الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أطول اجتماع لمجلس الأمن القومي التركي في تاريخه

أطول اجتماع لمجلس الأمن القومي التركي في تاريخه

08.11.2014
بكر صدقي



القدس العربي
الخميس 6-11-2014
عقد مجلس الأمن القومي أول اجتماع له برئاسة رجب طيب أردوغان منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، في الثلاثين من شهر تشرين الأول الماضي. وقد سجل هذا الاجتماع رقماً قياسياً في طول الفترة الزمنية التي استغرقها. بصرف النظر عن البيان الذي صدر عن المجلس حول ما دار في الاجتماع، وهو لا يتجاوز تحديد بعض العناوين ولم يعلن فيه عن أي قرارات، تكفي الساعات العشرة والنصف التي استغرقها الاجتماع دلالةً على حجم التحديات التي تواجهها تركيا وقيادتها السياسية اليوم.
رتب البيان عناوين المداولات التي جرت في الاجتماع كما يلي: 1) البنية الموازية 2) مسار الحل السلمي 3) الصراع الدائر في سوريا 4) الكفاح ضد داعش 5) آخر التطورات على جبهة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والتطورات الاقليمية الأخرى في ليبيا واليمن.
اللافت في هذا الترتيب هو أولوية المشكلات الداخلية على تلك الخارجية، في الوقت الذي تتلقى فيه تركيا ضغوطاً غير مسبوقة من الولايات المتحدة بصدد الدور التركي المحتمل في التحالف الدولي ضد داعش. وفي الوقت الذي شكلت فيه معركة كوباني (الخارجية) شرارة صراع داخلي بين الحكومة وشريكها الكردي في مسار الحل السلمي.
ويعكس البند الأول (البنية الموازية) رغبة رئاسية في مواصلة الحرب على جماعة خصمه اللدود الداعية الإسلامي المعتدل فتح الله غولن، على رغم أن هذا الأخير تلقى ضربات قاصمة يصعب معها أن تقوم له قائمة بعد الآن. فبعدما عزز أردوغان قوته من خلال فوزه في الانتخابات الرئاسية، وطهَّر جهازي الشرطة والقضاء من أنصار "الخوجا"، وحاربه في موارده المالية، يبدو أن الأخير قد انكفأ على نفسه داعياً مريديه إلى "الصبر" ريثما تمر العاصفة. لكن ورود "البنية الموازية" على رأس أولويات اجتماع "الأمن القومي" يشير إلى أن الرئيس لن يكتفي ولن يتوقف قبل القضاء التام على خصمه.
ويعكس انخفاض "مسار الحل السلمي" إلى المرتبة الثانية، استياء الحكم من شريكه الكردي الذي يتهمه بتأجيج الشارع الذي شهد اشتباكات عنيفة، في 6 و7 و8 من الشهر الماضي، وأدى إلى مقتل نحو أربعين شخصاً، بمناسبة مظاهرات الاحتجاج الكردية ضد الحكومة بسبب موقفها السلبي من حصار كوباني. وقد لجأت الحكومة إلى التشدد القمعي واللفظي معاً في مواجهة شريكها الكردي، فكانت اللازمة المتكررة في كل خطابات أردوغان وداوود أوغلو وتصريحاتهما الإعلامية هي وصف حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري بأنهما إرهابيان وأنهما لا يختلفان عن داعش. الأمر الذي أثار، لدى الرأي العام، مخاوف جدية على مصير الحل السياسي الموعود. زاد من خطورة الوضع الهجوم الذي نفذته طائرات تركية ضد أهداف لحزب العمال الكردستاني في ولاية هكاري شرق الأناضول، وقتل بنتيجته ثلاثة من عناصر الحزب. ولم يتأخر هذا الأخير في الرد بالمثل، فقتل ثلاثة من الجنود الأتراك في كمين، بعد أيام قليلة.
الصراع الدائر في سوريا والحرب على داعش جاءا في بندين منفصلين، كأن المجلس أراد بذلك التوكيد على اختلاف الرؤية التركية عن نظيرتها الأمريكية في المشكلة السورية. وهو اختلاف معلن على أي حال. فتركيا لم توافق حتى على فتح قاعدة إنجرليك الجوية لاستخدامها من قبل الطائرات الأمريكية للإغارة على مواقع داعش داخل الأراضي السورية. وما زالت تضع شروطها الخاصة بإقامة منطقة آمنة بحماية حظر جوي على طائرات النظام، كما بالحصول على ضمانات عملية باستهداف النظام جنباً إلى جنب مع استهداف داعش.
بالمقابل وافقت تركيا، على مضض، على مرور مقاتلي البيشمركة من اقليم كردستان إلى كوباني عبر أراضيها، مقابل موافقة حزب الاتحاد الديمقراطي على دخول قوة رمزية من الجيش الحر إلى كوباني، بما يخلق نوعاً من التوازن بما يريح الحكومة التركية نسبياً.
ويأتي "الكفاح ضد داعش" في المرتبة الأخيرة من اهتمامات مجلس الأمن القومي، بما يعزز من اتهامات كل من الكرد والأمريكيين للحكومة التركية بأنها ما زالت مترددة في مواجهة داعش، إن لم تكن متعاطفة معه.
الواقع أن الحكومة التركية لا تخفي أن الأولوية لديها هي إسقاط النظام الكيماوي في دمشق، الأمر الذي يرضي تطلعات المعارضة السورية وبعض الدول العربية، لكنه لا يلقى أي تجاوب من الإدارة الأميركية. وحدها فرنسا متفهمة لوجهة النظر التركية ولمطالبها المتعلقة بإقامة منطقة حظر جوي.
من المحتمل أن أردوغان يأمل في حصول تغيير في الموقف الأمريكي من المشكلة السورية، بعد الفوز المحتمل للجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ.
ولكن يبقى أن السياسة الخارجية والأمن القومي هما في يد الرئيس أوباما حتى بعدما يتحول إلى بطة عرجاء.
 
٭ كاتب سوري