الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أكثر من شاشة والحقيقة غائبة!!

أكثر من شاشة والحقيقة غائبة!!

17.04.2013
محسن علي السُّهيمي

المدينة
الاربعاء 17/4/2013
لا أحلم -في الوقت القريب- برؤية الإعلام العربى متجردًا للحقيقة وحدها مهما كانت مرارتها؛ لأن مكيافيلية بعض القائمين عليه توحي بطول أمد الجفاء معها، وتوحي بتأصُّل نزعة التضليل للمشاهد العربي
أكثر من شاشة والحقيقة غائبة!!
يقع المشاهد العربي في حيرة من أمره، وتأخذه رياح التجاذبات ذات اليمين وذات الشمال، لا يدري -على وجه اليقين- أيها أَصدق، وفي أيها يضع ثقته، ولأيها يسلم قياد فكره. فمنذ بدأت الثورة السورية ضد نظام بشار والمشاهد العربي خارج ميدان الحدث تتقاذفه وسائل إعلامية عديدة، كل منها يدَّعي وصلاً بالحقيقة، وكل منها يرى أنه الأحق بالتصديق والاتِّباع. وهذه الوسائل على ضربين: الأول، التلفزيون السوري الرسمي ومعه بعض القنوات الأهلية، بالإضافة للتلفزيونات الرسمية لبعض الدول العربية التي توالي نظام بشار. الثاني: قنوات أهلية ومعها تلفزيونات رسمية لدول عربية تقف ضد نظام بشار. حقًّا نحن نعيش (زمان العجايب)! فمع كثرة وسائل الإعلام وتعدد وسائط الاتصال الحديثة إلا أن الحقيقة تظل غائبة لسبب أو لآخر، أو قل مُغيَّبة قصديًّا لحاجة في نفس مُغيِّبها. تغييبُ الحقيقة يتبعه دون شك تغييب تام للوعي، تأتَّى هذا التغييب نتيجةَ اللامبالاة من قِبل المغيِّب للطرف الآخر وهو المتلقي الذي يشكل وعاء يستقبل ما يُمليه عليه المتحكم في مفاصل تلك الوسائل الإعلامية. تجلس أمام شاشة التلفزيون السوري فلا ترى إلا سواعد البناء تعمِّر أنحاء البلاد، ولا ترى إلا حركة منسابة في شوارع المدن السورية، ولا ترى إلا لقاءً يتلوه لقاء مع مسؤولين ومواطنين وهم يلهجون بذكر بشار وشكره، ويبعثون رسائل مفادها أن الحياة تسير بشكل طبيعي، وأنهم فداء لبشار والوطن، ولا ترى إلا جنود الجيش وهم يدكون معاقل الثوار، ولا تسمع إلا أناشيد وأغاني الولاء والتمجيد للحزب البعثي الحاكم، ولا ترى إلا معالم سياحية ومرافق تعليمية وهي تعج بمرتاديها وطالبيها، ولا ترى إلا (القائد) يسير في موكبه المهيب متفقدًا الرعية، يحنو على هذا ويداعب ذاك !!، ويقص شريط مشروع هنا وآخر هناك. عندها تظن أن ما سمعتَه وشاهدتَه في القنوات المضادة عن اضطراب الأمن، وحالات القتل في صفوف المدنيين، وتعطل الحياة العامة، ونفاد بعض المؤن والضروريات الحياتية ما هو إلا ضرب من الخيال، ودبلجة أنتجتها تلك القنوات، للتغرير بالمشاهد وتصوير الوضع عكس ما هو قائم؛ كي تحقق مآربها وتصل لأهدافها.!! ،
في الجهة الإعلامية المضادة لنظام بشار ترى وتسمع عبر وسائلها ما يشيب له رأس الوليد عن عشرات القتلى التي تتكرر بشكل يومي، وعن حالات الرعب والخوف، وعن حجم الدمار الهائل الذي خلفته طائرات النظام في مساكن المواطنين، ولا تسمع إلا أصوات طلقات الرصاص وهي تشق صمت الليل، ولا ترى إلا رجالاً يقتحمون المساكن ويجوبون الشوارع مرددين هتافات النصر، رافعين ألوية التغيير. عندها تجزم أن النظام أصبح في حكم المنتهي، وأن الثوار سيطروا على معظم المدن والأرياف السورية، وأن النصر لم يبقَ عليه إلا ساعة من نهار. هكذا هو الإعلام، وهذه لعبته، وهكذا يوظَّف لطمس الحقائق ونَيل الغايات، وهكذا هو المشاهِد العربي الذي يعيش حالة مستمرة من عدم الوفاق والتصديق مع ما تبثه بعض وسائل الإعلام العربية، الرسمية منها والأهلية.. لا أحلم -في الوقت القريب- برؤية الإعلام العربى متجردًا للحقيقة وحدها مهما كانت مرارتها؛ لأن مكيافيلية بعض القائمين عليه توحي بطول أمد الجفاء معها، وتوحي بتأصُّل نزعة التضليل للمشاهد العربي مهما كان مستوى وعيه. ما تبثه بعض وسائل الإعلام العربية صباح مساء أشبه ما يكون بما تتضمنه بعض كتب التاريخ؛ فكلاهما في نهاية الأمر موجَّهان لخدمة غايات المؤسسات السُّلطوية؛ لضمان استمرارها، وتلميع صورتها، حتى لو تطلب الأمر تغييب الحقائق!