتح معركة حماه، حتى لا يكتب للاتفاق أي نجاح .
اجتياح روسيا والنظام لمناطق مشمولمة باتفاق خفض التصعيد، وضع اتفاق إدلب على سفح ساخن، بين احتمالية الانهيار والصمود، فقد اتضح من خلال تبادل الاتهامات بين روسيا وأمريكا أن هناك أطرافاً لا ترغب في نجاح الاتفاق ، فإيران كانت قد عبرت عن عدم الرضا لهذا الاتفاق فقد صرح مسؤول إيران قبل عقد الاتفاق أن اتفاق إدلب لن يكتب له النجاح، وهو ما يصب في مصلحة إيران لأن استمرار التوتر والفوضى يعزز من نظرية استمرار تعويم نظام الأسد الذي يضمن لها تواجد دائم في سوريا غير أن الضغوطات الروسية مع تقديم بعض التطمينات لإيران أفضت إلى اتفاق ظاهره إيجابي وباطنه يفضي إلى تكريس مناطق النفوذ وتوزيع سوريا محاصصة بين دول أربعة (أمريكا-روسيا-إيران-تركيا).
صحيح أن الاتفاق يحوي نقطة إيجابية عن مصير إدلب، لكن بنفس الوقت لا توجد أطراف دولية ضامنة لتحقيق الحياة المدنية ، كما لم يخلوالاتفاق من جوانب سلبية عدة، على رأسها أن الاتفاق، يعطي شرعية لإيران البقاء في سوريا ،  حيث أتاح الاتفاق نشر 1500  جندي كقوات مراقبة في منطقة التصعيد الرابعة، ما يعني أن إيران تم اعتبارها دولة ضامنة للاتفاق، وهي مفارقة خطيرة ومرفوضة عند الشعب السوري، فلا يمكن لدولة احتلال مارقة تستبيح الدماء السورية منذ 2012 أن يتم القبول بها كدولة راعية لعملية السلام ، يُضاف إلى نقاط السلب لآستانة الأخيرعدم الحديث عن بنود العملية السياسية في جنيف، واكتفى بدعوة خجولة لإطلاق سراح المعتقلين.
السوريون في تحدي مع مصالح الدول الإقليمية في سوريا
على الرغم من كل الأبعاد الخطيرة على مستقبل سوريا، فإن اتفاقيات تخفيف التصعيد التي انطلقت في أيارالماضي أصبحت أمراً واقعاً ولا يمكن اليوم إنكاره، والسؤال اليوم كيف يمكن تحويل السلب إلى إيجاب والاستفادة من الاتفاقيات الدولية لتصب في مصلة الثورة وتحقق ذاتها وتكتسب شرعيتها رغماُ عن الدول المتآمرة على وأدها.
السوريون هم وحدهم القادرين على فرض وانتزاع حقوقهم من ألسنة اللهب المشتعلة، والجواب البديهي لهذا هو التميز بين الثورة والحرب، فالغرب يعلم حقيقة المفارقة، ولكنه يتجاهلها ويظن أنه قادرُعلى قتل الثورات إذا ماحولها إلى حالة حرب يريد أن تضع أوزارها متى شاء.
بيدا أن الحقيقة الماثلة في نفوس الثائرين تحتكم إلى استمرارية الثورة حتى بعد نهاية الحرب، ولن تنتهي إلا ببلوغها أهدافها وتحقيق النتائج الرامية لها استناداً للمقدمات التي انطلقت منها.
إذاً كلما حاول الغرب قتل الثورة بفعل أدوات حرب مفتعلة، كلما استمرت الثورة في التمدد لتندفع نحو أهدافها، ولِعلم السوريين يقيناً بالنتائج أصبح لزاماُ عليهم قراءة الواقع السوري كما هو والتعامل معه بعين العاقل المنضبط وليس بعين العاطفي المنفعل، لمعرفة مكانهم ضمن هذه المعادلات المتناقضة، حتى يتنسى لهم نزع الحقوق من أفواه الطغاة.
وعند الحديث عن الواقع السوري، فبعد سبع سنوات لم يعد بالإمكان تجاهل حقيقة احتلال روسيا لسوريا، فبوتين عطل كل قرارات مجلس الأمن لمنع السوريين من تقرير مصيرهم، وبوتين هو أول من أخرج مسرحية إعادة انتاج النظام بعد مجزرة الكيماوي في 21 آغسطس 2013 في الغوطة الشرقية ، وفرض نظام الأسد كطرف رئيس في محاربة الإرهاب، واستطاع إقناع الغرب والدول الأوربية بضرورة حماية الأسد لضمان الاستمرار في محاربة الإرهاب، وتعاونت معه الأمم المتحدة وقدمت له مدينة حلب أواخر 2016 لتبدأ بعدها مرحلة الاستثمار السياسي للانتصارات العسكرية الروسية في سوريا التي حمل وزرها السوريون في شمال وجنوب ووسط البلاد.
كما لا يمكن تجاهل الدور الإيراني الداعم الأول للأسد في تقديم المال والسلاح وزج آلاف المليشيات وبعد مرور أكثر من ست سنوات من حرب دولية ، ترغب إيران في تعزيز وجودها السوري لأمد طويل أقله الوجود المنظم بضمان طريق بري يصل طهران بيروت مررواً بالعراق وسوريا، وهو ما يعمل عليه بوتين بلعب دور محترف ووسيط مع إسرائيل لإقناعها ببقاء وجود إيران في سوريا من دون السماح لها ببناء قواعد عسكرية أو جوية ، بمعنى آخر تواجد إيراني منزوع السيادة، وبشكل متفق عليه يضمن إزالة كل الأخطار عن مناطق النفوذ الإسرائيلي، دلالة هذا الكلام التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي حيت ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية أن نتنياهو لن يسمح بإقامة قواعد جوية أو عسكرية لإيران في سوريا، ما يشير إلى استنتاج مباشر أن إسرائيل قد تقبل بوجود إيران في سوريا على أن لا يتم بناء قواعد ومطارات خاصة لإيران، فالحسم الإسرائيلي واضح وقد تكررت الرسائل لإيران من سوريا آخرها استهداف موقع في المزة بدمشق على مقربة ضيقة من مطار دمشق الدولي22 سبتمبر 2017 .
كمالا يمكن تجاهل حقيقة تحقيق التغيير الديمغرافي علي يد إيران وتوطينها في دمشق، حيث القرار بات إيراني، ولا يمكن تجاهل نهاية مكونات الدولة السورية بعناصرها الثلاث، ولا يمكن تجاهل حقيقة نضوج مصالح الدول على حساب ثورة السوريين، عقب استثمار مرحلي في الثورة بدأ من مرحلة فرض السلاح إلى صنع وتصدير الإرهاب، وصولاً لمرحلة وأد المشاريع الإسلامية لنصل اليوم الي مرحلة قطف الثمار.
وعلاوة على ماسبق فإن مسار آستانة الذي اتطلق منذ سقوط حلب، هو السلاح الروسي الوحيد لشرعنة جرائمها واحتلالها لسوريا، لذا يتحتم ضميرنا القول، إن فصائل آستانة أسهمت بشكل أو بآخر بإعطاء الشرعية للمحتل الروسي، على إسكات الجبهات وإخمادها، وتفعيل الهدن والمصالحات مع النظام، واستكمال تهجير بقية المناطق آخرها حي القدم في جنوب دمشق، ولا يمكن تجاهل هذه الحقيقة الواضحة عبرا خسارات المعارضة، فعقب كل جولة من آستانة خسر السوريون مناطق كانت صمام أمان لثورتهم، من وادي بردى، إلى قدسيا والهامة والمعضمية وداريا وحلب ودير الزور والبادية السورية، حتى وصل الأمر بفصائل آستانة أن يبرروا خسارتهم بالركيز فقط على إنقاذ إدلب وهو الاتفاق الذي لم يكتب له النجاح حتى اليوم.
لذا فمن المعيب على أي إنسان عاقل تجاهل كل هذه الحقائق وما هذه النتائج إلا حصاد أخطاء حدثت في سنوات الست الماضية بفعل معارضات سياسية وعسكرية زادت من المعاناة، وهانت عليها تضحيات جمّة على حساب مصالها الخاصة. .
السؤال اليوم ما العمل لضمان الحصول على استحقاق السوريين بعد ما قدموا الغالي والنفيس، ولم يبخل السوريون يوماً في تقديم المزيد من أجل الوصول الي شط الحرية، مليون شهيد و 60 ألف معتقل استشهدوا، هو رصيد ثوري يمثل الحقيقة الأقوى من كل ما ذكرناه أعلاه، ولا يمكن تجاهلها حتى لو اضطر ذلك لفناء البشرية لا يمكن ولن يسمح السوريين بتجاهلها، هذه الحقيقة التي يجب أن يعمل على تأكيدها السوريين أناء الليل وأطراف النهار، وبدونها لن تحقق الدول مصالحها وإن فرضتها اليوم فلن تهنأ بها غداً فلن يكون هناك استقرار، بدون أخذ الاعتبار لحرية السوريين، فإذا ما أرادت الدول الضالعة في قتل السوريين وضع حد للفوضى، عليها أولاً التجاوب مع السوريين أنفسهم وليس مع العملاء، والحل واضح يتمثل  تطبيق العدالة ومحاسبة المجرمين ونهاية مسرحية تعويم الأسد .
على الشعب السوري العمل على تأكيد رصيدهم الثوري، وبث الروح به كل يوم، فهو خير لهم من معارك خاسرة لا تأكل إلا أبناؤها.
على السوريين تحويل السلبي الي إيجابي ومحاولة الاستفادة من الاتفاقيات الدولية، وجرها لصالح مطالب ثورتهم والضغط والتمسك بثوابت ثورتهم، وعودة الحراك المدني وتفعيل دورإدارة مناطقهم المدنية من قبل أصحاب الكفاءات فهم أصحاب المعرفة في طبيعة العمل المدني وقادرة على إنجاحه.
على السوريين فرض تيار مدني ثوري داخل مصالح الدول المتناقضة، وتفعيل الوعي الجمعي المدني وتقبل الاخر، وأخيراً الصبر على المصاب وعدم السماح لليأس أن يتسلل لأنفسهم لأنه غاية نظام الأسد المحتفل بتحقيق التجانس على حساب السيادة السورية.
وما ظهر مؤخراً من مبادرات مدينة في الشمال السوري يشكل نواة ولبنة أولى نجو الاتجاه الصحيح هي  مبادرات من شأنها تهيئة الأرضية والظروف الموضوعية لإدارية المنطقة بكيان مدني له هيئات سياسية منظمة، وصحيح أن خلافاً داخلياً شاب هذه المبادرات المتعددة الأطراف، إلا أنه يعتبر خلاف وإختلاف مرحلي مؤقت، إلا أن الأمر قد يتغير كلياً إذا ما حسمت تركيا على خوض معركة مباشرة مع النصرة داخل محافظة إدلب.
وإذا ما ثبت أن هيئة تحرير الشام تدفع باتجاه تشكيل حكومة مدنية في إدلب لتقف وراءها أو لتحتمي بها، فلا شك أنه سيتم وضع نهاية لكل الفعاليات المشكوك بها والتي لا تلبي مصالح السوريين وسيستطيع الشرفاء من إطلاق حكومة جديدة تضم كل الهيئات والفعاليات والمجالس لتشكل في نهاية المطاف نتاج مجتمع مدني متعدد السلطات يمارس الديمقراطية المدنية وهذا أكثر ما يؤلم النظام في دمشق فخروج إدلب عن سيطرة النظام بقرار دولي يعني بداية سقوطه لاحقاً.