الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أعمدة الدولة الحديثة الثلاث

أعمدة الدولة الحديثة الثلاث

28.04.2016
د. وليد البني


كلنا شركاء
الاربعاء 27-4-2016
العلمانية، الديمقراطية ومبدأ المواطنة ، هذه المبادئ الثلاث تشكل الأعمدة التي لا يمكن بناء دولة حديثة قادرة على تخليص مواطنيها من الفقر والجهل والتخلف العلمي والاجتماعي والسياسي بدونها، وهي المفاهيم التي جرى تشويهها من قبل جميع مستبدي العلم،  وتطلبت حروباً وثوارت، وصراع أفكار استمر قروناً  حتى استطاع العقل البشري بلورتها ، ثم تبنيها كأسس متلازمة لبناء الدولة الحديثة  .
 تقتضي العلمانية فصل الأمور الدينية عن الإتجاهات والاراء السياسية وبالتالي تحييد الأديان ورجال الدين عن السياسة،  والعمل على تسيير الحياة اليومية للبشر حسب مقتضيات ومتطلبات العصر واعتماد نظريات التطور العلمي والإقتصادي والإجتماعي كأسس لسن القوانين التي تُسيِّر حياتهم وتحفظ حقوقهم دون المساس بالدين وحرية المعتقد والعبادة ، المفهوم الذي تعرض ولازال  لأكبر قدر من التشويه من السلطات الإستبدادية المتحالفة مع السلطة الدينية ومتنفذيها، حيث حاولوا ربطه  مع الإلحاد ومحاربة الأديان كأفضل وسيلة لدفع الشعوب المظلومة الى محاربته ورفض تبنيه .
بينما  يقصد بالمواطنة:  العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير، مثل الدين أو الجنس أو الانتماء القومي أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أوالموقف الفكري، الأمر الذي يتعارض والمفهوم الديني للحكم والذي يمييز بين مواطني الدولة على اساس انتماءهم الديني، أو درجة التزامهم بتعاليم دين الدولة، كما يتعارض ومفهوم ديكتاتورية الحزب الواحد ( علمانية الشيوعيين في روسيا السابقة، أو العلمانية القومية كما في حالة المانيا النازية وحكومات البعث والناصرية في منطقتنا) .
وتعرف الديمقراطية على أنها شكل من أشكال الحكم،  يشارك فيه جميع المواطنين المؤهلين( الذين تجاوزوا سن الثمانية عشر عاماً ) على قدم المساواة – إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين – في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين  التي تحكم حياتهم  وتنظم علاقتهم ببعضهم وبالدولة كجهاز مهمته السهر على تنفيذ هذه القوانين وردع من يتجاوزها، الأمر الذي يتطلب حرية فكرية ودينية وسياسية لإتاحة فرصة لتعددية فكرية تسمح بتنافس سلمي على صوت المواطن الحر
الترابط بين المفاهيم الثلاث .
لقد أثبتت التجارب الانسانية عدم إمكانية انشاء دول حديثة ومستقرة دون تلازم هده المفاهيم
 حاولت أحزاب معينة تدعي العلمانية  فرضها على المجتمعات( البعث في سوريا والعراق، الأحزاب الشيوعية في أوربا الشرقية سابقاً) أدت الى انهيار هذه الدول لإفتقادها لمبدأ المواطنة حيث أعتبر منتسبي هذه الاحزاب مواطنين يتمتعون بحقوق أكبر من بقية المواطنين بينما تم قمع أصحاب الفكر المخالف ، و حرم غياب  الديمقراطية المجتمع من إمكانية اختيار الأكفأ  لإدارة شؤونه والعمل على تحسين أوضاعه الإقتصادية والاجتماعية،  الأمر الذي أدى الى التذمر الذي أدى بدوره الى اندلاع الثورات وانهيار هذه الأنظمة .
بينما أدى تطبيق الديمقراطية في الدولة الدينية ( إيران)  ، حيث نص الدستور الايراني على دين الدولة ومذهبها وحدد مصدر تشريعها و قوانينها الى تحويل ايران الى دولة أوثوقراطية محكومة من رجال دين معين ومذهب معين ضمن هذا الدين،  مما أعاق التطور الاجتماعي والإقتصادي وخلق شعوراً بالظلم والإنتقاص في الحقوق لدى بقية الايرانيين  سيؤدي يوماً ما الى انهيار هذا النظام ودخول دولته في الفوضى .
أما مبدأ المواطنة المتساوية فلا يمكن تطبيقه في المجتمعات المتنوعة في ظل غياب فصل الدين عن الدولة الذي يضمن مواطنة متساوية لمواطنين متعددي الانتماءات،  والديمقراطية التي تضمن  حرية إختيار الأكفأ من ممثلي المجتمع  والتعبير الحر عن الرأي.
لقد أدركت المجتمعات الاوربية وبعد الكثير من الإضطرابات والثورات التي اجتاحت أوربا في القرنين السابقين هذا الترابط بين المفاهيم الثلاث واستحالة إحداث نهضة إقتصادية إجتماعية واستقرار سياسي دون إعتمادها أساساً لإدارة المجتمعات الحديثة،  ولحقتها كل من امريكا الشمالية واليابان ثم معظم دول اسيا وأمريكا الجنوبية والعديد من الدول الإفريقية ، وأيضاً الثورات والخضات التي تجتاح العالمين العربي والإسلامي اليوم،  هي تعبير عن حاجة هذه المجتمعات الى أنظمة سياسية تواكب العصر ، تخلصها من التخلف والظلم الإجتماعي  وتفتح الطريق أمام مجتمعاتها نحو الالتحاق بركب الحضارة العالمية، الأمر الذي يتطلب البدء بتطبيق ما توصل اليه العالم على صعيد إدارة الدول والمجتمعات الحديثة، وعدم محاولة حل مشاكل العصر الحالي بأدوات العصور الوسطى، فالمنتج الإنساني الحضاري والعلمي واحد ولا يمكن أخذ المنتج العلمي على صُعد  التكنولوجيا والطب و والعلوم التطبيقية ، وإدعاء الخصوصية عندما يصل الأمر الى السياسة والادارة وعلم الإجتماع، لذلك يتوجب علينا العمل على الإقتناع وإقناع شعوبنا  بضرورته  عاجلاً أو آجلاً ، إذا ما أردنا  الخلاص من الظلم والفقر والتخلف