الرئيسة \  واحة اللقاء  \   مَن دمّر سورية؟

 مَن دمّر سورية؟

02.04.2018
موفق السباعي


الحياة
الاحد 1/4/2018
سيقول السوريون الطيبون المقهورون الملتاعون حاملو مآسي جمة من فقدان أبنائهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآبائهم وأقربائهم وبيوتهم وأملاكهم، سيقولون فوراً، وبمنتهى القوة والحزم: إنه النظام الأسدي والميليشيات الشيعية والروسية والتحالف الغربي. هذا صحيح لا ريب فيه أبداً.
لكن للأسف، وللفجيعة الكبيرة، أنهم ليسوا وحدهم مَن دمّر سورية، وإن كانوا هم الجهة الفاعلة والعملية في تدميرها. هناك جهات أخرى لا يجرؤ كثيرون من السوريين على الإفصاح عنها. أو أنهم يجهلونها. أو أنهم لا يريدون تحميلها المسؤولية.
سأكون حيادياً إلى أبعد الحدود، وأضغط على عواطفي ومشاعري. وأقول الحقيقة، وإن كانت مُرة، بلا مواربة، ولا مجاملة، ولا مداهنة لأحد. وسأبدأ بذكر أكثر الجهات مسؤولية، وبشكل مباشر في تدمير سورية، ثم الأقل فالأقل.
1-النظام الأسدي مع المليشيات الشيعية المتنوعة، وإيران وروســيا. هذه الجهات المتنوعة تعمل بأوامر واحدة ومحددة لإســـقاط البراميل المتفجرة والقنابل الحارقة، وكل أنواع الأسلحة المدمرة، وكثير منها محرّم دولياً. والأماكن المفضلة لهذه الأسلحة هي الأسواق الشـــعبية والمدارس والمراكز الطبية والملاجيء والمنازل. والضحايا دائماً ويومياً هم الأطفال والنساء والشيوخ والمستضعفون. ولم يحصل في يوم من الأيام أن ألقيت هذه القذائف على مراكز الفصائل المقاتلة، إلا قليلاً.
2-التحالف الغربي بقيادة أميركا، فقد ألقى كل قذائفه المدمرة على الشعب المسكين في الرقة وبقية المدن في الجزيرة الشرقية، فأحالها خراباً يباباً. ولم يقتل من مقاتلي "داعش" إلا القليل، على رغم ان الهدف المعلن هو الحرب على تنظيم الدولة والقضاء عليه. لكنها كانت كاذبة.
3-الفصائل المسلحة بكل تشكيلاتها وأفكارها وتنظيماتها. كلها من دون استثناء، ساهمت بشكل غير مباشر في تدمير سورية وقتل أهلها. للأسباب الآتية:
سيطرتها على المدن السورية، أو على أجزاء منها، بحجة تحريرها من النظام الأسدي. وعلى رغم تبين خطأ هذا التصرف وفداحة نتائجه إلا أنها استمرت في ممارسة هذا الخطأ سبع سنوات.
تشرذم الفصائل ورفضها الاتحاد في ما بينها، ولو في التنـــسيق بالعمليات، ووضع الخطط العسكرية المفيدة فقط على الأقل، ما دفع النظام والمحتل الروسي والإيراني إلى استغلال هذا التفرق والتعامل مع كل فصيل على حدة وفرض شروطهم القاسية، بالاستسلام والتهجير، بينما بقية الفصائل تتفرج ولا تحرك ساكناً لنصرته.
-طاعتهم العمياء لمن يدفع لها المال، فتقوم ببعض العمليات الجليلة في تحرير بعض القرى ويقتربون من المراكز الإستراتيجية المهمة للنظام، بحيث لو دخلتها لحطموا هيبة النظام. لكن تأتيهم أوامر من هنا وهناك بالتوقف عن القتال بعد أن يكون النظام والمحتلون قد قتلوا مئات المدنيين ودمروا عشرات المساكن.
تقاتل الفصائل مع بعضها بعضاً.
قيام بعض مشايخ السوء والمدعين بأنهم مناصرون للثورة بتحريض الفصائل على التقاتل مع بعضها بعضاً وإخراجها من المناطق المتواجدة فيها. بيــنما كان المفروض فيهم الدعوة إلى التلاحم والتعاون وتناسي الاختلافات الفكرية، أو على الأقل تأجيلها.
-بقية الشعب السوري المتواجد في مناطق النظام، فهؤلاء يمارسون حياتهم ونشاطهم ويقيمون حفلاتهم، وكأنه لا يوجد على بعد خطوات منهم إخوانهم المحاصرون والجائعون، وإخوان آخرون يُقتلون وتدمر بيوتهم، فلا يحتجون ولا يستنكرون ولا يخرجون في تظاهرات، كما كان في بداية الثورة.
-التجار الذين كانوا يستغلون ظروف الحصار، فيحتكرون السلع التموينية ويزيدون في أسعارها، ومافيات اللصوص وتجار البشر والوسطاء والمهربون الذين يستغلون ظروف الناس القاسية ورغبتهم في الهروب من الجحيم إلى أماكن آمنة. فكثيرون منهم كانوا يأخذون منهم أموالاً طائلة، ولا يوصلونهم إلى مبتغاهم، إلا القليل منهم.
-السوريون المتواجدون في الغرب لم يتحركوا كما يجب، في تنظيم تظاهرات ولم يتواصلوا مع المنظات الحقوقية وعقد ندوات في الشوارع لشرح القضية السورية.
- بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية التي شعرت باهتزازها في الثورات العربية. فبعضها أخذ يلعب على الحبلين، ظاهرياً مؤيد للثورة السورية إعلامياً. بعضهم قطع العلاقات الديبلوماسية مع النظام الأسدي، وباطنياً مؤيد للأسد... ومتعاون معه في أشكال مختلفة... وبعضها أخذ يدعم ويمول بعض الفصائل المسلحة، ويطلب منها القيام ببعض العمليات العسكرية ضد النظام، لكن حينما تصبح هذه العمليات خطراً على النظام تطلب من الفصائل وقف العمليات، فهي لا تريد سقوط الأسد ولا تريد سقوط الثورة.
-الشعوب العربية التي تحجرت مشاعرها بشكل يعجز الإنسان عن وصفه، فأصبحت لا تحرك ساكناً ولا تتظاهر احتجاجاً.
إنه سقوط أخلاقي وانحطاط فكري لا مثيل له في التاريخ.
-الدول الغربية وأكثر من مئة دولة أعلنت تأييدها للثورة السورية وسمّت نفسها صديقة الشعب السوري، وعقدت اجتماعات في تونس وإسطنبول وباريس وغيرها، وتبرعت أمام الملأ وعلى الهواء مباشرة بملايين الدولارات، ثم تلاشت وانقلبت ضد الثورة. بل وأخذت تؤيد بقاء الأسد، إما علناً وإما خفية.
-الشعوب الغربية المعروفة بحساسيتها الفائقة تجاه قتل نملة أو كلبة في مجاهل أفريقيا لم يعنيها قتل العشرات يومياً في سورية وطوال سبع سنوات.