الرئيسة \  واحة اللقاء  \  «النصرة» لـ«القاعدة» لا للثورة

«النصرة» لـ«القاعدة» لا للثورة

15.04.2013
عبد الوهاب بدرخان

الاتحاد
الاثنين 15/4/2013
لعل السوريين الذين يتعرضون لقصف بالصواريخ البالستية والسلاح الكيماوي، ولأقسى أنواع التهجير واستهداف أحيائهم وبيوتهم لجعلها أرضاً محروقة، لم يولوا أهمية لما حصل الأسبوع الماضي عندما أعلن "المسؤول العام" لـ"جبهة النصرة" المقاتلة ضد النظام السوري مبايعته زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري "على السمع والطاعة". وبذلك أميط اللثام علناً -ورسمياً- عن الهوية الملتبسة لهذه "الجبهة" التي وضعتها الولايات المتحدة، منتصف ديسمبر، على لائحتها للتنظيمات المصنفة "إرهابية"، وتستعد دول الاتحاد الأوروبي لإجراء مماثل.
ومهما بذل من جهد لتبرير هذه الخطوة فإنها تمثل انتكاسة فعلية للثورة السورية، و"هدية" مجانية للنظام الذي دأب على القول إنه يحارب الإرهاب. وإذ قال "أبو محمد الجولاني" إن مبايعة الظواهري "لا تغير شيئاً" في سياسة "جبهة النصرة"، فهو إما يخادع أو يتظاهر بالسذاجة، فلاشك أن الكثير سيتغيّر في نظرة السوريين إلى "الجبهة"، لأن قاعديتها المعلنة تشكل عبئاً إضافياً على الثورة أن تتحمله وتدفع ثمنه بسبب العداء المستمر المستحكم بين "القاعدة" و"دول الغرب" خصوصاً الولايات المتحدة. وطالما أن الثورة تحتاج إلى الدعم الخارجي، لاسيما الغربي، يمكن تصوّر الصعوبات التي ستطرأ، فضلاً عن الصعوبات التي أدت طوال عامين إلى تأخير حسم الأزمة على رغم أن نهايتها المحتومة صارت محسومة: فالنظام لا يستطيع البقاء ولا العودة إلى التحكم بمصير الشعب السوري.
بمعزل عن مواقف القوى الخارجية، من الواضح أن اقتحام "القاعدة" الواجهة أثار استياء سائر الفئات الداخلية، بدءاً من رئاسة "الائتلاف" المعارض إلى قيادة "الجيش السوري الحر" اللتين رسمتا مسافة مع "جبهة النصرة"، إلى الكتائب الإسلامية المنضوية في صفوف "الجيش الحر" ومنها تحديداً "جبهة تحرير سوريا الإسلامية"، بالإضافة إلى مجالس التنسيقيات الثورية التي رفضت "وصاية القاعدة". وهذا في حد ذاته يؤسس لنزاعات مقبلة بين من يفترض أنهم في خندق واحد ويجمعهم الانتماء لسوريا المستقبل. ورغم أن بعض العسكريين في "الجيش الحر" يؤكد أنه لم يرَ "تطرفاً" من جانب "النصرة" وأن مقاتليها ملتزمون وأشداء ويمكن الاعتماد عليهم، إلا أن أحداً لا يستطيع المجادلة بأن تنظيم "القاعدة" قد تغيّر فجأة ولم يعد في سلوكياته ما يثير الخشية والحذر.
في الوقت الذي كانت قوات النظام تحرق داريا متراً متراً ومبنىً مبنىً، وتعرّض مناطق الغوطة الشرقية لأعنف قصف، وتشدد الحصار على حمص، وتزداد الشبهات وحتى الأدلة على أنها باشرت استخدام السلاح الكيماوي رافضة توسيع التحقيق الدولي بشأن هذا السلاح، كان لافتاً أن شعارات الجمعة الماضية ومسيراتها الشعبية عكست التمايز والتباعد أو حتى التأييد لـ"جبهة النصرة". ففي أدلب وحدها، وعلى نحو أقل في حلب، بدا الانقسام واضحاً بين منطقة وأخرى، فهذه تقول "لن نسمح لأي جبهة بالوصاية علينا" وتلك تقول "الأمة تريد خلافة إسلامية"... أي أن دخول "القاعدة" على الخط بات مربكاً ومشوِّشاً. فالمفهوم عموماً أن سوريي الثورة يتطلعون إلى "دولة جديدة" متحررة من نظام الاستبداد الذي أظهر أبشع وجوهه أمام العالم. لكن فكر "القاعدة"، الذي تجمع المعارضة و"الجيش الحر" على التبرؤ منه، برهن أنه نقيض للدولة ومفهومها صنو للعنف والفوضى.
لابدّ أن الوجه الحقيقي لـ"القاعدة" سيعود ليظهر في الوقت المناسب، لكن "جبهة النصرة" تجتهد الآن لإظهار مساهمتها المتقدمة في القتال، ساعية إلى مدّ نفوذها استعداداً للمراحل التالية. ولو عاد الأمر إليها لكانت ربما أرجأت الجهر بانتمائها لـ"القاعدة"، إلا أن التوقيت فرض عليها، وفيه دلالات مرتبطة عملياً بالمعركة المفتوحة مع الغرب. إذ أن كشف تدريب الأميركيين جنوداً منشقين لينتشروا في الجنوب ويشكلوا حاجزاً أمام تسرب القاعديين إلى الأردن وإسرائيل هو ما دفع "القاعدة" إلى إعلان أنها موجودة فعلاً في سوريا كما كانت ولا تزال في العراق. أما التجاذب بين فرعيها في هذين البلدين فهو من التفاصيل التي تستطيع احتواءها.