الرئيسة \  تقارير  \  أفريقيا بلد :على الاستعمار تقديم الحقيقة والمصالحة لأفريقيا

أفريقيا بلد :على الاستعمار تقديم الحقيقة والمصالحة لأفريقيا

25.12.2021
روب ليمكين؛ وفيمي نيلاندر


روب ليمكين؛ وفيمي نيلاندر* – (أفريقيا بلد) 16/12/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الخميس 23/12/2021
يقول روب ليمكين وفيمي نيلاندر إن مقتل اثنين من المتظاهرين الشهر الماضي في تيرا، النيجر، يجب أن يسلط الضوء -ليس على فرنسا فحسب، ولكن على جميع القوى الاستعمارية السابقة. ويعيش سكان تيرا في بؤرة الصراع المستمر منذ 8 سنوات بين الجهاديين المرتبطين بتنظيم “داعش” من جهة، والجيشين، الفرنسي والنيجري، من جهة أخرى. وقد قتل في هذا الصراع أكثر من 500 مدني هذا العام وحده. وتم تهجير السكان في أكثر من 100 قرية لإفساح المجال لإنشاء قاعدة عسكرية فرنسية في كوالام القريبة. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن ما يقرب من 600 ألف شخص هناك معرضون الآن لانعدام الأمن الغذائي فيما يشكل “أزمة كبرى”.
* *                            
في ليلة 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، توقفت قافلة عسكرية فرنسية مؤلفة من حوالي 100 مركبة في بلدة تيرا النيجيرية على بعد 30 كيلومتراً من الحدود مع بوركينا فاسو. وكانت القافلة المسمّاة “الطريق المقدس” تنقل أسلحة ومعدات من ساحل العاج إلى مالي، كجزء من عملية مكافحة التمرد الفرنسية ضد جهاديي تنظيم “داعش”. وكانت القافلة قد واجهت مسبقاً متظاهرين غاضبين في بوركينا فاسو، ولكن لا شيء من ذلك كان يضاهي ما حدث في صباح اليوم التالي في تيرا.
بحلول الساعة 11 صباحًا، حاصر حوالي 1.000 نيجيري القافلة، وأخذوا يرشقونها بالحجارة والعصي الخشبية، وهم يهتفون “تسقط فرنسا!”. وبحسب شهود عيان قابلتهم صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، ألقت طائرة فرنسية من طراز “ميراج 2000” قنابل غاز مسيل للدموع على المحتجين. وقال فيصل حمادو: “بعد ذلك تجمع الجنود وفتحوا النار. أطلقوا النار إلى الأمام -ليس فوق، ولا إلى اليسار أو اليمين. ولم يكن جندي واحد هو الذي أطلق النار، العديد منهم فتحوا النار”. وقال القائد الفرنسي الكابتن فرانسوا كزافييه لراديو فرنسا الدولي إن رجاله استخدموا أسلحة غير فتاكة. وقال إن البنادق كانت تستخدم فقط للطلقات التحذيرية.
قتل في الأحداث اثنان من المتظاهرين بالرصاص. وتوفي ثالث في وقت لاحق في مستشفى بالعاصمة نيامي. وأصيب 13 آخرون وما يزال بعضهم فى حالة حرجة. وقد أكد وزير الداخلية النيجيري وقوع الضحايا، لكنه امتنع عن الإفصاح عما إذا كانت الطلقات المميتة قد أطلقها جنود فرنسيون أم عناصر من الدرك النيجيري المرافقين لهم.
أجرت قناة “تي. في-5 موند” مقابلات مع شهود عيان ومع شقيق أحد القتلى، الذي أكد أن الجنود الفرنسيين هم الذين قاموا بإطلاق النار. وسجلت مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي أحد رجال الدرك النيجيري وهو يصرخ بالجنود الفرنسيين طالباً منهم وقف إطلاق النار. ومع ذلك، اختارت وسائل الإعلام الفرنسية حتى الآن تسليط الضوء على صور لخمسة نيجيريين وهم يضربون إحدى شاحنات القافلة بعصي خشبية.
أصداء في سفك الدماء الكولنيالي
عندما صورنا فيلمنا الوثائقي “نهاية العالم الإفريقية” لقناة “بي. بي. سي. 2” الذي يُعرض الآن في سلسلة على قناة “بي. بي. سي. غلوبال”، تم رفض السماح لنا بالسفر إلى تيرا. وأخبرتنا السلطات أن الوضع هناك شديد الخطورة. وكنا نتعقب المسار التاريخي للطابور الفرنسي بقيادة القائد الوحشي المعروف باسم الكابتن بول فوليه، والذي خلف وراءه عشرات الآلاف من النيجيريين القتلى.
والآن، بعد مائة وعشرين عامًا، أصبحت ذكريات تلك المذابح التي خلقت المستعمرة (والحدود الحالية للبلاد) محفورة في وعي كل الذين التقينا بهم، كبارًا وصغارًا على حد سواء. وما يزال عنف فوليه حياً لأنه يمثل بداية الحاضر المؤسف الذي يعيشه الناس في أفقر دولة في العالم.
ولا يسعنا إلا افتراض أن سكان تيرا يشعرون اليوم بالشعور نفسه. إنهم يعيشون في بؤرة الصراع المستمر منذ 8 سنوات بين الجهاديين المرتبطين بتنظيم “داعش” من جهة، والجيشين، الفرنسي والنيجري، من جهة أخرى. وقد قتل في هذا الصراع أكثر من 500 مدني هذا العام وحده. وتم تهجير السكان في أكثر من 100 قرية لإفساح المجال لإنشاء قاعدة عسكرية فرنسية في كوالام القريبة. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن ما يقرب من 600 ألف شخص هناك معرضون الآن لانعدام الأمن الغذائي فيما يشكل “أزمة كبرى”.
تُعد تيرا موقعًا مهمًا في تاريخ النيجر وبوركينا فاسو، فقد كان هنا في العام 1983 حيث ألزم الرئيس سيني كونتشي (النيجر)، والرئيس توماس سانكارا (بوركينا فاسو) بلديهما بمبادئ عدم الانحياز بموجب “إعلان تيرا”.
وما يزال سانكارا يشكل رمزًا في جميع أنحاء إفريقيا. فقد حققت حكومته الراديكالية التي لم تدم طويلاً قفزات نوعية في إعادة توزيع الأراضي، والرفاهية الاجتماعية الجماعية التي لم يكن بمقدور المحتجين اليوم في تيرا إلا أن يحلموا بها فحسب. وجعلت منه سياساته وخطابه تهديدًا لـ”فغونسافخيك”، وهي شبكة من العلاقات التجارية والسياسية التي أبقت على باريس واحدة من أقوى القوى في إفريقيا منذ الاستقلال. وقُتل سانكارا في انقلاب عسكري في العام 1987، والذي يشتبه كثيرون أنه تم تنفيذه بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية والاستخبارات الفرنسية.
في تشرين الأول (أكتوبر)، بدأت محاكمة 14 رجلاً متهمين بقتله في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد وعد في العام 2017 بالإفراج عن جميع الوثائق السرية المتعلقة بالقضية. وقد تم فتح ثلاث حزم من الوثائق حتى الآن، ولكن لم يتم فتح أي دفعات من وثائق مكتب فرانسوا ميتران، الذي كان رئيس فرنسا في وقت مقتل سانكارا.
كما كان فتح الأرشيف حول غزو فوليه في العام 1899 من بين مطالب المجتمعات النيجيرية التي عملنا معها خلال إعداد فيلمنا. وفي المذكرات المقدمة إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة لتعزيز الحقيقة والعدالة، يطالب النيجيريون بإجراء تحقيق كامل، وبناء سلسلة من النصب التذكارية والتعويضات. لكنهم يطلبون أولاً اعترافًا من فرنسا واعتذارًا للنيجيريين عن الهلاك الذي واجهوه في العام 1899، والذي آذن بحكمها الاستعماري.
في أعقاب الوفيات في تيرا، رفضت السلطات النيجيرية منح الإذن بتنظيم مظاهرة دعت إليها المنظمة غير الحكومية المحلية “دعونا نقلب صفحة النيجر” في 11 كانون الأول (ديسمبر)، وتم إلقاء القبض على خمسة نشطاء يعملون مع المنظمة غير الحكومية ووجهت إليهم تهمة المشاركة في تجمع غير مصرح به للاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وفي وقت سابق، دافع الرئيس النيجيري، محمد بخاري، عن الوجود الفرنسي في منطقة الساحل، قائلا إن رحيل الفرنسيين سيؤدي إلى “الفوضى”. وفتحت وزارة الداخلية تحقيقا “لتحديد ملابسات مأساة تيرا وتحديد المسؤوليات”. كما تجري لجنة حقوق الإنسان في النيجر تحقيقا في الأمر. دعونا نأمل أن يتعاون الجيش الفرنسي بشكل كامل وعلني مع كلا التحقيقين.
ربما يمكن أن تكون هذه خطوة جديدة على الطريق نحو تقديم حقيقة ذات معنى ومصالحة من الاستعمار في إفريقيا -ليس فقط من قبل فرنسا، ولكن من قبل جميع القوى الاستعمارية السابقة في القار.
*Rob Lemkin وFemi Nylander: قاما بعمل فيلم وثائقي على قناة “بي. بي. سي. أرينا” بعنوان “نهاية العالم الأفريقية” عن الغزو الاستعماري الفرنسي للنيجر.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Truth & Reconciliation for Colonialism in Africa