الرئيسة \  واحة اللقاء  \  آن للأخضر أن يترجل

آن للأخضر أن يترجل

21.05.2014
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 20/5/2014
يبدو أن استقالة المبعوث العربي الدولي من المهمة التي وصفها رجل المهمات الصعبة، الأخضر الإبراهيمي نفسه، بالمهمة المستحيلة، لم تكن مفاجئة لأي من المنخرطين في الأزمة السورية، بمن في ذلك المراقبون والمعلقون في العالم العربي وخارجه، ناهيك عمن اعتقدوا أن هذا الدبلوماسي الجزائري المرموق قد تأخر كثيراً في موعد إلقاء هذه المسؤولية الجسيمة عن كاهليه؛ إذ لم تحظ هذه الاستقالة في الواقع سوى بالحد الأدنى من التعقيبات، وبالقليل من الأسف على هذا الإخفاق الذي كان متوقعاً من قبل.
ذلك أن العصافير القليلة التي كانت تقف على الشجرة، غداة تولي "سي لخضر" مهمة الإمساك بخيط الرجاء الأخير، طارت تباعاً أمام ناظريه واحداً واحداً. إلا أنه ظل يكابر بعناد دبلوماسي أنيق، ويراهن على استعادة حسن النية المفقود بين أطراف تقاتل قتال الحياة أو الموت؛ بعضها داخلي لا سقوف ولا محرمات لديه في صراعه من أجل البقاء، وبعضها الآخر خارجي لديه كذلك مصالح ودوافع وحسابات معقدة، على نحو لا يستطيع معها موفد المنظمتين الدولية والعربية، الإحاطة بها والسيطرة على مدخلاتها الملتبسة، وهو مجرد من القميص الواقي من الرصاص.
وأحسب أن هذا القادم من رحم الثورة الجزائرية الملهمة، كان يحدوه حس عميق بالمسؤولية القومية والأخلاقية، يفوق درجة التزامه بالواجبات الدبلوماسية؛ إذ كان يروح ويؤوب بين العواصم المتربصة بعضها ببعض، باحثاً عن شعاع أمل ضئيل، حتى لا نقول خيط وهم دقيق، يخفف من حدة الأزمة المتفاقمة، إن لم يكن بالإمكان حلها في المدى القريب؛ الأمر الذي منح الدبلوماسي المخضرم كل هذا الجلد في مقارعة المستحيل، وزوده بطاقة صبر هائلة على ما كان يتعرض له من تشكيك واتهامات تنهال عليه من الجميع.
وإذا كان من المسلم به أن هذه الاستقالة لن تخدم القضية السورية بصورة مباشرة، فإن السؤال هو: هل كان اختيار توقيت أفضل لمغادرة الأخضر الإبراهيمي خشبة المسرح، من شأنه أن يكون مجدياً أكثر؛ فيما لو وقعت هذه الاستقالة فور انتهاء مؤتمر جنيف الثاني، وكانت مسبَّبة على نحو اوضح؟ وهل لو كانت هذه الاستقالة تخاطب السوريين جميعاً، وعلى الهواء مباشرة، وتحمّل الطرف الذي أوصل كل هذه المساعي إلى الحائط المسدود، من دون تعميم ولا مجاملة، نقول هل كان ذلك أكثر نفعاً لحل هذه المأساة الرهيبة؟
بكلام آخر، هل كان باستطاعة الرجل الذي أسف للسوريين عن فشل مؤتمر جنيف الثاني، أن يترك بصمته الشخصية على مجريات الأزمة الدامية، لو أنه اتبع مقاربة أكثر شفافية من أسلوب الدبلوماسية المتكتمة، وكان يجاهر أمام الرأي العام، ويشير بإصبع سبابته إلى الطرف الذي كان يدس العصا في دولاب عجلته بطيئة الدوران، ويسميه باسمه الحقيقي، عوضاً عن هذا الجري بصمت وطول رويّة، وراء استرضاء كل الأطراف المتصارعة بالحسنى والملاينة والأخلاق القويمة؟
ليس من شك في أن السيد الإبراهيمي كان يعي كنه كل الصفحات المطوية في مجلد الأزمة السورية المؤلمة، ويدرك بخبرته الغنية، ماهية السياسات التي تحكم مواقف الأطراف الداخلية والخارجية. وعليه، فإن السؤال هو: ما هو قسط هذا الدبلوماسي العربي المحترف من المسؤولية، التي حين ناء بحملها الثقيل أنزلها عن كتفيه آسفاً، وتركها على قارعة المنظمة الدولية، كأنها سيارة مستهلكة ليس في وسع أمهر السائقين إعادة تشغيلها من دون صيانة شاملة؟
وعليه، ومع كل الاحترام والتقدير للرجل الذي ما كنا نود له أن يختتم مسيرته الدبلوماسية الحافلة بمثل هذا الإخفاق المدوي، فإنه لا مفر من إلقاء جانب غير قليل من وزر هذه النتيجة المخيبة للآمال على كتفيه المتهدلين بحكم السن وجسامة المهام الثقيلة التي ظل يحملها طوال حياته. وأحسب أن التاريخ لن يعفيه من ذلك، حتى وإن قال فيما بعد، أو كتب في مذكراته، أن طهران صدته، وأن موسكو ضللته، وأن واشنطن خذلته، وأن بعض العواصم العربية المعنية قد ناكفته، وأن دمشق قوضت مهمته منذ البداية، وأن سوء التقدير كان حليفه، عندما قلل من شأن الثورة السورية، وظل ينظر إليها كورقة صغيرة في جيوب الأطراف الداعمة لها.