الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أزمة سوريا أفشلت الحرب ضد الارهاب ووسعت دائرته

أزمة سوريا أفشلت الحرب ضد الارهاب ووسعت دائرته

29.05.2014
د. سعيد الشهابي


القدس العربي
الاربعاء 28/5/2014
ملفات عديدة تداخلت مع بعضها بشكل غير مسبوق بسبب الازمة السورية، واصبح تفكيك القضايا المتضمنة فيها امرا شبه متعسر ما لم تنته تلك الازمة بشكل نهائي. ويكفي الاطلاع على عناوين الاخبار ذات الصلة لاكتشاف حجم ذلك التداخل ومدى صعوبة مهمة التعاطي مع كل من هذه القضايا خارج اطار تسوية لتلك الازمة. فاللقاء الذي تم الاسبوع الماضي في العاصمة القطرية بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، ومساعد وزير الخارجية الايراني، حسين أمير عبد اللهيان، جاء على خلفية القطيعة بين الطرفين العام الماضي بعد عملية "القصير".
تلك العمليات كشفت للتحالف الذي يضم سوريا وايران وحزب الله ان حماس نقلت خبراتها للمجموعات التي تقاتل ضد النظام السوري، وبعض تلك الخبرات استفادتها حماس من علاقاتها مع ايران وحزب الله. هذه المرة أشاد مشعل، حسب ما نقلته وكالة الانباء الايرانية بـ "دعم إيران للمقاومة في فلسطين"، مؤكدا أن "حماس لن تنسى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري بشار الأسد والشعب السوري لفلسطين". تصريحات مشعل يمكن تفسيرها في اطار طبيعة السياسة وتقلباتها وتغير لاعبيها وتحالفاتهم بشكل مستمر. لكن المهم ان الازمة السورية لم تترك بيتا الا دخلته من اوسع ابوابه. بل انها أدت الى تمزيق الامة بشكل غير مسبوق وفق خطوط الدين والمذهب والموقف السياسي. بل ان الدول المجاورة لسوريا اصبحت هي الاخرى متورطة بشكل او آخر في صراع ليس من صنعها ولن تستفيد من نتائجه كثيرا، وان عليها ان تدفع فواتير استمراره بعد ان اصبح جرحا نازفا يستعصي على الرتق. ويمكن القول ان من اهم ضحايا تلك الازمة بالاضافة للشعب السوري الذي يعيش محنة هي الكبرى في تاريخه المعاصر، القضية الفلسطينية خصوصا منظمة حماس، ومشروع التغيير الديمقراطي في العالم العربي، والعلاقات العربية ـ الايرانية والعلاقات بين المسلمين، ومشروع "الاسلام السياسي". وثمة ضحية اخرى يتوقع ان تتضح معالمها في المستقبل غير البعيد تتمثل بالامن القومي للدول التي ما تزال تغذي الحرب الاهلية بالمال والسلاح والرجال.
ويمكن القول ان المنطقة بانتظار تبعات الازمة السورية على صعيد الامن القومي للعديد من الدول، خصوصا التي دفعت لتصعيد الوضع الامني والعسكري بهدف اسقاط نظام بشار الاسد.
ولكن يلاحظ ايضا ان هذه الدول ادركت هذا الخطر واتخذت بعض الخطوات لمنع وقوعه او الحد من آثاره اذا حدث. ففي الشهر الماضي عينت السلطات الامريكية مسؤولا مخضرما لإجراء تحقيق بشأن تدفق مقاتلين أجانب بينهم أمريكيون ينضمون لمقاتلي المعارضة في سوريا وذلك في علامة على الانزعاج المتزايد من خطر المقاتلين المتشددين العائدين إلى أوطانهم. وينضم معظم الأجانب إلى الفصائل الأكثر تطرفا التي تسعى للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد ومنها جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام. ويقول مسؤولون أمريكيون وغربيون إن تخوفهم الرئيسي هو أن يبدأ المقاتلون المخضرمون الذين زادتهم تجربتهم في سوريا تشددا في شن هجمات ارهابية بعد عودتهم إلى بلدانهم.
وما يدعو للاستغراب هنا ان واشنطن خاضت تجربة مماثلة في افغانستان، حيث دعمت مجموعات من المجاهدين للقتال ضد الاتحاد السوفييتي، وكان لها دور في تأسيس تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن. فماذا كانت النتيجة؟ لقد دفعت واشنطن الثمن الاكبر لذلك بعد انتهاء الحرب ضد القوات السوفييتية، ودخل العالم مرحلة الارهاب الدولي الحقيقي الذي تقوده القاعدة. وبعدها خاضت امريكا ما تسميه "الحرب ضد الارهاب" وخصصت امكانات مالية وعسكرية هائلة لذلك. وبدلا من القضاء عليه يمكن القول بان الارهاب اليوم توسع كثيرا وامتد الى أسيا (بما فيها روسيا والصين) وافريقيا. وربما ساهمت سياسات "هندسة الارهاب" في منع وصوله للعواصم الغربية، ولكن ما ضمانات عدم حدوث ذلك؟
الملاحظ ان هذه الاجراءات الامريكية لم يصاحبها قرار بانهاء الازمة السورية، بل لتوسيعها.
وذكرت قناة "فوكس نيوز" الشهر الماضي ان الولايات المتحدة أرسلت صواريخ مضادة للدبابات الى مجموعمات مسلحة تابعة للمعارضة السورية.
وخلال زيارة وفد المعارضة السورية لامريكا الاسبوع الماضي نوقشت مسألة زيادة الدعم الامريكي واتخذت قرارات لم تتضح حتى الآن. الامر الواضح ان هناك حرصا غربيا على استمرار الازمة السورية خشية ان يؤدي انتهاؤها الى توزع المقاتلين في انحاء العالم ووصولهم مجددا الى العواصم الغربية. وقد اصبح هذا الاحتمال هما يراود الساسة الغربيين الذين اصبحوا امام خيارين: كلاهما مر: وقف العمل العسكري في سوريا والعراق، بهدف خنق المجموعات المسلحة التي اصبحت تستقطب عناصر من كافة اقطار الدنيا، او التدخل عسكريا لاسقاط النظام السوري، وهذا ما تطلبه السعودية. ربما لم يواجه الغربيون وضعا كهذا يفرض عليهم حسم القرار بهذا الاتجاه ام ذاك. ويعلمون ان عدم اتخاذ قرار واضح ليس خيارا لانه يعني استمرار الوضع الراهن وما ينطوي عليه من حتمية انتشار دائرة العنف ووصولها الى الغرب مجددا.
الساسة الغربيون يعلمون جيدا ان الارهاب توسعت دائرته ووصل الى قلب افريقيا، ولكن غياب النظرة الاستراتيجية لدى هؤلاء جعلهم يترددون كثيرا في اتخاذ قرار شجاع باحتواء العنف ومحاصرة من يمارسه. وما حدث العام الماضي في الصومال على ايدي "حركة الشباب" وكينيا مؤخرا، وقبلها في الجزائر كل ذلك مؤشر سلبي لاتجاه انتشار الارهاب في افريقيا. وبرزت نيجيريا مؤخرا لتنضم الى الدول الموبوءة بالارهاب.
فبعد ان قامت منظمة "بوكو حرام" بخطف حوالي 300 فتاة من احدى المدارس واجبار بعضهن على تغيير دينهن، حدثت تفجيرات رهيبة سلطت الضوء على خطر انتشار الارهاب الى مناطق نائية من القارة الافريقية. ففي 20 من هذا الشهر قتل اكثر من من 120 شخصا في الإنفجارين اللذين هزا منطقة تجارية مزدحمة بمدينة "جوس" عاصمة ولاية "بلاتو" بوسط نيجيريا" وتفجير انتحاري بمدينة "كانو" بشمال البلاد منذ أيام. ويتوقع استمرار الاعمال الارهابية في نيجيريا ما دام الموقف الدولي ازاء ظاهرة الارهاب في العالم الاسلامي باهتا. وثمة تساؤلات عن سر استهداف الدول الاسلامية الكبرى بهذه الظاهرة. فمن باكستان الى العراق ومن مصر الى نيجيريا تنتشر الظاهرة لتوقف عجلة التنمية التي تتطلب الاستقرار، ولتشغل الدول الاسلامية الكبرى عن اداء دورها في النهضة الاسلامية التي طالما كانت حلما للمسلمين.
وامريكا ليست وحدها التي تسعى لمنع عودة الارهاب الى اراضيها. فمن جانبها اتخذت بريطانيا اجراءات مشددة لمنع المواطنين البريطانيين من الذهاب الى سوريا للمشاركة في الحرب، وفي التاسع من هذا الشهر قالت لجنة برلمانية إن بريطانيا يجب ان تتحرك بصورة عاجلة لمنع مواطنيها من السفر للقتال في سوريا وصراعات أخرى وسط مخاوف من أنهم يمكن ان يتبنوا فكرا متشددا هناك وأن يعودوا لتنفيذ هجمات في بلدهم.
وحذر رئيس لجنة الشؤون الداخلية، كيث فاز، أيضا من أن بريطانيا تواجه حاليا "تهديدا ارهابيا" شبيها لما حدث في فترة هجمات 11 ايلول/ سبتمبر على الولايات المتحدة قبل 13 عاما. وقالت اللجنة في تقرير عن مكافحة الارهاب: "عدد المواطنين البريطانيين والغربيين الذين يسافرون للقتال في صراعات اجنبية وصل الى مستويات مزعجة تختلف عن أي شيء شوهد في السنوات القليلة الماضية". وقال كيث فاز إن "منع البريطانيين من الرجال والنساء من الذهاب ليصبحوا مقاتلين أجانب في سوريا وميادين صراعات أخرى والتواصل معهم حين يعودون أمر حيوي لتجنب تعريض أمن بريطانيا للخطر على مدى سنوات كثيرة قادمة". وسلكت فرنسا الطريق نفسه، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات رادعة في حق مواطنيها الذين يقاتلون في سوريا، من بينها إلغاء قانون يعفي الأحداث ممن لم يبلغوا سن الثامنة عشرة من الحصول على إذن ذويهم قبل مغادرة الأراضي الفرنسية، وإعادة اعتماد قانون يسبقه كان يفرض الحصول على هذا الإذن. وتتضمن الخطة بندا يتعلق بتعميم اسم كل من يشتبه بعلاقته بشبكات التجنيد وصورته في جميع الدول الأوروبية، بحيث يمنع من السفر إلى أي منها، وإنشاء فريق خاص مكلف بالتواصل مع أهالي المقاتلين الفرنسيين. إلى جانب مراقبة بعض المساجد التي تحرض على التوجه إلى القتال.
هذا التوجس والقلق من المقاتلين في سوريا اصبح هما يشغل بال الدول المجاورة، خصوصا السعودية. وقد انتهجت الرياض مؤخرا خطة اخرى لردع مواطنيها من التوجه للقتال في الشام، وسهلت اجراءات عودة الراغبين من اولئك المقاتلين الذين يقدر عددهم باكثر من 1400. ثقافة العنف اصبحت تحديا خطيرا لقوى الثورة المضادة. هذه المرة لن يقتصر الثمن الذي تدفعه هذه القوى على ما يوجه لها من انتقاد او شجب، بل ان خطر العنف الميداني سيتجاوز المألوف وسيصيب مشاعر الشعوب الآمنة بصدمات نفسية واخلاقية غير معهودة. بل سيتجاوز ذلك لانه سيفجع الكثيرين في أعز ما يملكون، كل ذلك من اجل تنفيذ خطط "الكبار" الذين تحميهم الجيوش المدججة بصفقات السلاح العملاقة. لماذا يضحي هؤلاء بالشعوب المظلومة؟ وهل يبرر التهافت على السلطة والمال هذه الجرائم بحق الآمنين؟
٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن