الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أخطر أعداء الثورة السورية.. السلبية والحياد

أخطر أعداء الثورة السورية.. السلبية والحياد

03.03.2014
د. وائل مرزا


الشرق القطرية
الاحد 2/3/2014
"عندما يقول لك أحدهم: لا، فهذا لا يعني أنك لا تستطيع إنجاز مشروعك، وإنما يعني أنك ستنجزهُ من دونه".
تَصدقُ هذه المقولة للروائية الأمريكية كارين ميلر على ملابسات الثورة السورية وطريقة تعامل بعض السوريين معها إلى حدٍ كبير.
بكل مقاييس الحضارة والإنسانية، أثبتَ النظام السوري للعالم بأسره أنه (قزم). لكن هذه الحقيقة لن تصل بالثورة السورية إلى النصر إلا عندما يُخرج الشعب السوري كمونهُ الحضاري الحقيقي الذي يُظهر كم هو (عملاق).
لهذا تحديداً، تحتاج سوريا اليوم إلى كل أبنائها، بعيداً عن أي معنى من معاني (السلبية) أو (الحياد) التي يمكن أن تتلبس بعض السوريين، فتكون أخطرَ على ثورتهم من كل عنصر قوة يملكهُ النظام.
تتعدد أسباب السلبية والحياد، لكن النتيجة تظل دائماً واحدة.. خسارة الثورة لطاقات كان يمكن أن تُرشدها، وخسارةُ الطاقاتِ لثورةٍ قد تكونُ فرصةَ حياتِها لتُعبر من خلالها عن أشواقها وتطلعاتها، إبداعاً وابتكاراً، بمختلف الطرق وعلى جميع المستويات.
وأياً كانت خلفيتك وطريقة تفكيرك، ثمة ألف سبب وسبب تُعطيك أيها السلبي وأيها المحايد مشروعيةً لمُمَارستك.
خيبةُ الأمل ممن تصدر لتمثيل الثورة في المجال السياسي.
التنازعُ والشقاق والاقتتال بين الفصائل العسكرية.
النفاقُ في إنصاف الثورة على المستوى الدولي بداعي العجز والفيتو الروسي والمحاذير القانونية والدبلوماسية، ومئات التبريرات الكاذبة الأخرى.
(أسلمةُ) الثورة.
اختطاف الجهاديين والقاعدة للثورة.
الخوف من القادم المجهول.
ما أسهل أن يجد السوري اليوم سبباً للاستقالة من ثورة بلاده!
ليس المقامُ هنا مقامَ مناقشة صواب هذه الأسباب أو خطئها، وإنما التساؤل عما يمكن أن تفعله بخصوصها. أنت. أنت السوري الذي لا يستطيع أن يَخلعَ جِلدَهُ أو يأخذ إجازةً من انتمائه للوطن.
أين ذلك الشاب المثقف النبيه الذي صار نواة أديبٍ وفيلسوفٍ قادم؟ أين سوريا وثورتها من عطائه وإبداعه وكتاباته المتألقة؟
أين تلك الشابة المتخصصة في حقل الإعلام والعلاقات العامة، والتي بلغت مراتب عليا في أكبر الشركات بذكائها وتميزها الباهر؟
أين ذلك المثقف الكبير الذي كان إلى حين شاهداً على قدرة المثقف على أداء دوره الحقيقي؟
أين؟ وأين؟ وأين؟ أمثلةٌ تعرفُها بالأسماء والوجوه، وتفتقدُ حضورها في أجواء الثورة؟
ثمة شبهةٌ (خبيثةٌ) هنا تحتاج إلى توضيح. فالبعضُ يلجأ إلى مقولة أن ما يفعلهُ ويُقدمه، في حقل الفكر والأدب والثقافة والإعلام مثلاً، وبعيداً عن أوساط الثورة، يصب في خدمة الصالح العام. وأن الثورة السورية هي جزءٌ من صيرورةٍ حضاريةٍ كبرى تشمل المنطقة كلها، وربما العالم بأسره. من هنا، فإن عطاءهم يصبﱡ في النهاية في خدمة الثورة بشكلٍ غير مباشر.
قد تكون هذه أكبرَ كلمة حقٍ يُراد بها باطل، دون قصدٍ من غالبية أصحابها بكل تأكيد.
ويصدقُ هذا بالذات على المتميزين والفاعلين وذوي المواهب والإمكانات المتقدمة منهم. لماذا؟ ببساطة، لأنه لا يوجد أي تضاربٍ بين العمل الفعلي في المسارين. إذ لا يعدمُ هؤلاء تحديداً إيجاد الوقت والطريقة ليصب عطاؤهم في المسارين. كل ما يحتاجهُ الأمر شيءٌ من الإبداع والابتكار في العمل والإخراج.
بل ربما كان الأمر على العكس من تلك النظرة. ربما كان العملُ المحترفُ المدروسُ للثورة السورية، وصولاً لنصرها وإقامة دولتها الجديدة، هو المدخلَ إلى التأثير الفعال في (الصورة الكبرى) التي يعمل البعضُ لها.
نُدرك أن كثيراً من الناس ليسوا قادرين على إبداع مسارات ومؤسسات تستوعب عملهم وعطاءهم، وتضعه في إطارٍ أوسع بحيث يكون فعالاً ومؤثراً بشكلٍ حقيقي.
هنا يأتي الدور الحساس لمجتمع المال والأعمال، بحيث يبادر إلى التنسيق مع القادرين على التفكير والتخطيط الاستراتيجي لإبداع مثل تلك الأطر والمؤسسات.
لكن هذا لا يُعفي الجميع من مسؤوليتهم في بذل المُستطاع. وإذ يجمعُ الإنسان بين التجرد والإخلاص، والبحث والسؤال، والتفكير والحركة، يفتح الله له أبواباً لم يكن يراها، ويُيسر مداخل للعمل لم يحلم بوجودها ابتداءً.
عَجزَ الرسول الكريم عن توفير ما يحملُ بعض أصحابه إلى أرض الجهاد، فلم يملك هؤلاء إلا أن يقدموا (دمعةً) يذرفونها على حالهم. لكن القرآن الكريم قدم درساً بليغاً في المسألة، حين حَرصَ على تخليد هذا العطاء بأجمل وصفٍ ممكن إلى يوم الدين.
هذه هي الوسطية التي تتمحور حول الأخذ بعالم الأسباب وبقوانين الاجتماع البشري في هذه الحياة.
ليس في الأمر (غرقٌ في أوهام الغيبيات) يُشرعهُ بعض المثقفين سيفاً للسخرية والاستهزاء من مثل هذه المعاني. وإنما هي وسطيةٌ تغرق في العمل والتخطيط، وهي تؤمن أن هذا لا يضيع في دنيا ولا في آخرة.
يجدر الانتباه هنا إلى أن الحياد والسلبية درجات. فالأمر ليس قاصراً على الذين سلموا أمر الثورة وسوريا لله والتاريخ، واستقالوا من العمل لهما بأي طريقة.
فربما يدخل في هذا التوصيف، بشكلٍ أو بآخر، من قرر الابتعاد عن الاهتمام بالتيار العام للثورة، وانبرى ينشغل ببرنامجٍ خاصٍ لجماعته وحزبه على سبيل (التحضير للمستقبل).. ولسانُ حال هؤلاء يقول: "اذهبوا أنتم وقاتلوا النظام وتقاتلوا حتى يفرجها الله بطريقةٍ ما، وعندها أكون جاهزاً أنا وحزبي وجماعتي لاستلام البلد وبناء ماخربتموه"!.
ثمة أقدارٌ من التعالي واللامسؤولية في هذا التصرف ربما تكون أسوأ بتأثيرها من السلبية المُطلقة والحياد الكامل.
فهذا الفعلُ يوحي بأن لدى هؤلاء ما يقدمونه، ولو على سبيل الفكر والمقترح، لكنهم يزهدون به على سوريا وثورتها، ويحتفظون به لما يعتقدون أنه مستقبلُها، غافلين عن استحالة وصولنا جميعاً لذلك المستقبل ما لم تصب في الثورة كل الطاقات.
واليوم، قد يمضي السوريون من أهل الثورة مؤمنين بمقولة الروائية أعلاه حول إنجاز (المشروع) دون السلبيين والمحايدين إذا كان هذا خيارهم. إلا أنهم لا يملكون إلا السير في دربهم بعلامة استفهامٍ كبرى في عقولهم، وغصةٍ لا تُغادرُ قلوبهم، عن ذلك الخيار.