الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أصل الحكاية.. جرائم "حزب الله" في سوريا والعدالة الغائبة

أصل الحكاية.. جرائم "حزب الله" في سوريا والعدالة الغائبة

23.12.2017
عبدالله حاتم


الخليج
الخميس 21/12/2017
لم يكن يُنظر إلى مليشيا "حزب الله" قبل عام 2011 كما يُنظر إليها اليوم، فعندما كانت بندقيته موجهة صوب الاحتلال الإسرائيلي، كانت صور الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، معلَّقة في شوارع سوريا احتفاءً به، وقدَّم له السوريون كل الدعم ولأنصاره خلال حرب لبنان عام 2006.
لكن، ما لم يكن في حسبان السوريين أن "حزب الله" وأنصاره سيعودون إليهم بعد خمس سنوات كمقاتلين انحرفت بوصلتهم عن "عدو الأمة"، ليرتكبوا بحقهم المجازر التي وثَّقتها المؤسسات الحقوقية ويشاركون في تهجيرهم، إلى جانب النظام السوري الذي ثار السوريون عليه.
يكشف الجنرال حسين همداني، الذي قاد قوات شيعية مشتركة بسوريا، وقُتل هناك، في مذكراته "رسالة الأسماك"، أن حزب الله كان أكثر حماسة للدخول في المعارك بسوريا من إيران نفسها؛ بل إن الأمين العام، حسن نصر الله، هو من شجَّع إيران على التدخل، عندما طالبها بخطة تحرك عسكرية وسياسية ضد الحراك الثوري في سوريا منذ أن كان "سلمياً".
كما لم يُخفِ ذلك مستشار المرشد الإيراني، يحيى رحيم صفوي، في عام 2016، عندما أكد سقوط آلاف القتلى من حزب الله في سوريا، لافتاً إلى أن "عددهم يفوق عدد قتلى إيران".
- الحياد مستحيل
معهد دراسات الحرب الأمريكي كان قد نشر بحثاً تحت عنوان "حزب الله بسوريا" في عام 2014، كجزء من التقرير الأمني للشرق الأوسط، يتحدث فيه عن تفاصيل تورط الحزب وممارساته بسوريا منذ بداية الثورة.
وأوضح البحث أنه "رغم أن حزب الله احتفظ بدرجة عالية من السرية حول حجم وتنظيم وأنشطة مقاتليه في سوريا، فلا يزال من الممكن تقييم تورط الجماعة في سوريا من حسابات مفتوحة المصدر".
كما لا تزال المساهمات الدقيقة لحزب الله غامضة، ولكن تأثيرها على أرض المعركة في عام 2013 وما بعده لا شك فيه.
فقد تحول دور الحزب في سوريا، بشكل كبير، في أوائل عام 2013، إلى تولّي قواته دوراً في القتال المباشر، والعمل بأعداد أكبر إلى جانب الجيش السوري والقوات شبه العسكرية، كما أنه كثف جهوده لتنظيم وتدريب قوة شبه عسكرية موالية للأسد.
وأبرز محطات الحزب بسوريا كانت في عام 2013؛ عندما قاد الهجوم البري على "القصير"، وهي بلدة "سُنيّة" في المقام الأول بمحافظة حمص، وهي ليست بعيدة عن الحدود مع لبنان.
كما شكّل انتصار الحزب بـ"القصير" نقطة انعطاف مهمة في الصراع السوري، حيث وجه ضربة كبيرة لقوات الثوّار عسكرياً ونفسياً، وبدأت مرحلة جديدة من تورط الحزب العلني والكبير في سوريا، كما استثمر نظام الأسد هذا التقدم على جبهات أخرى لاستعادة مناطق في حمص وحلب ودمشق.
يقول عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز "جسور" للدراسات، إن التدخل الفاعل لحزب الله بسوريا كان منذ معركة القصير في مايو 2013، حينما أوشكت فصائل المعارضة السورية على السيطرة على مساحات واسعة ممتدة على الشريط الحدودي بين سوريا ولبنان.
وأضاف لـ"الخليج أونلاين" أن "معركة القصير كانت إعلاناً عن انغماس حزب الله بشكل كامل في سوريا؛ لإرجاع المعارضة السورية إلى الخلف ولتأمين حزام عسكري بين سوريا ولبنان؛ خوفاً من قطع الفصائل طرق الإمداد والاتصال الرئيسة بين دمشق وحزب الله".
ولفت إلى أنه "عقب معركة القصير، خرج حسن نصر الله بخطاب في 30 أبريل من العام نفسه، لمَّح فيه إلى أن تدخُّل عناصره جاء لحماية النظام من السقوط".
وأوضح أن "الفترة التي سبقت التدخل العسكري الواسع للحزب في سوريا، كان الخطاب السياسي والإعلامي الذي ينتهجه، يشمل الدفاع عن النظام السوري ويدمجه مع ما يُعرف بحلف (المقاومة)، في إشارة إلى إيران وحلفائها الإقليميين من دول وقوى عسكرية".
وحول ما إذا كان من الممكن بقاء الحزب على الحياد أو أن يلعب دور الوسيط، لفت عاصي إلى أنه "لا يمكن أن يقوم بهذا الدور؛ لأنه يسهم في إضعاف دور واستراتيجية إيران الإقليمية بالمنطقة، على حساب دول أخرى"، مبيناً أن "الحزب، صحيح قد استنزف موارد كبيرة، لكنه عزز من قوته العسكرية، وهذا ما أشارت إليه أكثر من مرة، تصريحاتُ المسؤولين في الاحتلال الإسرائيلي".
ومنذ دخولها على خط القتال مباشرةً، ارتكبت عناصر الحزب عدداً من المجازر المروّعة في صفوف السوريين، حيث اعتمد الحزب في عملياته على القصف المدفعي والصاروخي العنيف، كما عُرف بمجازره التي ارتكبها بحق السوريين في كل منطقة احتلها.
وأبرز المجازر التي تسربت مقاطع مصورة عنها، كانت في بلدة العتيبة بريف دمشق، حيث نفذ عناصر مليشيا الحزب مجزرة استُشهد فيها أكثر من 175 مدنياً كانوا يحاولون مغادرة الغوطة المحاصرة.
وفي 2013، هدد عناصر من مليشيا الحزب بدخول مسجد خالد بن الوليد في حمص ونبش قبره، وما إن مضى عام عليه، في عام 2014، حتى اقتحموا المسجد ودمروا الضريح ونهبوه، وكتبوا على جدرانه عبارات شيعية طائفية، ولم يتوقفوا عند ذلك؛ بل ورفعوا الأذان بصيغته الشيعية الإيرانية، مستفزين جميع الأهالي المحاصرين.
وتم تداول فيديو، في عام 2014، على مواقع التواصل الاجتماعي لعنصر من مليشيا الحزب وهو يتوعد بقتل آخر سنّي ويسبُّ أهل السنّة ويصفهم بألفاظ همجية وطائفية، وتوعَّد باحتلال الكعبة المشرفة، وأشار إلى الضحايا الذين قُتلوا على أيديهم بـ"دعسوا على الجثث".
وعلى رغم الصعوبة البالغة في توثيق المجازر التي تحمل الصبغة الطائفية، والتي تعد أشد عمليات التوثيق صعوبة، يتهم تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان "حزب الله" بارتكاب مجارز بشعة ضد الإنسانية وصلت لحد "الذبح وقتل جميع أبناء الحي حتى النساء والأطفال"، تنوعت بين الإعدامات الميدانية بالرصاص واغتصاب النساء وقتل الأطفال وكبار السن والتنكيل بالجثث وحرقها.
يقول فضل عبدالغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ "الخليج أونلاين" أن ما قام بحزب الله في سوريا، جعله طرفاً في النزاع إلى جانب النظام السوري، ومن "المرتزقة" استجلبه النظام كطرف خارجي ولهم أحكام "المرتزقة" وفق القانون الدولي.
والمجازر التي قام بها "جرائم حرب" تبقى ملتصقة بالحزب لا تسقط بالتصادم ومن واجب الحكومة الإنتقالية والمنظمات الحكومية أن تلاحقه قضائياً، ويكون ذلك بالتوازي مع ملاحقة النظام السوري، وفق عبدالغني.
وأوضح أنه "يتم الإعداد لدعاوى خاص لملاحقة حزب الله قضائياً ودولياً، على جرائمه" لافتاً أن "محاكمته ستكون إستناداً لأدلة قاطعة وبحاجة إلى تعاون أكثر لأهل المناطق التي شهدت جرائم حزب الله، أو شارك بها، كافية لإدانته، والحزب وقيادته كلهم متورطين في هذه الجرائم".
-نحو العدالة
الحكومة اللبنانية ومنذ بدأ الحرب في سوريا عام 2011، أتخذت سياسة "النأي بالنفس"، لكن حزب الله الشريك فيها كان له سياسة مختلفة في سوريا بتدخله عسكرياً.
ولم يعلن أو يوثق قيام الحكومة اللبنانية بأي جهد لردع الحزب سواءً كان سياسي أو قضائي أو أمني، بل اكتفت بالتأكيد على سياسة "النأي بالنفس" علماً أن أرتال الحزب كان تعبر الحدود من لبنان إلى سوريا على مرأئ الجيش اللبناني.
فضل عبدالغني، يقول في هذا السياق أن الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية قانونية كون الحزب جزء منها، لافتاً إلى أن "كان عليها منعه من الدخول عسكرياً في دولة مجاورة وهي لم تقم بأي جهد في سياق ذلك".
ووصف عبدالغني حزب الله بأنها "مليشيا خارج القانون قامت بتدخل عسكري في دولة مجاورة بدوافع طائفية وبأوامر إيرانية، ولم تطلب الحكومة اللبنانية منه التدخل عسكرياً في سوريا، وقواته مرتزقة خارج نطاق الدولة".
وفي هذا السياق يشرح الباحث عبدالوهاب عاصي، الوضع في لبنان موضحاً أنها البلاد "تخضع لمحاصصة سياسية دولية وإقليمية، شكلت عائقاً أمامها في أي تدخل، ولطالما حاول لبنان اتباع سياسة (النأي بالنفس) التي أثبتت فشلها".
وأضاف: "لبنان لم يكن قادراً على إصدار مواقف وكان منقسماً على نفسه وتقف قواه على خطى موازية من مواقف الدول التابعة لها، والحقيقة أن القوى اللبنانية كانت قادرة على اتخاذ مواقف أكثر عقلانية وجدية بعيدة عن الاستقطاب لكنها لم تفعل، وجعلت حزب الله مسيطراً على القرار على حساب مؤسسة الجيش وبقية المؤسسات".
وحول إمكانية مقاضاة الحكومة اللبنانية أو الدولة بكافة مزوها لتقصيرها في لجم حزب الله، توضح نهى أبو الدهب، الباحثة الزائرة في مركز بروكنجز الدوحة، والتي تركّز بحوثها على العدالة الانتقالية في المنطقة العربية، أن "لبنان كدولة لا تحاسب لجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، لأن أفراد حزب الله هي التي ارتكبت هذا النوع من الجرائم وليس الدولة، هذا حسب القانون الجنائي الدولي".
لكن في نفس الوقت ذكرت أنه "إذا أظهرت التحقيقات الدولية أن سياسياً أو عسكرياً رفيع المستوى في الحكومة اللبنانية أمر بهذه الانتهاكات، فمن الممكن أن تتحاسب عليها الدولة" لافتة إلى أن "هذا النوع من الدلائل من صعب الحصول عليه".
وحول سبل مقاضاة لحزب ذكرت أنه "يجب أن يكون هناك جهة قضائية تعمل على جمع الدلائل، سواء من المنظمات المجتمع المدني مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان أو آخرين، وبعد ذلك إذا أظهر التحقيق أن يوجد دليل كافي فالهيئة القضائية، يمكنها أن تصدر أمراً بالقبض على كل فرد مما قام بهذه الجرائم" مشيرة إلى أنه حالياً "ليس هناك جهة قضائية أو محكمة جنائية لها الإختصاص القضائي لذلك".