الرئيسة \  واحة اللقاء  \  آفاق الحل للأزمات الإقليمية

آفاق الحل للأزمات الإقليمية

15.08.2015
خالد بن نايف الهباس



الحياة
الخميس 13/8/2015
ثمة تحركات ديبلوماسية تشهدها المنطقة في الآونة الأخيرة هدفها حلحلة الأزمات الإقليمية العالقة، ما يعني أن القوة العسكرية أدت دورها أو أن الحل السياسي أصبح الخيار الأنسب. وإذا كانت الحرب ليست سوى وسيلة من وسائل ممارسة السياسة، فإن الديبلوماسية تبقى هي الوسيلة الأجدى والأقل كلفة عندما تستوفي القوة العسكرية مداها. ولا شك في أن التحركات التي تقوم بها الديبلوماسية السعودية في الفترة الأخيرة، مع روسيا وغيرها من القوى الكبرى، شكَّلت بارقة أمل للتوصل إلى حلول مُرضية، لاسيما في ما يتعلق بالأزمة السورية واليمن، ودعم جهود مكافحة الإرهاب. وتتبقى المهمة الأصعب وهي محاولة صوغ نظام إقليمي يتميز بالاستقرار والتماسك يمكن من خلاله حماية المصالح العربية العليا، وهو أمر مستقبلي ويكتنف تحقيقه الكثير من الصعوبات والعقبات.
الملفات الإقليمية على قدر كبير من التشابك، وقضايا المنطقة على قدر كبير من السيولة والانكشاف أيضاً، ما يعني أن إمكان حلها تتطلب تضافر جهود فاعلين كثر على الساحة الإقليمية والدولية، وهذا يجعل دور الفاعل المحلي أقل تأثيراً في مرحلة الوصول إلى الحل، ويزداد أهميةً في مرحلة التنفيذ. هناك دول إقليمية فاعلة خلقت لنفسها دوراً مهماً في قضايا المنطقة، وفي محاولة الوصول إلى أي تسويات مُرضية للقضايا الإقليمية، وأعني تحديداً إيران وتركيا، فيما يبقى تعاون روسيا وأميركا والدول الأوروبية ذا أولوية، ولو بدرجات متفاوتة. ومع إيماننا بأن الدور الروسي لا يزال يدور في فلك الدور المعطل بدلاً من الدور الحاسم والإيجابي، إلا أن بإمكان موسكو أن تقوم بدور أكثر فاعلية وإيجابية، بخاصة في ما يتعلق بالأزمة السورية، وذلك في ظل تراجع الدور الأميركي أو تفضيله المشاركة بالحدث بدلاً من الحسم.
في مثل هذه الحالة يظل دور القوى الإقليمية على قدر كبير من الأهمية، وهكذا كان الحال منذ بدء الثورات العربية، حيث يمكن القول إن السعودية وإيران أصبحتا القوتين الأكثر تأثيراً في الشؤون الإقليمية، في ظل تركيز مصر على عملية إعادة البناء في الفترة الحالية ومحاولة التحرك في شكل حذر يأخذ بالاعتبار مقتضيات المرحلة التي تمر بها. حتى هذه اللحظة كانت حركة الرياض وطهران في اتجاه معاكس، عطفاً على الدور العبثي الذي تقوم به إيران في المنطقة، ما زاد من تعقيد الملفات الإقليمية وساهم في التأزم الإقليمي الحاصل. والحقيقة أن السعودية وجدت نفسها مجبرة على مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، بما يستلزمه ذلك من استخدام ما تملكه من موارد القوة، بما في ذلك القوة العسكرية، وهو ما حصل في اليمن. فطهران حاولت استغلال المتاعب السياسية التي تمر بها بعض الدول العربية لزيادة أوراق الضغط التي تملكها واستخدامها في علاقاتها الإقليمية والدولية، وبلغ التدخل الإيراني مداه ما جعل الرياض تتخذ قراراً تاريخياً بالمواجهة، وهي رسالة كان صداها عالياً في الفضاء الإقليمي بالنسبة إلى كل من يحاول العبث بالمنطقة. وأتى الآن الدور على الديبلوماسية كي تقوم برسم سيناريوهات الحل السياسي المنشود والممكن للأزمات العالقة.
إن الحديث عن تفاهمات سياسية لحل الأزمة السورية من خلال انتخابات عامة تحافظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية وتجعل خيار من يحكم سورية يقرر من قبل الشعب السوري، وذلك تطبيقاً لاتفاق جنيف1 في حزيران (يونيو) 2012، هو أمر في غاية الأهمية. هذا بطبيعة الحال يستلزم عدم التدخل في الشأن السوري من قبل المليشيات والعناصر العسكرية الأجنبية، بالإضافة إلى إشراف دولي على العملية الانتخابية لضمان نزاهتها. كما أن الحل وفقاً لهذه الرؤية يقلل فرص تقسيم سورية ويحول دون وقوعها تحت النفوذ الخارجي، فيما يجعلها من ناحية أخرى عصية على سيطرة الجماعات الإرهابية.
كما أن الوضع في اليمن بدأ يتجه نحو الحل السياسي مع تحرير عدن، وعودة الحكومة الشرعية إليه، ويظل الدور المعطل في هذه الحالة ما يقوم به الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والقوات الموالية له، مع ما تبقى من عناصر حوثية. ويظل التركيز في هذا الشأن على تفعيل مخرجات الحوار الوطني وبنود مبادرة مجلس التعاون الخليجي والجهود الدولية ذات الصلة في إطار قرار مجلس الأمن 2216، لكن دون استئثار فئة بالسلطة وفي شكل قسري وغير شرعي كما حاولت فعله الجماعة الحوثية بالتعاون مع علي عبدالله صالح، وبدعم واضح من إيران. ويبدو أن الصورة اتضحت للقوى الإقليمية والدولية بأن السعودية لن تسمح لقوى يمنية معينة أو دول إقليمية بالعبث بمستقبل اليمن لتحقيق أجندة ضيقة.
الوصول إلى حل للأزمة السورية واليمنية، إذا تحقق، سيشكل عاملاً مشجعاً نحو تسوية بقية الأزمات الإقليمية ذات الصلة، في لبنان والعراق، وهو أمر غير مستحيل في ظل التقارب الروسي السعودي، والاتفاق النووي الإيراني، وعجز القوى المحلية عن الحسم في الأزمات القائمة.