الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أخيار وأشرار العام!

أخيار وأشرار العام!

03.01.2016
حازم صاغية



الاتحاد
السبت 2/1/2016
كان الأشخاص الثلاثة الذين تصدّروا قائمة مجلة "تايم" الأميركية للعام المنقضي هم: أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، وأبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، ودونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية. وجدير بالذكر أن اختيار "تايم" لرجال العام وسيداته صار بمثابة "حقيقة تحليلية" تعاود الظهور مع نهاية كل سنة، كما تحظى بقدر واسع من الإقرار والتسليم.
لكن اختيار هؤلاء الثلاثة، المنتمين إلى قارات ثلاث، إنما يقول كم أن عالمنا بات منقسماً واستقطابياً في عام 2015، الانقسام والاستقطاب اللذان سيعيشان معنا لسنوات مقبلة على الأرجح.
وقد يقول النقاد والمتشككون إن "تايم" وسواها من وسائل الإعلام إنما تقترح الواقع وتقترح قراءة معينة له، بقدر ما تعكسهما، أو ربما أكثر. إلا أن الصحة الجزئية لهذا النقد لا تلغي وجاهة اختيار الأسماء الثلاثة التي فاقت باقي السياسيين المنافسين في احتلال الأخبار والتحليلات على مدى عام كامل.
والحال أن ثنائية الخير والشر الشهيرة تمارس، هنا أيضاً، حضورها الخفي، لا في اختيار الأسماء فحسب، بل في تعقّل شطر أساسي من الواقع ذاته. فالمستشارة الألمانية ميركل إنما تمثل الخير: فهي القائدة الأولى للقارة الأوروبية، والسياسية التي اتخذت موقفاً رحباً وإنسانياً من مسألة اللجوء قياساً بزعماء آخرين، لاسيما في وسط أوروبا وشرقها. وفوق هذا، فإن ميركل، بوصفها امرأة، مثلت مزيداً من تمكين المرأة في عالمنا. وبهذا المعنى، فإن صعودها وصعود دورها يوحيان بوجهة تقدمية غالبة في بلدان أوروبا، الغربية على الأقل. وقد يضاف إلى هذا التأويل أن انتماء المستشارة إلى الحزب المسيحي الديمقراطي يوحي بدوره بأن الدين في الغرب أضحى يملك قابليات مفتوحة للتغيّر ولمواكبة التقدم تالياً. ولما كانت ميركل من أصول ألمانية شرقية، فإن صعودها زعيمةً لألمانيا الموحدة يوحي كذلك بنجاح الوحدة الألمانية، بل بنجاح الغرب في مواجهة مشاكله عموماً.
وفي المقابل، فإن البغدادي يقدم عن الدين في العالم الإسلامي صورة بالغة القتامة. ذاك أن الدين عنده إنما يرتبط بالعنف في أكثر أشكاله وحشية، كما يرتبط بالارتداد على كل ما هو حديث ومتقدم في زمننا وعالمنا، من الوطنية وحدود الدول إلى القيم والأعراف والعادات وأنظمة العقاب. وإذا كانت ميركل تثبّتنا في القرن الحادي والعشرين، فإن البغدادي يردنا إلى قرون خلت كنا اعتقدنا أن الحضارات قد تجاوزتها.
بيد أن هذه الشريّة تجد في الغرب نفسه، بل في الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، من يتقاسمها مع البغدادي. إنه المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يجمع بين ثرائه الفاحش الناجم عن عالم البيزنس ونزعته الدائمة إلى التهريج. غير أن ترامب الذي برهن مرةً بعد أخرى كم هو عنصري بحق المسلمين، وكم هو ذكوري حيال النساء، لا يزال يتقدم بأشواط على باقي المنافسين في نيل ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية.
هكذا يتبدى أن الخروج على "الصواب السياسي" لا يزال يملك بطناً خصباً في الغرب، وأن العالم الذي يكون فيه البغدادي بطلاً، إنما يجعل ذاك البطن الغربي أشد خصوبة، بحيث يغدو مهرج كدونالد ترامب شريكه الطبيعي ونقيضه في تلك البطولة، فهما يتناقضان من موقع الشراكة في طبيعة الشر ذاته.
وما دمنا نتحدث بموجب ثنائية الخير والشر، شبه الواقعية وشبه الأسطورية في آن، فقد يقبل القارئ اعتبار ترامب والبغدادي نجمين من نجوم الشر لعام 2015، بيد أن هذا يتركنا نبحث عن اسم مفقود لا تلحظه المجلة الأميركية: إنه حتماً بشار الأسد!