الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أجمل تحية إلى رزان زيتوني

أجمل تحية إلى رزان زيتوني

31.10.2017
عبده وازن


الحياة
الاثنين 30/10/2017
لم تتعرف الكاتبة الفرنسية جوستين اوجييه إلى "أيقونة" الثورة السورية رزان زيتوني، ولم تلتق بها وجهاً لوجه، لكنّ من يقرأ كتابها "عن الحماسة: حكاية رزان زيتوني، المحامية السورية" (دار أكت سود، باريس2017) يشعر بأنها تعرفها تمام المعرفة وأن بينهما صداقة عميقة لا تخلو من الشغف أو "الشوق" الذي يرادف معنى "الحماسة" في عنوان الكتاب. ربما لم تقدّم جوستين وثائق جديدة أو وقائع مجهولة وأحداثاً غير معروفة، في سردها "حكاية" رزان، لكنها صاغت نصها البديع بمهارة، راسمة صورة موضوعية وشخصية حميمة لرزان، جاعلة منها بطلة بحق، بطلة رواية كتبتها رزان نفسها بعرقها ودمها، بنضالها وجرأتها وإصرارها على الأمل.
عندما شاهدت الكاتبة الفرنسية جوستين وجه رزان في أحد مشاهد الفيلم الوثائقي "بلدنا الرهيب"، الذي أنجزه محمد علي الأتاسي وزياد حمصي والذي صُوّر في ربيع العام 2013 في مدينة دوما، جذبتها للفور، سحرتها شخصيتها الفريدة، فقرّرت، بعدما اطلعت على سيرتها ونهايتها المأسوية "المفتوحة"، أن تكتب سيرتها. كان هذا الفيلم المؤثر، الذي ينتهي لحظة الإعلان عن اختطاف رزان زيتوني ورفاقها ليل التاسع/ العاشر من كانون الثاني 2013 في بلدة دوما، حافزاً لهذه الكاتبة الفرنسية المتحمسة أصلاً للثورة السورية التي تابعتها عن كثب من بيروت وفرنسا. عندما شاهدت الفيلم، تأثرت بصورة رزان التي خُطفت وانضمت إلى عداد المخطوفين الذين ليسوا أحياء ولا موتى رسمياً، وكتبت عن هذه اللحظة واصفة رزان: "كانت هزيلة الجسد، متعبة قليلاً ولكن على نشاط عالي الهمّة، متوترة. كان تأثيرها يشعّ، نهضت وفتحت عينيّ جيداً. لم تتكلم رزان إلا مرة واحدة. ثم طلبت من المصور الذي يحمل الكاميرا أن يوقف التصوير، طلبت منه بطريقة فظة، وقالت: "لست أمزح". كانت تلك اللحظات كما تعبّر جوستين، كافية لتعجب بها ولتقرر وضع كتاب عنها.
مضت جوستين في مشروعها، على رغم إدراكها صعوبته ومزالقه الكثيرة، جمعت كل ما أمكنها جمعه من وثائق وملفات وصور، قرأت كل ما كتبته رزان من مقالات ورسائل وتقارير، اطلعت على ما تبقى من أرشيف مركز حقوق الإنسان الذي كانت أسسته رزان. ولما اكتشقت أن معلومات كثيرة تم تدميرها وحرقها، قررت أن تلتقي رفاقها وأصدقاءها وأسرتها أو من بقي منها، وتجمع منهم شهادات حيّة. كان العمل شاقاً حتماً، فهي لم تشأ أن تكتب فقط عن رزان، بل غايتها أن تجمع كل ما تبعثر من سيرتها ونضالها لترسم لها بورتريهاً شاملاً في قلب الحدث الكبير وهو الثورة، وما سبقها، سواء في المسار السوري أم في حياة رزان نفسها. ولئن بدا الكتاب متوجهاً إلى قراء فرنسيين وفرنكوفونيين حاملاً إليهم "حكاية" رزان ومسيرتها، فهو يعني كثيراً أيضاً القراء السوريين والعرب، ليس في ما يقدم من مادة توثيقية وتاريخية يُلمّ بها أصلا هؤلاء القراء، بل في الإطار أو الكادر الذي قدمت عبره جوستين هذه المادة، جاعلة منها حافزاً على إعادة قراءة الثورة وأبعادها. وفي غمرة لعبتها الكتابية التي يندمج فيها السرد والتوثيق، تتجلى صورة رزان كمثال أو أنموذج، بل كأيقونة للثورة، أيقونة من لحم ودم، من شغف وحماسة بحسب العنوان، من عطاء وتضحية، من أمل وألم... لم تؤلف جوستين كتابها للقراء الفرنسيين الذين سيجدون فيه، كما عبّرت الصحافة الفرنسية التي رحبت به أيّما ترحاب، مرجعاً "راسخاً" و "قوياً" لمقاربة الثورة السورية ولقراءة سيرة المناضلة الحالمة، بل ألفته ربما من غير أن تدري، للقراء العرب الذين سيجدون فيه إحدى حكاياتهم المأسوية المتمثلة في الثورة السورية العظيمة، التي أجهضها النظام الدكتاتوري أولا ثم الحركات الأصولية والظلامية التي صادرتها وزوّرت أهدافها النبيلة.
أعرف رزان زيتوني جيداً، قرأت عنها الكثير وقرأت لها ما توافر لي، وأُلمّ ببعض تفاصيل سيرتها، هي المحامية والناشطة المثالية في حقل حقوق الإنسان في سورية، والمناضلة الجريئة ضد النظام الديكتاتوري والقمعي الذي يسجن ويقتل ويبيد، وضد الفكر الأصولي والأيديولوجيا التكفيرية... أعرف أنها تعرضت للتهديد والوعيد والاضطهاد، وأنها كُرّمت عالمياً، وحصلت على جائزة ساخاروف التي يمنحها البرلمان الأوروبي في ميدان الدفاع عن حقوق الانسان... غير أنني عندما قرأت كتاب جوسلين شعرت بأنني أتعرف إلى رزان للمرة الأولى أو أعيد التعرف إليها، امرأة ورمزاً وقضية. أتعرف إليها من خلال عينيّ جوسلين التي أضحت كأنها قرينتها على رغم الاختلاف بينهما، هي بصفتها كاتبة أو راوية، ورزان بصفتها "البطلة" المرويّ عنها. تكتب جوسلين قائلة: "لا تغادرني رزان. اسمها يعود دوماً. يجد فيّ نقاط صدى كي يمنعني من الانحراف". وتعترف بأنها أحبّت اسمها منذ أن سمعته يرنّ في أذنيها وأنها سُرّت عندما اكتشفت أنهما في عمر واحد. وتكتب وكأنها تبوح عن إطلالة رزان في إحدى اللقطات المصورة خلال التظاهرات الأولى ضد النظام: "أحب كثيراً هذه الصورة التي عثرت عليها في أحد أفلام فيديو التظاهرات: الحشد يغني مبتهجاً وفي وسطه رزان، هادئة وعلى شفتيها ترتسم ابتسامة ساكنة، حاضرة ولكن على شيء من الانسحاب، ترندح مصفقة بيديها. إنها هي حقاً".