الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أسباب توجب التدخل في سوريا

أسباب توجب التدخل في سوريا

11.05.2013
حازم صاغيّة


حازم صاغية
الاتحاد
السبت 11/5/2013
هناك أكثر من إشارة توحي بأنّ الاتفاق الأميركي- الروسيّ الأخير حول سوريا ليس للتنفيذ. وهذا ليس عائداً فحسب إلى تزمّت الأسد، وأنّ رحيله غدا شرطاً مسبقاً لأيّة تسوية قابلة للحياة. فإلى ذلك كلّه ثمّة حسابات صلبة تفرض نفسها على الواقع وعلى التحليل في آن واحد. وفي انتظار أن تتضح الوجهة التي بدأتها الضربات العسكريّة الإسرائيليّة الأخيرة، لوحظ أنّ أعداد كبار الرسميّين الأميركيّين والأوروبيّين الذين يتعاملون مع التدخل كفرضيّة محتملة، أو يؤكّدون استخدام النظام السوريّ للسلاح الكيماويّ، وعبوره "الخطوط الحمر"، في تزايد ملحوظ.
والحال أنه ليس من الصعب بتاتاً العثور على نقاط تقاطع بين بلدان الغرب ومصالحها، وعلى الأخصّ الولايات المتحدة، وبين السوريّين ومصالحهم، وهذا ناهيك عن مصالح عريضة أخرى، عربيّة وشرق أوسطيّة، سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة، تلتقي عند هذا التقاطع.
لقد بات أقرب إلى البديهيّ القول، إنّ النظام الأسديّ عاجز عن إنهاء الثورة وسحقها، بقدر ما هو بديهيّ الكلام على عجز الثورة عن إسقاط النظام بسبب ما يتلقاه من دعم إيرانيّ وروسيّ، عسكريّ وأمنيّ وسياسيّ، كثيف. وتوازن القوى الشالّ هذا لن يرتب إلا المزيد من سفك الدم السوريّ، وتنامي الأحقاد الأهليّة الطائفيّة والإثنيّة على جانبيه. وغنيّ عن القول إنّ التعايش مع هذه الحالة المستمرّة لن يكون بالأمر السهل على أحد في هذا العالم. فكيف وأنّ الرأي العامّ الغربيّ غير المتحمّس للتدخل راهناً، سيجد نفسه مدعواً لأن يتغيّر تحت وطأة المقتلة المتواصلة.
بيد أن الآثار الناجمة عن تطاول الصراع وبلوغه عتبة الحرب الأهليّة المفتوحة التي يستحيل إغلاقها على يد القوى الداخلية، لن تقتصر على سوريا وحدها، بل ستتعداها إلى تسميم عموم المشرق العربي، وهذا ما بدأنا نراه اليوم. يكفي التذكير بالوضع المتأجّج في العراق، وبدرجة التداخل البعيد بين الوضعين السوري والعراقي، للتأكد من صحة ما نذهب إليه.
يضاف إلى ذلك أن صراعاً أهليّاً عابراً للحدود كهذا سيكون الفرصة المثلى لتنظيمات إرهابيّة ومتطرّفة كـ"القاعدة" وأخواتها التكفيريّات، وهي المعروفة بمدى استفادتها من فشل الدول ومن هلهلة الحدود الوطنية بين واحدتها والأخرى. أمّا الخوف الراهن من السلاح الكيماويّ ومن احتمالات استخدامه فسيغدو، والحال على ما هي عليه، خوفاً مضروباً بألف ضعف، وخصوصاً أنّ الأطراف التي قد تستولي على ذاك السلاح، في ظلّ الفوضى الشاملة، أكثر من أن تحصى. وبطبيعة الحال فإن قوى أهليّة وطائفيّة كـ"القاعدة" وشبيهاتها سيكون من المستحيل إلزامها بأيّ اعتبار سياسي أو دبلوماسي، حتى لا نقول قانونياً وعقلانياً.
إلى ذلك كله، فالتدخل في المنطقة سيعمل حتماً على تحجيم النفوذ الإيراني الذي سبق أن وسعه التراجع ثم الانسحاب الأميركي من العراق. وتطوّر كهذا كفيل بإنجاز أغراض استراتيجيّة أربعة على الأقلّ:
فأوّلاً، هناك إضعاف الموقع الإيراني، بعد فقدان الحليف السوري، فيما خصّ الموضوع النووي، وجر طهران بالتالي إلى مفاوضات جدية ومسؤولة للمرة الأولى منذ انفجار أزمة التخصيب وتوابعها. والأمر الثاني هو تجنيب منطقة الخليج والشرق الأوسط، ومن ثم العالم كلّه، توجيه ضربة أميركيّة أو إسرائيليّة إلى إيران قد تعقبها ضربات إيرانية مضادّة إلى ما تعتبره طهران مصالح غربيّة في المنطقة. أمّا الإنجاز الثالث، فيتمثل في إضعاف القبضة الإيرانية على العراق، مع ما يعنيه ذلك من توسيع فرص الحياة السياسية والاستقرار في هذا البلد. ورابعاً وأخيراً، هناك قطع الإمداد كلياً عن "حزب الله" اللبناني وتعزيز احتمالات الاستقرار في لبنان، فضلاً عن رفع احتمالات التسوية في المنطقة عموماً.
وغني عن القول، إنّ تطوراً كهذا سينعكس ارتياحاً عريضاً فيما خص طرق الإمداد بالنفط، ناهيك عن حماية المناطق المنتجة له التي تتهددها السياسات الراديكالية الإيرانيّة.
إلى ذلك سيكون لإزاحة نظام الأسد مردود مباشر على مستقبل السلام في منطقة الشرق الأوسط. فكلّنا يعرف كم برعت دمشق البعثيّة، عقداً بعد عقد، في استعمال الصراع مع إسرائيل لإبقاء المنطقة في حال من التوتر، وتحويل الأنظار عن أوضاعها في الداخل السوريّ. وهذا يعني أن سقوط هذا النظام سيقوّي أصوات المعتدلين الفلسطينيين الذين درج النظام السوري على المزايدة عليهم باسم فلسطين، كما يحرم الإسرائيليين ذرائعهم للتشدد بحجة التطرف العربي.
وفي هذه الغضون، ستترتب على إنهاء الأزمة السورية حماية الاستقرار في بلدان صديقة للغرب كالأردن ولبنان وتركيا. وفي حالة البلدين الأولين، تتحول أزمة النزوح السوري عنصراً ضاغطاً يضيف السبب الاقتصادي إلى أسباب القلق الأخرى، الأهلية منها والسياسية. أما فيما يخص الأتراك في عهد "حزب العدالة والتنمية"، فالمؤكد أن دورهم المعتدل في المنطقة ونشر نموذجهم الموصوف بمزاوجة الإسلام والديمقراطيّة سيقعان على ضالتهما في سوريا ما بعد الأسد، فضلاً عن تراجع التهديد الإيراني والصراع معه على النفوذ. ولا نبالغ إذا قلنا إن الميوعة التي تبديها إدارة "الإخوان" في مصر حيال الروس والإيرانيين ستجد في حال التدخل في سوريا، ما يلجمها ويحد منها.
ولنا أن نضيف، حين نأخذ في الاعتبار المصالح الكونية للغرب، ضبط روسيا ونفوذها الذي يراد توسيعه نحو الخليج. ذاك أن إطاحة الأسد ومحاصرة إيران سيغيران جذريّاً "جنوب روسيا" ويجعلان من المستحيل تعويل موسكو عليه في أي تنافس استراتيجي على النفوذ.
وقد يكون من الصعب الجزم مسبقاً بمدى الاختراق العاطفي الذي قد يُحرزه الغرب للعقول والقلوب العربية والإسلامية في حال التدخل في سوريا. إلا أن من شبه المؤكد أن اختراقاً ما سيحصل، خصوصاً بعد المساعدة على إطاحة القذافي في ليبيا من دون أي إنزال بري أو احتلال. وهذا ما يرقى، من حيث المبدأ، إلى انتصار معنوي كبير يزيد في أهميته عجز الغرب، حتى إشعار آخر، عن إحراز تقدم فعلي على الجبهة الإسرائيليّة- الفلسطينيّة، وعن فرض تنازلات جدية على الإسرائيليين.
وهذا بالطبع لا يعني انتفاء الأسباب والقراءات التي قد تدفع في وجهة معاكسة. غير أن القراءة هذه تبقى وجيهة في الأحوال كافة... أو هذا ما يُظن.