الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أخطار الحرب الطائفية في سورية ولبنان والعراق

أخطار الحرب الطائفية في سورية ولبنان والعراق

07.05.2013
عبدالعزيز حمد العويشق

الوطن السعودية
الثلاثاء 7/5/2013
الموقف الدولي المتردد أتاح الفرصة للنظام السوري وحلفائه لمحاولة سحق المعارضة بأي وسيلة، وإثارة النعرات الطائفية لتعزيز مواقعهم والدفع بمشروع إيران لبسط هيمنتها على المنطقة
هل كانت مصادفةً أن النظام السوري وحزب الله والنظام العراقي قد كثفوا من هجماتهم العسكرية والخطابية هذا الأسبوع، وإثارة النعرات الطائفية؟ مَن تولّى توزيع الأدوار بينهم؟ وهل كانت تلك الأدوار مقررة سلفا، في إيران مثلا؟ أم إن الثلاثة قد تحركوا باستقلالية استجابة للظروف المحيطة بكل منهم على حدة؟
وهل اتفق الثلاثة على زيادة حدة تلك الهجمات بناء على اعتقادهم بتغير المواقف الدولية من الصراع في سورية والعراق، وأن المجتمع الدولي قد قرر أن يترك المدنيين فيهما تحت رحمة جلاديهم؟ وهل ساهمت المواقف الأميركية والأوروبية المترددة في تعزيز ذلك الاعتقاد؟
وهل من الممكن أن نعزو تصلب المواقف لدى هذه الأطراف الثلاثة لاعتبارات انتخابية وقتية في إيران والعراق ولبنان، أم إنه جزء من استراتيجية طويلة المدى؟
سأحاول اليوم الإجابة عن هذه التساؤلات.
ولنبدأ بإيران، التي هي على مشارف انتخابات رئاسية في 14 يونيو، سيتنافس فيها المتشددون والإصلاحيون بشدة على إنجاح مرشحهم، ومن الواضح أن الأطراف المتشددة في إيران هم القوة الأساسية وراء الاضطرابات في العراق وسورية ولبنان وسائر المنطقة. ويحتاج هؤلاء المتشددون إلى إظهار نجاح سياساتهم التي ستكون محل مساءلة من قبل الإصلاحيين.
وبالمثل، فإن رئيس الوزراء العراقي يحاول تحسين فرصه في الانتخابات القادمة، وتحدي النداءات المتكررة من منافسيه بإجراء انتخابات مبكرة، وعدم تجديد ولايته لفترة ثالثة. ووجد أن فرصته في تحسين شعبيته بين مناصريه بأن يتخذ موقفا متشددا من الاحتجاجات في المناطق السنية.
أما حزب الله، فإنه يواجه تشكيل حكومة جديدة في لبنان، قد تحاول الحد من سيطرته على مقاليد الحكم، وربما ظن أن دعمه للنظام السوري، وادعاءه بحماية المزارات الشيعية في سورية ستساعده في تعزيز موقفه في المفاوضات التي تسبق تشكيل حكومة جديدة. فكيف كانت الأوضاع على الأرض؟
في سورية، وردت تقارير موثوقة بأن ميليشيات النظام ارتكبت مذبحتين على الساحل الغربي، الأولى في قرية البيضاء يوم الخميس (2 مايو)، والثانية في بانياس يوم الجمعة (3 مايو)، وذهب ضحيتها نحو (150) قتيلا ومئات الجرحى، وأدت إلى هجرة واسعة من المنطقة التي تقطنها غالبية سنية. وقد اعترف النظام بقيامه بعمليات عسكرية في المنطقتين، ولكنه منع وصول الصحفيين أو عمال الإغاثة للمنطقة، مما يُعزّز مصداقية تلك التقارير.
ويُعتقد أن هذه الأعمال تهدف نحو دفع السكان غير العلويين إلى الفرار من المناطق الساحلية؛ تمهيدا لإنشاء دولة طائفية فيها بعد سقوط دمشق.
وقد ضاعف حزب الله من تدخله في النزاع السوري، وزاد من نشاطه ضد الثوار السوريين على الحدود اللبنانية-السورية، وبعد أشهر من الإنكار، اعترف الأمين العام لحزب الله يوم الثلاثاء الماضي (30 أبريل)، بأن قواته كانت تعمل داخل سورية، مدعيا أنها تحمي المزارات الشيعية. وحذر في خطابه من نزاع طائفي مدمر، متوعدا بأن يضاعف من تدخله في حال أصبح بقاء النظام السوري مهددا.
وفي العراق استمرت الاحتجاجات في منطقة الأنبار وغيرها من المناطق ذات الأغلبية السنية. ولمدة عدة أيام خلال الجزء الأخير من أبريل، قامت قوات النظام بمحاصرة نحو (4000) من المحتجين في بلدة (الحويجة)، وقطعت عنهم الغذاء والماء والعناية الطبية، وفي يوم الثلاثاء (23 أبريل)، قامت تلك القوات بمهاجمة المحتجين بالذخيرة الحية والدبابات والمروحيات، مما أدى إلى مقتل نحو خمسين متظاهرا وجرح نحو مئة وخمسين.
واتضح أن هجوم القوات العراقية على الحويجة كان جزءا من خطة أكبر لإنهاء الاحتجاجات في المناطق السنية، والتي حظيت بدعم عدد كبير من العراقيين من مختلف الطوائف. ومن المفارقات أن رئيس الوزراء العراقي، بعد أن أطلق لقواته العنان لمهاجمة المعتصمين السنيين، اتهم المحتجين بإشعال شرارة حرب طائفية. وفي كلمة مبهمة تُشبه كلمة قائد حزب الله اللبناني، حذر رئيس الوزراء من حرب طائفية لا نهاية لها.
وفي حين أن الاعتبارات الانتخابية الوقتية التي أشرتُ إليها ربما ساهمت في زيادة حدة العنف في سورية ولبنان والعراق هذه الأيام، إلا أنه من الواضح أن لدى النظام السوري وحلفائه خططا طويلة المدى لسحق المعارضة بأي وسيلة وأي ثمن، وأنهم مصممون على محاولة بسط الهيمنة الإيرانية على المنطقة.
ومن المحتمل أن النظام السوري وحلفاءه قد استقووا بتردد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في السماح للمعارضة بتعزيز قدراتها الدفاعية أمام الآلة العسكرية المتفوقة للنظام السوري وحزب الله. فهذا التردد يُعطي النظام فرصة سانحة لمحاولة استرجاع زمام المبادرة واستعادة المناطق المحررة.
ولن يتوقف النظام السوري إلا أن يقوم المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، باتخاذ إجراءات عاجلة، من خلال مجلس الأمن أو خارجه، لحماية المدنيين السوريين، ودعم حقهم في الدفاع عن أنفسهم أمام بطش النظام.
وفي العراق على وجه الخصوص، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية خاصة، فهي المورد الرئيس للسلاح، الذي تحكم استخدامه قواعد خاصة اتفق عليها الجانبان. وكما نعلم فإن أميركا والعراق اتفقا العام الماضي على الدخول في "شراكة استراتيجية"، ووقعا على اتفاقية إطارية استراتيجية لتنظيم تلك الشراكة، كما وقعا على اتفاقية تنظم التعاون العسكري بينهما والقواعد التي تحكم الوجود العسكري الأميركي في العراق. وكل ذلك يتيح للولايات المتحدة الفرصة لتقديم المشورة للنظام العراقي حول التعامل مع الاحتجاجات السلمية في المناطق السنية، والعمل على نزع فتيل النزاع الطائفي الذي تُذكيه تصرفات النظام.