الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أفغنة سوريا

أفغنة سوريا

30.09.2015
فايز الفايز



الشرق القطرية
الثلاثاء 29/9/2015
التدخل الكبير اليوم من قبل روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، في سوريا، يعيد للأذهان التدخل السوفييتي في أفغانستان عام 1979 وما قبلها، والاجتياح الكبير لتلك الدولة المسلمة بعد ذلك التاريخ، وفي المقارنة نجد ذات الخلفية التاريخية للتدخل الروسي اليوم والسوفييتي آنذاك، ذات نظام الحكم العلماني الموالي للماركسيين السوفييت، ذات الأدوات القمعية للمعارضة والمظاهرات والثورات ضد نظام الرئيس نور محمد تراكي وضد حفظ الله أمين الذي انقلب على تراكي، وجميعهم تعاملوا بالحديد والنار مع الشعب المتدين والمحافظ، حيث تدخلت موسكو لدعم حلفائها ضد الثوار المدعومين من الولايات المتحدة وباكستان والسعودية، واليوم لننظر إلى سوريا لنجد ذات المشهد.
في قراءة للخارطة الجينية للثورة السورية، سنجد أفغانستان جديدة يصنعها التدخل الروسي القوي بكتائب المقاتلين العسكريين وأسراب الطائرات القاذفة والمقاتلة والطائرات العمودية القتالية والناقلة، والطائرات بدون طيار، والمدفعية الثقيلة، بعد أربع سنوات من الدعم الخفي من خلال مئات المستشارين العسكريين، ورغم الوجود الإيراني على الأرض السورية والإسناد من مقاتلي حزب الله هناك عبر السنوات الماضية، إلا أن الأسد أوشك على أن يفقد ما تبقى له من قوات عسكرية ومن أراض مسيطر عليها من قبل قوات نظامه، حتى العاصمة دمشق باتت مهددة، فجاء التدخل الروسي لينقذ الأسد ونظامه وما تبقى له، ويقلب الطاولة وموازينها على الأرض، وبهذا لا يمكن التكهن بقرب الوصول إلى حل للأزمة السورية، بل ستتعقد الأمور أكثر.
إن الوجود الروسي الذي بات مكشوفا ومعلنا في سوريا اليوم، والداعم للقوات النظامية والقوات الإيرانية، وبروز العناوين المتحالفة بشكل أوضح كمحور روسي سوري إيراني علماني علوي شيعي، يقاتل حركات معارضة سنية سورية وطنية وتنظيمات جهادية سنية تستقطب المقاتلين من الخارج بدعوى "الجهاد"، سيعطي شرعية لكل تلك التنظيمات وغيرها من المقاتلين الجدد الذين تحدثهم أنفسهم بالجهاد ضد الأعداء المحتلين للأرض العربية و"أرض المسلمين"، تماما كما حدث في أفغانستان الماضي، والتي لا تزال بعد ستة وثلاثين عاما تعاني من الاستباحة الخارجية لها ومن الدمار والتخلف الاقتصادي والسياسي.
فمماطلة الولايات المتحدة ممثلة برئيسها المتردد ومخابراتها التي لم تحسم أمرها في سوريا، وتهاونها في إنهاء الصراع السوري، واعتمادها على مجموعات مقاتلة لا تملك الخبرة الكافية لتغيير الواقع، ومنع الدول العربية التي دعمت الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد من مدّ يدها إلى الداخل السوري بشكل أكبر، وعدم فرض مناطق حظر جوي أو عقوبات صارمة، فضلا عن ترك المجال الجوي والأرضي مفتوحا للقوة الإيرانية والمليشيات الشيعية كي تقف مع نظام الأسد وترتكب الفظائع بحق المدنيين السوريين، قد أوصل الوضع في سوريا إلى بداية مرحلة جديدة تقودها روسيا، الخصم الرئيسي للولايات المتحدة وأوروبا، وسيدفع الشعب السوري ثمنا جديدا من القتل والتشريد والدمار لسنوات طويلة، ولن يصل أحد إلى حلّ قريب ينهي تلك المأساة.
في سوريا التي يتقاسم النظام جزءا من الأراضي في المناطق الغربية والشمالية والغربية الجنوبية مع تنظيم الدولة الإسلامية الذي بات يسيطر على أكثر من ثلث أواسط سوريا، وأجزاء مشتتة بين بقية التنظيمات، تحول الوضع فيها إلى مرحلة هجوم جديد يرأسه نظام الأسد وتقوده فعليا القوات الروسية والإيرانية، فيما الحلفاء العرب لم يحسموا خياراتهم ولم يقولوا الكلمة المختبئة في قلوبهم، عما يريدونه لسوريا اليوم، أيبقى النظام مع إمكانية تغيير الرئيس، أم دعم قوى المعارضة حتى آخر رجل يحمل السلاح في سوريا، أم إعلان رفع اليد عن كل ما يتعلق بسوريا، وكل هذا للعلم هو في خدمة نظام الرئيس بشار الأسد الذي استفاد من سياسة النفس الطويل والمراهنة على الزمن، والأهم حُسن اختيار حلفائه ممن لا يعتمدون على منطق الرجوع إلى مجالس النواب والكونجرس وتغليب اللغة الدبلوماسية.
سوريا اليوم وقعت من جديد في فخ "الأفغنة"، وستستباح من جديد من قبل مجموعات ستقاتل "الاحتلال الروسي والإيراني" من جديد، وسيبقى التاريخ يشهد على أن الشرق الأوسط العربي لا يملك أي جديد غير الحروب التي يغوص فيها منذ قرن مضى، فيما العرب لا يملكون أي تصور لمستقبلهم، بعيدا عن الحرب والثورات والقمع والتخلف السياسي والعلمي والفقر والجهل، غير مؤثرين في هذا العالم، بل متأثرون بشكل سلبي، وستتكرر مأساة أفغانستان لتمتد إلى دول أخرى، يعلمها الله، واستخبارات الغرب الخبيث، فهل من الممكن أن تقرر الدول العربية المعنية بصنع جبهة موحدة تضع شروطها بقوة بعيدا عن تصريحات وزراء الخارجية التي لا تضر ولا تنفع؟!!.