الرئيسة \  تقارير  \  أسباب غير تقليدية لهزيمة بوتين في أوكرانيا

أسباب غير تقليدية لهزيمة بوتين في أوكرانيا

09.03.2022
سيمون سكاما


ترجمة وتحرير: نون بوست
الثلاثاء 8/3/2022
تُبنى الدول بواسطة المكونات المادية، لكن الأمم تُدار بواسطة البرامج، وهي ضرورة مطلقة لحياة أو موت الدولة القومية، ومن خلال محنة أوكرانيا الدموية فإننا نكتشف ذلك فقط؛ حيث تتألف المكونات المادية لسلطة الدولة من الجيوش والبيروقراطيات وشرطة الأمن والمباني المهيبة والسجون المزرية، في حين تكون البرامج الوطنية أقل وضوحًا، لكنها ليست أقل تأثيراً: فإن تعنت الولاء تحت الضغط الشديد، وقرب المصيبة، وتصاعد المشاعر الوطنية، وشجاعة العائلات، وازدياد الفخر بالموطن حتى مع محاصرة الأحياء أو تدميرها، والمقاومة المزعجة للحقيقة، وليس آخرًا؛ التجربة المتغيرة للتغيير في وسط العذاب؛ هي ملحمة وطنية لا تُنسى.
طريق مسدود
إنَّ القافلة الروسية التي يبلغ طولها 60 كيلومترًا، والتي علقت في الوحل وتعثرت بسبب الإطارات المحطمة، ونقص الوقود والغذاء، هي التجسيد النهائي للمعدات الغبية: ديناصور متثاقل ومدمر بلا رحمة ينفث نيران رعبه الممتص للأكسجين، لكنه أيضًا ضعيف بشكل غبي وعاجز عن القيام بكل مهامه المميتة لتحقيق أي غاية استراتيجية سياسية، وطبعًا لا يعني هذا أن الفظائع الوحشية كحرمان بعض المدن كمدينة ماريوبول من أبسط الاحتياجات الإنسانية – مثل المياه والصرف الصحي - لن تُرتكب في مسيرة الطريق المسدود للإمبريالية البوتينية.
ترحيب مختلف
يوجد في مواقع الإنترنت أعمال تحدي صغيرة لا حصر لها تثير الدهشة يوميًا - بالتأكيد للكرملين كما هي بالنسبة لبقية العالم المعجب - مثل: القرويون الذين يرتدون الأعلام الأوكرانية، ويعيقون تقدم الدبابات والسيارات المدرعة، مما يجعل الجنود الذين يقودونها في حيرة من أمرهم حول ما يجب عليهم فعله بعد ذلك مع هذا الحشد الذي قيل لهم إنه سوف يستقبلهم بالإشادة والامتنان، لذا فالكراهية هي التي تُمطَر على رؤوسهم بدلًا من أكاليل الورد، وكذلك الجنود الذين لا يجدون صعوبة في إطلاق الصواريخ على أهداف بعيدة وغير مرئية، يتوقفون قبل وقت قصير من قتل الجدات والمراهقين، وعلى الرغم من التفاوت العجيب في الموارد العسكرية بين الغزاة والضحايا، فقد جرت معارك ضارية تدهورت فيها القوة الأكبر - ظاهريًّا - بشكل سيئ.
هذه هي روسيا: دولة الإبادة
وبالطبع لا يمكن التركيز على القوة النارية المدمرة للغزاة، القادرة على تحويل المدن الأوكرانية إلى أكوام من الرماد والأنقاض؛ حيث نجحت بالفعل القسوة الوحشية لتلك العمليات - والتي كانت مصممة خصيصًا لترويع السكان المدنيين بحيث تصبح أكثر وحشية مع إحباط اللعبة النهائية المتوقعة للكرملين - في إنتاج موجة عارمة تتألف من مليون لاجئ يتدفقون عبر الحدود الغربية، ناهيك عن الجموع اليائسة من النازحين داخليًا، ومع ذلك سوف يبرهن هذا أيضًا على أنه انتصارٌ باهظ الثمن، لأن المهجَّرين الأوكرانيين سوف يُرسِّخون توصيف نظام بوتين على أنه مجموعة مجرمي إبادة جماعية، فالأجيال لن تسامح ولن تنسى.
قد يكون عتاد الغزو الروسي يعمل بشكل جيد، لكن برمجيات روايته قد تعطلت، ومهما كانت القوة التي قد يمتلكها حكم بوتين الأوتوقراطي على التلقي الروسي "للقصة"، فإن الأدلة التي تملأ الإنترنت تجعل استهداف المدنيين واضحًا بشكل لا يمكن إخفاؤه، وهل لم يلاحظ أحد في الكرملين أن وصف شعب يحكمه رئيس يهودي بالنازيين شيء لا يمكن تصديقه؟ وكيف تعززت حملة "اجتثاث النازية" هذه بضربة صاروخية أصابت النصب التذكاري لمحرقة بابين يار؟ وفي مواجهة تلك الأخطاء الفادحة، قام الرئيس فولوديمير زيلينسكي بكشف تلك النكتة المميتة، فعندما تم إبلاغه بالهجوم، قال على الفور: "هذه هي روسيا. تهانينا".
انتهى التمويل
وتشير الأرقام إلى أن كل يوم من أيام الغزو يكلف روسيا أكثر من 20 مليار دولار، وقد تنتهي الحملة في النهاية بسبب الاستنزاف النقدي. وبالقدر نفسه - إن لم يكن أكثر ضررًا للتوقعات - فقد تكون خيبة الأمل لجنود بوتين، فكلما تعرضت هذه القوات لنيران الأوكرانيين الملتهبة وعدائهم، كلما زاد ارتباكهم أكثر. ويقال إن نابليون قد قدَّر أن نجاح أي حملة كان يُعزى في ربعه إلى الأرقام والمواد، وثلاثة أرباعه إلى الروح المعنوية، وإذا كان هذا الأمر وجيهًا في أوكرانيا؛ فإن المشاكل التي تواجه بوتين قد بدأت للتو؛ حيث إن الاحتلال طويل الأمد، والبديل الوحيد الممكن للحرب الخاطفة الفاشلة سيزيد من عدد الشبان العائدين إلى روسيا والمصابين بجروح بشعة أو في أكياس الجثث، مع انتشار المقاومة العنيدة.
لحم ودم ودموع
كشف بوتين في مقال نُشر سنة 2021، أنه لا يعتقد أن أوكرانيا كانت في الواقع دولة على الإطلاق، لكن الحرب نقشت في أوكرانيا هويتها الملحمية باللحم والدم والدموع بطرق لم يكن ليتخيلها. لن يفشل بوتين فقط؛ بل إنَّ الفشل سوف يقضي على جبروته الداخلي، فلقد كان للقوات اليائسة التي عادت من الجبهة الشرقية في الحرب العالمية الأولى دور حاسم في ثورات عام 1917، وكان اندلاع الاحتجاجات في سان بطرسبرج وموسكو ليس أقل إثارة للدهشة والشجاعة من المقاومة في أوكرانيا، فعندما تتطلب مصداقيتك اعتقال يلينا أوسيبوفا البالغة من العمر 77 عامًا، فأنت تعلم أنك في ورطة، من البديهي أن غالبية الروس الذين يحصلون على أخبارهم من التلفزيون الحكومي لن يتأثروا أبدًا بحشود الشباب في المدن الكبرى، ولكن مع تزايد أعداد الأرامل والأيتام بلا رحمة، فإن العداء للمسؤولين عن مأساتهم سيحول ثورة طلابية إلى غضب شعبي.
الحرب ليست شطرنجًا
وبدلًا من تقديم مجموعة من الأكاذيب؛ كان من الأفضل للكرملين أن يحث نفسه ومجنديه على قراءة "الحرب والسلام"؛ ففي عشية بورودينو، قال الأمير أندريه بولكونسكي إن الحرب ليست شطرنجًا: "النجاح لا يعتمد أبدًا... على المنصب أو على المعدات أو حتى على الأرقام، وأقلها هو المنصب". "على ماذا إذن؟" يسأل شخص ما. "عن الشعور الذي بداخلي وبداخله... وفي كل جندي".
كان ذلك ليو تولستوي؛ الذي عاين الحرب عن قرب على حق، ولهذا السبب سيكون الغزو الروسي لأوكرانيا في النهاية بمثابة الهزيمة الرهيبة لبوتين.
المصدر: فاينانشال تايمز