الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أرباح إيران خسائر العرب؟

أرباح إيران خسائر العرب؟

13.11.2014
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الاربعاء 12-11-2014
رغم تفاؤل الجانب العُماني الذي يرعى المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، والذي أكد وجود توافق على نقاط الخلاف الجوهرية بين الطرفين، وتحفظ الأمريكيين والإيرانيين في شأن وصولهما إلى اتفاق، فالواضح أن المباحثات بين إيران وممثلي الدول الست العظمى، أيّاً كانت نتائجها، ستؤثر كبير التأثير على باقي المعادلات السياسية في المنطقة.
وتعكس الرسائل السرية التي كشف عن بعضها مؤخراً والتي وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المرجع الديني للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، وكذلك رسائل وزير خارجيته جون كيري وسفيره في العراق إلى المرجع الشيعي الأكبر علي السيستاني، عن إرادة أمريكية للتطبيع مع السلطات الإيرانية، ليس لطيّ الملفّ النووي فحسب، بل للتعاون معها في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد اندفاعته الكبيرة في العراق وسوريا.
نجح النظام الإيراني بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني بإجراء عملية تجميل وجه ملفتة لجهازه السياسي، مؤهلة للعمل على جبهة تطبيع أوضاع إيران مع العالم، بعد أن استعصى ذلك أيام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي كان وجه النظام الإيراني المشاكس والذي لا يكفّ عن تحقير مأثورات ومسلّمات العالم الغربي حول "الهولوكوست" وحقوق الإنسان وقضايا أخرى عديدة.
غير أن النظام نفسه الذي يرأسه الرئيس "المعتدل" حسن روحاني، ويرأس سياسته الخارجية الدبلوماسي المحنك محمد جواد ظريف، هو نفسه الذي أعلن أمس عن إنشائه مصانع الصواريخ في سوريا، واتفاقه مع روسيا على تأسيس ثمانية مفاعلات نووية جديدة، وهو نفسه الذي يقود جنراله قاسم سليماني بنفسه معارك الميليشيات العراقية والحرس الثوري الإيراني لإعلاء راية إيران فوق كل الرايات في العراق.
ونظام إيران ذو الوجه "المعتدل" هو نفسه الذي ساهمت أمواله وأسلحته وخبراته العسكرية والأمنية والإلكترونية وميليشياته العراقية واللبنانية في منع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي استمرار المأساة السورية قتلاّ وتهجيراً وتمكيناً للماكينة الأمنية لنظام دمشق.
وهو نفسه الذي موّل وسلّح ووجّه الميليشيات الحوثية ودفع باليمن الى هوّة الاستقطاب الطائفيّ وأخذ به نحو الانهيار، وهو، بالتحالف مع الأسد، الذي مكّن "حزب الله" اللبناني من زمام لبنان وجمّد الرئاسة والحكومة والبرلمان، جاعلاً الجمهورية بأكملها رهينة لقرار خامنئي.
في استراتيجيتها البراغماتية لا تأنف طهران من التعامل مع من تعتبرهم خصوماً أيديولوجيين، من تنظيم "القاعدة" الذي كانت أراضيها ملاذاً آمناً لبعض قياداته، إلى إسرائيل التي انفضح أمر صفقة سلاح معها أثناء حربها مع العراق والتي تتشارك معها تمسكها الموضوعي بنظام الأسد "الممانع"، وهي التي تدعم وتسلح وتموّل أحزابا إسلامية "سنّية" وكردية "علمانية" أيضاً.
تمكن النظام في طهران، طوعاً أو كرهاً، من جمع شعوب إيران خلفه، وفي المنطقة اعتمد وسطاء مثل سلطنة عُمان، واستفاد من ميزان تعاملاته المالية الهائل مع الإمارات، ولعب على الخلافات بين دول الخليج، وكذلك بين الدول العربية، كما استثمر في الصراع بين الروس مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وهو ما يذكّر بصورة نوستالجية بالأبيض والأسود لمصر أيام عبد الناصر، حين كانت ملتقى دول عدم الانحياز، ومركز القرار العربيّ، بينما هي الآن تعاني من وطأة نظام دكتاتوري متهافت الأثر عالمياً وإقليمياً، ويستهدف بيد قواته المسلحة وشرطته وأمنه وحدته الوطنية من خلال فتح جرح سياسيّ كبير، بدأ بالانقلاب ومرّ بمجزرتي رابعة والنهضة، ولم ينته حتى الآن.
وكما تراجعت مصر، التي كانت القطب العربي والعالمي الثوري الذي يواجه السعودية في اليمن ولبنان وسوريا والعراق والأردن وبلاد المغرب، تراجعت السعودية بدورها، وصار الحرس الثوري الإيراني على حدودها، فيما تقود هي أيضاً، رفقة الإمارات، سياسة مدمّرة وعبثية ولا معنى لها ضد جماعة "الإخوان المسلمين".
تقود إيران عملية استيلاء كبرى على المنطقة، ولا تجد مساعداً لها أكبر من سياسات الدول العربية نفسها، فبدلاً من دعم قوى الإسلام السياسي المعتدلة في مواجهة "القاعدة" و"داعش" وميليشيات إيران، تفتح هذه الدول جبهة واسعة ضدها تخسر فيها الماضي والحاضر والمستقبل.