الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أعيدوا إلى سورية وردتها

أعيدوا إلى سورية وردتها

03.10.2013
موسى برهومة


الحياة
الاربعاء 2/10/2013
يسعــــى النظام السوري على نحو حثيث إلى تحــطيم الأرقام القياسية في السقوط الأخلاقي!
فبعد أن اقتلع حنجرة «بلبل الثورة السورية» إبراهيم القاشوش، وحطّم أصابع الرسام علي فرزات، وقتل فنانين وممثلين عارضوا سياساته، واعتقل التشكيلي يوسف عبدلكي وسامه سوء العذاب، ها هو يمارس شذوذه النفسي مع الطفولة من خلال اعتقال روان قداح (16 عاماً)، واستخدامها ورقة من أجل الانتقام من عائلتها، ومن والدها ميلاد قداح الذي يعدّ من أبرز وجوه الحركة السلمية في درعا.
وليس يؤثر في «صورة» نظام بشار الأسد أن يقال إنه أفلس سياسياً عندما عرض روان على شاشة «الإخبارية» السورية الرسمية لتروي أكاذيب النظام وشبّيحته. فذلك لا يفتّ في عضد العصابة الحاكمة في سورية التي «نجت» أو هكذا تعتقد من الضربة العسكرية، فتمارس الآن جزءاً من «هوايتها» المفضلة في تحطيم آخر قلاع البراءة، وفي ابتداع مخيلة مشرعة على الشر والبذاءة.
وليس من باب الاستطراد القول إن من يجرؤ على ضرب «شعبه» بالكيماوي، وبصواريخ سكود، غير عابئ بأن يقدم «وردة سورية» باعتبارها عاهرة اغتصبها والدها وقدمها هدية لمجاهدي النكاح الذين كانوا يتناوبون عليها، فضلاً عن توفيره والدتها لإمتاع المجاهدين، لأن في ذلك سبيلاً إلى الجنة، على ما قالته روان أمام عدسات التلفزيون.
ومن يتابع «الاعترافات» لا يحتاج إلى أي دليل كي يتثبّت من زيف الرواية، فالفتاة تحكي سرداً لوقائع في منتهى الفظاعة من دون أن يرفّ لها جفن، أو أن تدمع عيناها. إنها تحكي ببرود وحيادية ما تم تلقينها إياه.
ولعل تذكير العالم بهذه الجريمة باعتبارها واحدة من أبشع صور الانتهاك للطفولة، أو باعتبارها «اغتصاباً على الهواء» كما وصفها معارض سوري، لن يكون إلا من باب «رفع العتب»، فقد كشفت حادثة الكيماوي وما تلاها من تهديدات صوتية من أقطاب السياسة الدولية المتربصين بالعالم، أن الشعب السوري، حقيقة، بلا ظهير أو سند، كأنما الملحمية الثورية التي يسير على دروبها المفخخة، تعيد هتاف التضرع الأول للثوار: «ما النا غيرك يا الله»!
وأمام التفسخ الفسيفسائي لمعسكر المعارضة، بمن فيها تلك المسلحة، واندلاع الخلافات في ما بينها، إلى حد التبرؤ من شرعية الائتلاف السوري المعارض، فضلاً عما أوردته الأنباء من أن كتائب مثل «أحرار الشام» بزعامة حسان عبود، و «لواء الإسلام» بزعامة زهران علوش، و «لواء التوحيد» بزعامة عبدالقادر صالح تفكر في تشكيل «جيش إسلامي»، في ملمح إلى اشتداد الصراع بين «داعش» وكتائب في «الجيش الحر» وبين «جبهة النصرة»، ما يجعل صرخات روان التي تجرح السماء، واستغاثات الطفولة، وعويل الأمهات الثكالى، في مرتبة دنيا من اهتمامات «أهل الثورة»، فما بالك في النظام، وفي تحالفات الأمم الكبرى على الجسد السوري؟
ولئن دفعت ويلات النظام السوري المراقبين إلى نعته بالهمجية، فمن باب أوْلى وإحقاقاً للنزاهة، أن يُبدي المرء امتعاضه من سلوك المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، وانعدام الخيال السياسي الاستراتيجي، وتشرذمها حول مغانم صغيرة، وارتهان ولاءاتها لقوى تخوض حروبها الخاصة على أرض سورية، وهو أمر يعيه زعماء المعارضة، ولو مكرهين، لكنه يضع المشروع التحرري برمّته في مهب المجهول الغامض.
«أعيدوا إلى سورية وردتها»، يتعين أن يكون عنوان المرحلة المقبلة لكل أحرار العالم، عبر المقـــاومة المدنية العابرة للحدود، وغير المرتهنة لإملاءات الغطرسة، وحسابات السياسة الانتهازية التي لا قيمة لعذابات البشر على أجندتها.