الرئيسة \  مشاركات  \  أبعاد المؤامرة على سورية بين واشنطن وموسكو في مؤتمر جنيف؟

أبعاد المؤامرة على سورية بين واشنطن وموسكو في مؤتمر جنيف؟

28.01.2014
الطاهر إبراهيم




قد يعجب المراقب من سكوت "سيرجي لافروف" على استبعاد مشاركة طهران في جنيف2، وهو يعرف وزنها في دعم حليفه بشار أسد. لكن إذا استحضرنا في الذهن أن موسكو لا تتخلى عن مواقفها المتعنتة التي بنتها على مصالح لها إلا إذا حققت مصالح أكبر، فإن العجب سيزول من هدوء أعصاب وزير خارجية روسيا "سيرجي لافروف" يوم افتتاح المؤتمر.  
كي نلقي الضوء على المصالح التي تأمل موسكو أن تجنيها من مؤتمر جنيف نلفت إلى كلمات جانبية قيلت أثناء افتتاح مؤتمر جنيف أماطت اللثام عن طبيعة الاتفاق بين واشنطن وموسكو. قال جون كيري في 23 يناير الجاري: "إن هناك دولاً كثيرة مستعدة لإرسال قوات حفظ سلام إلى سوريا". لافروف من جانبه، وإن أبدى استغرابه من عدم دعوة طهران، لكنه قال إن على المؤتمر أن ينطلق، ما يؤكد أن اتفاقا من تحت الطاولة حصل بين واشنطن وموسكو لفرض حل تحت البند السابع، فيما لو وصل مؤتمر جنيف إلى طريق مسدود.
يمكننا أن نخرج من كلام الوزيرين بأن هناك أجندة متفق عليها بين كل من واشنطن وموسكو، وهي فرض الحل بقوة السلاح اعتمادا على الفقرة 21 من بنود مقررات جنيف1، فتقوم قوات "الناتو" بفرض خطوط فصل بين الجيش الحر وقوات بشار أسد. ويمكن أن نستنتج أن قوات الناتو ستحاول نزع سلاح مقاتلي الجيش الحر، ومن لم يستجب من الفصائل فيتم قصفها وإبادة من يقاوم فيها. في المقلب الآخر سيتم ترحيل بشار أسد وأهله وكل رموز القيادات الأمنية عن سورية، وتجري إعادة هيكلة للأجهزة الأمنية بأسلوب قد يرضي المعارضة السورية السياسية ، التي لا تملك إلا أن ترضى، لأنها لا تملك ما تقاوم به الحلول الأمريكية. ربما يقبل الشعب السوري مؤقتا، لأنه يتخلص ولو مؤقتا من جلادي النظام الذين ذاق على أيديهم أقسى صنوف العذاب والقهر والإذلال.
موسكو سترحب بهذا الحل، وسيرفضه بشار أسد وحزب الله، وربما تقبله طهران مؤقتا. لكنها ستعمل على تقويضه فيما بعد، لأنها تعتبره نهاية حلمها الإمبراطوري الفارسي، وحجر عثرة في طريق "دولة ولي الفقيه" التي كانت تأمل قيامها في إيران والعراق وبلاد الشام. من جهته سيقاوم بشار هذا الحل بما تبقى لديه من عسكر، يساعده في ذلك حزب الله وجنود فيلق القدس الإيراني. وبطبيعة الحال فإن الجبهة الإسلامية سترفض ذلك، يؤاذرها في ذلك جبهة النصرة التي أصبحت المستهدف رقم (1) من قبل التكتل المكون من واشنطن وموسكو ودول حلف الناتو والمالكي في العراق.
هذه القراءة لا تعني أننا نقرأ في فنجان قهوة أو نضرب بمندل. فموسكو لم تترك فرصة تفصح فيها عن رغبتها بالقضاء على الإرهاب بحسب مقاييسها إلا نوهت بها. فهي تعتبر أن المقاتلين الجهاديين إرهابيون،لاتستثني منهم أحدا بمن فيهم الجبهة الإسلامية. أما واشنطن فتختلف قليلا عن موسكو. فقد حاولت، دون جدوى، التواصل مع الجبهة الإسلامية، لكنها ربما تنقلب عليها مستقبلا. وهي تحارب جبهة النصرة لا لأنها إرهابية حسب مقاييسها،بل لأن الجبهة أثبتت أنها شديدة المراس، وتحظى بعطف البيئة الحاضنة في المناطق التي تقاتل فيها. وكما قلنا حاولت واشنطن الاتصال بالجبهة الإسلامية التي تظن أنها يمكنها، بالضغط على دول تمولها وتمدها بالسلاح، لتمنع عمها التمويل والسلاح، ما يجعلها ترضخ تحت الضغط وينفرط عقدها، فلا تجد أمامها إلا الانضواء في جيش يشكل في سورية  كجيش "بول برايمر" في العراق.
قراءة واشنطن للمشهد السوري موهمة لأنها لا تأخذ في اعتبارها:أنه "ما كل أحمر طربوش" . فإذا وجدت أن الائتلاف غير المنتخب من الشعب السوري، يضرب بعرض الحائط ما أجمع عليه أعضاء الائتلاف من نظام داخلي لا يتم تعديله إلا بموافقة ثلثي أعضاء الائتلاف، أي 81 عضوا من أصل 121 عضوا. لكن تحت ضغط الوزير "جون كيري" وافق 58 عضوا فقط على حضور مؤتمر جنيف، أي أقل من النصف. ليس هذا فحسب. بل جاءت موافقة الائتلاف بعد رفض الفصائل العسكرية الذهاب إلى جنيف، وقالت الفصائل المقاتلة في من يقبل الذهاب إلى جنيف ما لم يقله مالك في الخمر.
فإذا حصل ما يتوقعه أكثر المراقبين ووصلت مفاوضات جنيف إلى طريق مسدود، وقررت دول مجلس الأمن إصدار قرار تحت البند السابع بإيقاف القتال في سورية، وكان المقصود من هذا القرار تجريد الفصائل العسكرية من سلاحها، فستجد واشنطن: أنه "ليس كل الطيور تؤكل لحومها"، وربما تخوض واشنطن معارك فيتنام أخرى في سورية، وستجد أن الذين حضروا جنيف لا يمثلون إلا أنفسهم، وأنه "ما كل أحمر طربوش".
*كاتب سوري