الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أزمات الشرق الأوسط... تفرض نفسها دائماً!

أزمات الشرق الأوسط... تفرض نفسها دائماً!

24.06.2013
د. عبدالله خليفة الشايجي

الاتحاد
الاثنين 24/6/2013
أمام تفاقم الأزمات والمخاوف من تفجر الأوضاع في الشرق الأوسط، ومع تراجع ملف عملية السلام والصراع العربي-الإسرائيلي أمام تقدم ملف وتعقيدات الثورة السورية والتهديد بتفجر وتمدد حرب طائفية إقليمية سنية- شيعية، ومع الاحتقان الكبير في مصر عشية الذكرى الأولى لفوز الرئيس مرسي برئاسة البلاد، واستمرار المظاهرات المعادية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حقق الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني مفاجأة غير متوقعة بفوزه بانتخابات الرئاسة بأكثر من 50 في المئة من الأصوات، ومن الجولة الأولى. وهذا قد يساعد على التعامل ببراجماتية وجدية مع إيران ومطالبها من قبل الغرب، أو على الأقل تفكك التحالف الغربي- الأوروبي- الأميركي لكسر طوق العقوبات الخانقة والضاغطة على إيران. وجاء أيضاً دعم وترحيب واشنطن بفتح مكتب لـ«طالبان» أفغانستان في الدوحة، للتفاوض مع الأميركيين حول المستقبل تمهيداً للانسحاب العام القادم، على حساب شرعية وسيادة النظام الأفغاني -والملفت أنه في الوقت الذي تقصف فيه أميركا «طالبان» بطائرات بدون طيار تتفاوض معها في الدوحة. وكان ملفتاً هنا الانتقاد الأقسى الذي وجهه الرئيس الأفغاني حامد كرزاي واعتباره أن: «الأميركيين أسوأ من طالبان في أفغانستان»!
وفي هذا الوقت يؤكد مرشح الرئاسة السابق عن الحزب الجمهوري والسيناتور الأميركي المخضرم «ماكين» أن «الشرق الأوسط على وشك الانفجار» بسبب «القتال في سوريا وتزايد التوتر في الأردن ولبنان، والطابع المذهبي الذي يهدد بحرب إقليمية». وهكذا تتسارع الأحداث في المنطقة لتفرض نفسها على صناع القرار في عواصم القرار العالمي، للتعامل بجدية مع قضاياها المعقدة.
وهكذا يفرض الشرق الأوسط نفسه مجدداً بكل تعقيداته وملفاته وأزماته على الشأن الدولي، وعلى أجندة الكبار أينما اجتمعوا. ولذلك علقنا مراراً هنا بأن محورية وأزمات الشرق الأوسط لن تسمح للولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا بالاستدارة شرقاً باتجاه آسيا والصين والمحيط الهادئ كما تكرر واشنطن على الدوام، مؤكدة على محورية وأهمية تلك الاستدارة لمستقبل النفوذ والمصالح الأميركية في العقود القادمة. وفي الوقت الذي تضيع فيه أوروبا ويتعمق ضياعها في عدم قدرتها على أن تكون لاعباً مؤثراً في قضايا وأزمات وثورات الشرق الأوسط، وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى وقف النزيف والالتزامات المكلفة والمرهقة لأميركا المتراجعة والمثخنة من التكلفة العالية لالتزاماتها الدولية وخاصة في الشرق الأوسط، نرى أن قضايا وأزمات المنطقة تستمر في ملاحقة الغرب وخاصة واشنطن التي انسحبت أصلاً من العراق وبدأت بخفض عديد قواتها المسلحة من أفغانستان تمهيداً للانسحاب العسكري من هناك عام 2014.
وفي هذا الوقت كما أوضحنا في مقالنا السابق هنا في «الاتحاد» عن «أسباب الاستدارة الأميركية في سوريا» فإن الولايات المتحدة أعلنت عزمها على تسليح الجيش الحر وفصائل منتقاة من الثوار في سوريا. وشارك وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» في زيارته الخامسة الأسبوع الماضي للمنطقة في اجتماع «أصدقاء سوريا» بالدوحة لمناقشة كيفية تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية. وهو ما تطالب هذه المعارضة بالحصول عليه وخاصة الصواريخ المضادة للدروع والدبابات والطائرات، في ظل تراجع فكرة إقامة مناطق حظر طيران -وذلك بهدف تغيير موازين القوى في الصراع على الأرض. ولهذا شارك كيري في اجتماع وزراء الخارجية بحضور إحدى عشرة دولة في الدوحة لمناقشة كيفية تقديم الدعم للثوار.
وقد فرضت الحرب في سوريا نفسها بقوة، كما تابعنا، على أجندة قمة الدول الصناعية الكبرى «مجموعة الثماني» في بلفاست الأسبوع الماضي وسط انقسام بين الدول السبع الغربية واليابان في جهة، وروسيا في جهة أخرى. وكان واضحاً كيف استحوذت الثورة السورية والحرب بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية وحتى الحرب الباردة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى على اهتمام قمة الثماني، حيث أطلق أحد المحللين توصيفاً معبراً لهذه القمة بأنها قمة السبعة زائد واحد -أي روسيا! في دلالة على الانقسام وإصرار الرئيس الروسي على التمسك بموقف بلاده الداعم لنظام الأسد في سوريا، واستغرابه من عزم الغربيين تسليح الثوار في سوريا على رغم علمهم بوجود جماعات مسلحة متشددة كما وصفها! وهذا ما رسخ صورة الوجوم التي وصفتها صحيفة «نيويورك تايمز» واصفة اللقاء بين الزعيمين بأنه «مباراة في العبوس والتجهّم بين أوباما وبوتين»، أثناء اللقاء الرسمي الذي جمعهما وهما مقطبا الوجه وعابسان دون النظر إلى بعضهما بعضاً، في أبلغ تعبير على عمق الخلافات بين واشنطن وموسكو حول العديد من الملفات بما فيها خفض الترسانة النووية بين الطرفين.
والراهن أن ثمة ثلاثة تحديات كبيرة أمام الولايات المتحدة الأميركية تبرز معاً وقد ناقشها كيري في زيارته الأسبوع الماضي، بدءاً بالثورة والحرب الأهلية في سوريا وكيفية تسليح المعارضة والتأكد من عدم حصول الجماعات المتشددة على الأسلحة المتطورة. والثاني أبعاد التفاوض مع حركة «طالبان» التي افتتحت مكتباً لها في الدوحة. والثالث إمكانية الانفتاح وتحقيق اختراق مع إيران- روحاني في ظل براجماتيته وقوله في أول مؤتمر صحفي عقده بأن فوزه «انتصار للاعتدال على التشدد». كما أن واشنطن تريد أيضاً تعاون إيران في سوريا وأفغانستان. والحكم على روحاني الذي تعلم واشنطن وغيرها محدودية صلاحياته، سيكون بالأفعال وليس بالأقوال والتمنيات. ولكن كما ذكر مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي فإنه «حتى يكون انتصار روحاني تاريخياً، وحتى لا يذهب سدى، فقد حان الوقت لحل وسط شامل» في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.
ومن الواضح أن قدرات واشنطن في الملفات الثلاثة المعقدة: السوري، والإيراني، والأفغاني، بحاجة لالتزام وتدخل دائم وليس جهداً وقتياً ومتقطعاً كما نراه اليوم من زيارات متكررة لوزير الخارجية. كما أن هناك شكاً في عزيمة واشنطن ووفائها بالتزاماتها وطمأنة حلفائها القلقين من التردد الأميركي وفي التأثير على مجريات الأحداث.
كما أن خصوم واشنطن يدركون انكفاء أميركا وجديتها في الاستدارة شرقاً وتقليص الخسائر ووقف النزيف وهذا ما تدركه إيران و«طالبان». وهكذا تواجه واشنطن خصوماً متمرسين يعلمون محدودية قدرتها ورغباتها. وهكذا أيضاً يبقى الشرق الأوسط بكل تعرجاته وأزماته هو العقدة التي تفرض نفسها على عواصم صنع القرار وقممها، وتؤرق الجميع وخاصة واشنطن المنكفئة والمترددة والمستديرة شرقاً!