الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أطفال سورية إلى أين؟

أطفال سورية إلى أين؟

08.02.2014
عبد عرابي


القدس العربي
الخميس 6/2/2014
يقولون إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة ومصيرها فينبغي عليك أن تنظر إلى حال أطفالها وواقعهم، فمرحلة الطفولة هي أخطر مراحل بناء الإنسان وأهمها من جميع النواحي. لأن ثروات الأمم ليست فقط في المدفون في باطن الأرض، ولا في المنشور فوقها، وإنما الثروة الحقيقية هي الإنسان الذي يتعامل مع هذه الثروة ويتصرف بها فهو أغلى الثروات وأعزها.
من هذا المنطلق طالبت منظمة ‘أنقذوا الأطفال’ (Save the Children) الدولية، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن حقوق الأطفال في العالم، بمنح أطفال سوريا الأولوية في مؤتمر جنيف2، المنعقد في سويسرا من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
وذكرت المنظمة، في بيان لها، أن أكثر من 11 ألف طفل قتلوا في الاشتباكات الدائرة في سوريا، مشيرةً إلى أن نسبة الأطفال الذين قضوا في قصف عشوائي بلغت 71.
وأضافت المنظمة: ‘نطالب المشاركين في مؤتمر جنيف 2 بإيصال المساعدات العاجلة إلى جميع الأطفال في سوريا، وحماية المدارس والمراكز الصحية، ووضع حد للهجمات المسلحة على مناطق سكن المدنيين’.
ولفتت إلى أن الأطفال يعيشون يوميا ‘فظاعة الحرب’، مؤكدة على ضرورة عدم استهداف الحرب للأطفال والمدنيين من الآن فصاعدًا.
لا ينكر أحد أن بعض أطفال درعا بما كتبوه على جدران مدرستهم مثلوا الشرارة الأولى لانطلاق الثورة السورية فهم بالنسبة لهذه الثورة كالطفل الذي صرخ ببراءة طفولته بما كان يخاف الكبار أن يقولوه همساً، بينما كان المنافقون يمجدون ويمدحون ثوب الملك الظالم الذي كان عارياً: الملك عار، الملك عار.
منذ أول أيام الثورة ظهر حجم الوحشية والإجرام الذي تعامل نظام الأسد مع أطفال أحرار سوريا، فقد حاصروهم مع أهليهم، ومنعوا عنهم الطعام والدواء، وجوعوهم حتى صار رغيف الخبز بالنسبة للطفل السوري أمنية الأماني، وكان هذا من أقسى أنواع الإجرام التي ارتكبتها عصابات الأسد وأشدها فظاعة وأكثرها إيلاماً وأشدها وقعاً على النفوس. حتى امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت بعشرات مقاطع الفيديو التي يظهر فيها أطفال سوريون جائعون وهم يناشدون العالم ويستصرخون ضمائر الأحرار فيه أن يقدموا لهم يد العون والمساعدة.
لقد كان من دأب نظام الأسد مساومة السوريين على ثورتهم بزيادة التنكيل بأطفالهم حيث تفنن الشبيحة في التنكيل بهم بجميع أنواع التنكيل التي يندى لهولها جبين البشرية، فذبحوهم في مجازر جماعية أمام أهليهم، أو دفنوهم معهم تحت أنقاض بيوتهم التي قصفوها بصواريخ سكود أو بالطائرات أو بالبراميل المتفجرة، أو خنقوهم بالمئات بالغازات السامة وهم نيام، ومن لم يمت بهذه الوسائل مات جوعاً أو برداً أو غرقاً في البحار مع أهله الذين كانوا يبحثون عن أمل بحياة أفضل في بلاد الغرب بعد أن ضاقت بهم بلاد العرب.
وكثير ممن بقي حياً منهم فقد أباه أو أمه أو هما معاً، أو تعرض للإصابة ففقد أحد أطرافه أو حواسه، أو حرم من التعليم منذ أكثر من سنتين بعد أن دمرت عصابات الأسد أغلب المدارس في المناطق المحررة، ونكلت بالجهازين التدريسي والإداري، وقد اضطر كثير من هؤلاء الأطفال إلى العمل بسبب ظروف أسرهم المعيشية، وفي ظل ظروف عمل خطرة، سواء في الأراضي المحررة أم في دول الجوار كلبنان.
كيف ستكون حال هؤلاء الأطفال الذين هم شباب الغد ورجال المستقبل؟ وماذا نتوقع منهم وهم يعيشون في ظل هذه الظروف الرهيبة؟ وأي مستقبل نتوقعه لهم، وهم يشاهدون هذه الصور الفظيعة من القتل والتدمير؟ وهم المصدومون أصلاً بما رأوه من مقتل إخوانهم أو أهليهم أو أصدقائهم بأبشع الأساليب، أو بما رأوه من تدمير قراهم وأحيائهم و منازلهم، ولقد حذر علماء التربية من الآثار السلبية المترتبة على مرور الطفل بمثل هذه الظروف القاسية من العنف والتنكيل على نموه وبنائه النفسي والسلوكي في الحاضر والمستقبل، وكذا قدرته على التعلم، مما يجعل احتمال تشوه نشأته كبيراً، وحذروا من أثر ذلك على المجتمع الذي يعيش فيه، ولقد بدأت تظهر بعض أعراض هذه المؤثرات الهائلة من الرعب ومشاهد القتل على بعض هؤلاء الأطفال الذين باتوا يعانون آلاماً نفسية هائلة مما جعل طفلاً في العاشرة من عمره يتعلق بثياب أمه ويلازمها حيث حلت أو ارتحلت.
فأي حال نفسية وصل إليها الطفل في ذلك المشهد المؤلم ليقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أن أخرج من تحت ركام بيته الذي قصفته براميل الأسد: (راح خبر الله على كل شيء) صحيح أنها دلت على وجود فطرة إيمانية سليمة، بحيث جعلته يبدو كمؤمن كبير يملك إحساساً مرهفاً بحجم الخذلان البشري لقضيته وقضية شعبه الذي أنهكته المصائب والآلام، وإحساس مرير بالعجز بعد تجاهل المجتمع الدولي المنافق لمصابه وآلامه واكتفائه بإرسال بعض الفتات من الطعام والكساء وغض الطرف عن القتل المستمر منذ ثلاثة أعوام . إنها تصور الحالة النفسية التي وصل إليها أطفال سورية من تداعيات التنكيل الوحشي اليومي لعصابات الأسد.
نعم إنها مأساة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، فبينما يتسلل الموت إلى مضاجع ما تبقى من أطفال سورية من كل حدب وصوب في المناطق المحررة، يبكي من نجا منهم وهو يتساءل: لماذا ينام أطفال العالم شباعاً في دفء وأمان، ولا ننام إلا نومة الموت؟ لماذا لا يوقف العالم هذا الطاغية الدموي المتوحش الذي يرمي علينا براميل الموت؟
حمص – سوريا