الرئيسة \  مشاركات  \  أكل أمـوال الناس بالباطل …!!!

أكل أمـوال الناس بالباطل …!!!

18.07.2013
د. فوّاز القاسم

 

قال تعالى في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل – إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم – ولا تقتلوا أنفسكم ، إن الله كان بكم رحيما . ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا . وكان ذلك على الله يسيرًا )) النساء (29 ) . صدق الله العظيم …
إن واحداً من أهم فروض المسلمين في هذا العصر، بعد فرض الجهاد في سبيل الله ، لدفع أعداء الله ، وردعهم عن عدواناتهم المتكررة على هذه الأمة ، هو ( فقه المال ) ...!!!
وقد يقول قائل : وهل للمال فقه .!؟ أقول : نعم ، بل هو من أعظم الواجبات المضيّعة في هذا العصر ...!!!
فلقد قرر علماء هذه الامة منذ فجر الدعوة الإسلامية ، بأن لكل زمان يعيشه المسلمون فروض وقت وأولويات زمان ومكان يجب تقديمها على غيرها في اهتمامات الأمة ، ولا أجد في هذا العصر النكد ، الذي طغت فيه المادة على عقول الناس ، وعبدت البشرية كلها الدولار من دون الله ، وصارت فيه القيم الرفيعة والأخلاق النبيلة والمباديء العالية ، بل حتى البشر أنفسهم ، مجرّد سلع رخيصة تباع بأثمان بخسة في أسواق النخاسين.!
أقول : لا أجد في هذا العصر النّكد ، ما هو أجدر بالتفقه والتفكر والاهتمام والتطبيق، بعد جهاد دفع الأعداء الغازين الظالمين المحتلين ، من ( فقه التعامل المالي ) بين أبناء المسلمين ...!!!
فلقد وصلت درجة الهبوط والتردي في التعامل المالي بين أبناء المسلمين أنفسهم ، ودع عنك المجتمعات الجاهلية الأخرى ، إلى درجة تهدد فيها عقيدتهم وانتماءهم نفسه ، مع غياب شبه كامل لدور العلماء والفقهاء والخطباء والمربين والمصلحين ، لأن المرض وصل إلى عظامهم أيضاً ...!!!
وأبيح لنفسي _ وأنا طبيب الأجسام  _ بعد أن عجز أصحاب الاختصاص من أطباء الأفكار والعقول والأرواح عن أداء دورهم ، والقيام بواجبهم الذي يمليه عليهم واجب الوقت ، وفرض الزمان ، والمكان ، أن أطلق هذه الصيحة المدويةّ ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، فربّ كلمة مخلصة تفتح آفاقاً رحبةً وتذكر بمنسيّ ، وربّ ناقلِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه ...
وأود أن أذكّر هنا ابتداءً بما قلته في مقالة سابقة عن الإسلام الحقّ ، وهو الدين الذي أنزله الله على جميع الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمد ، صلوات الله عليهم أجمعين  ، والذي لا يقبل من البشرية ديناً سواه ، حيث أكّدتُ بأن هذا الإسلام ليس مجرّد أقوال وتمتمات باللسان ، أو حركات بالجوارح ، أو طقطقات في المسابح ، بل هو قول وعمل ، ونظرية وتطبيق
الإسلام الحقّ : هو عقيدة راسخة ، وعبادة خاشعة ، وأخلاق فاضلة ، وسلوك ربّاني نافع لأبناء المجتمع
ولا يجوز إطلاقاً من منظور الإسلام الحق ، الفصل بين العبادات والمعاملات ...
ولا أجد في هذا العصر المادي النكد ، وفي ظروف ثورتنا السورية المباركة ، وفي ظروف شعبنا السوريّ المنكوب ، أبواباً للتقى والورع والعبادة والوطنية ، بعد الجهاد في سبيل الله  على ثرى سورية الطاهر ،  أفضل للسوري من أبواب العفة المالية ، والسماحة في التعاملات المالية ، والكرم المالي ، والزهد والترفع عن أموال الناس ، وإيثارهم على النفس في القضايا المالية ، والإقراض المالي للمحتاجين ، وإعفاء المعسرين ، وإطعام الجائعين ، وفتح مشاريع عمل للعاطلين ، وغيرها ...
فهي أفضل بألف مرّة من قيام الليل ، وصيام النهار ، وحج التطوّع ، لأن الصوم والصلاة والحج ، هي أعمال شخصية ، وهي بين المرء وربه ، والله غفورٌ رحيم .
أما الكرم ، والبذل ، والإنفاق ، والتسامح  المالي ، والإيثار ، وإنظار المعسرين ، وفي مقابلها الوفاء بالعهود المالية ، ورد الأمانات إلى أصحابها ، وشكر النعمة للمتفضلين ، وإرجاع الديون في وقتها إلى الدائنين ، وعدم أكل أموال المسلمين ، وغيرها من النشاطات المالية الشريفة ، فهي تزكية للنفس ، وحملها على ما تكره ، وتخليها عما تحب ، وجهاد ومجاهدة وسباحة في عكس التيار الجارف ، وخدمة للمجتمع السوري ، وتقوية لأواصر المسلمين  ، وإشاعة لقيم الخير والصدق والفضيلة فيه ... وهي من باب (( لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون )) ...
ولا أظن أن البشرية تحب شيئاً اليوم أكثر من حبها للمال ، ولذلك فقد تعين أن يكون إنفاقه والتخلي عنه والزهد فيه لوجه الله ، والتعامل النزيه والشريف مع مفرداته ، هو من أفضل أعمال البرّ في هذا العصر على الإطلاق ، بعد الجهاد في سبيل الله .!!!
وفي هذه الآيات الكريمات ، يخاطب الله جل وعلا ، أولئك المؤمنين الصادقين ، الذين تنطبق عليهم مواصفات الإيمان الحقيقية ، فينهاهم عن أكل أموال الناس بالباطل ، لأن من أكل أموال الناس بالباطل ، فقد انتفت عنه صفة الإيمان الحق ، وخرج عن دائرة الإسلام الحق ، وإن صام وصلى وادعى أنه من المسلمين، فأول صفة للمؤمنين والمسلمين بحق هي صفة الإستسلام الكامل لأوامر الله ، والالتزام المطلق بمنهج الله ، والسلام التام مع خلق الله …
وأساليب أكل أموال الناس بالباطل كثيرة ، ويتفنّن الناس بها في هذه الأيام – مع الأسف - بسبب ابتعادهم عن مواصفات الإيمان الحق والإسلام الذي أنزله الله ، وهي تشمل كل طريقة لتداول الأموال بينهم لم يأذن بها الله ، أو نهى عنها ، ومنها الغش ، والسرقة ، والاحتيال ، و( التقفيص ) ، والرشوة ، والقمار ، واحتكار الضروريات لإغلائها ، وجميع أنواع البيوع المحرمة ، وعلى رأسها الربى ، بل هو أشد الوسائل أكلاً للأموال بالباطل .!!!
والأخطر من كلّ ذلك في ظروف سورية الآن ، سرقة سلاح المجاهدين ، أو سرقة الأموال ، وحجب المساعدات عن المحتاجين ، فهذه تزلزل عرش الله ، وتستوجب أشدّ أنواع غضبه ونقمته .... !!!
واستثنى العمليات التجارية التي تتم عن تراض بين البائع والشاري ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم )  
ونؤكد هنا على قضية الوضوح والتراضي في البيع والشراء لينتبه أصحاب المستشفيات والعيادات الخاصة ، ومكاتب العقارات ، ومعارض السيارات ، وأصحاب المحال التجارية ، ومحال التصليح والصيانة ، وأصحاب عشرات المهن الاخرى ، الذين يستغلون حاجة المواطن ، ويفرضون عليه ما يريدون تحت ضغط حاجته الملحّة ( فصاحب الحاجة أرعن حتى يقضيها ) ، ثم يتشدّقون بأن المواطن غير مجبور على الشراء من عندنا ، وقد قبل من نفسه التعامل معنا ، متناسين بأن الأم يمكن أن تبيع عباءتها لشراء قنينة الدواء لابنتها المريضة ، وأن الأب يمكن أن يبيع بيته لتقديمه للطبيب الجراح الذي ينوي إجراء عملية جراحية لفلذة كبده .!
وقل مثل ذلك في أصحاب السيارات المتوقفة والذين يحتا جون خدماتها ، والاجهزة المعطلة الذين يحتاجون  إصلاحها .. فضلاً عن الأغذية ومنتجات البترول التي يحتكرها التجار من الذين ينتسبون زوراً إلى الإسلام بقصد إلهاب أسعارها على الفقراء والمساكين في الأزمات ... إلخ إلخ
فليعلم كل أولئك المحتالين ، بأن الفلس الذي يأخذونه من المواطنين على سبيل ( الحيلة ) و ( الخديعة ) و   ( الشطارة ) و ( الحياء ) و ( الغصب ) و ( الإكراه ) وغير ذلك من الاساليب ، فكلّه حرام ، وهو من أشد أنواع أكل أموال الناس بالباطل التي نهى الله عنها ، (( وكل لحمٍ نبت من حرام فالنار أولى به )) .!!!
ولننتبه إلى هذا التعقيب الإلهي المرعب .!!! 
( ولا تقتلوا أنفسكم . إن الله كان بكم رحيما )  ..
فهو تعقيب يجيء بعد النهي عن أكل الأموال بالباطل ؛ فيوحي بالآثار المدمرة التي ينشئها هذا الفعل في حياة الأمم ؛ إنها عملية قتل جماعية مدمرّة ..
يريد الله أن يرحم الذين آمنوا منها ، حين ينهاهم عنها !
 وإنها والله لكذلك . فما تروج وسائل أكل أموال الناس بالباطل في أمة : بالسرقة ، والرشوة ، والغصب ، و الربا  ، والغش ، والقمار ، والاحتكار ، والتدليس ، والاختلاس ، والاحتيال ، وبيع ما لا يباع : كالدين والعرض والذمة والضمير والخلق والحياء ، وغيره مما تعج به المجتمعات اليوم ، ومنها المجتمعات التي تدّعي أنها مجتمعات عربية وإسلامية ، إلا وقد كتب الله عليها أن تقتل نفسها ، وتتردى في هاوية الدمار ...
وما هذه الحروب والمجازر والاحتلالات والكوارث والمجاعات والزلازل والفيضانات إلا بعض من نقمة الله المقتدر الجبار على هذه البشرية المتمرّدة حتى وإن صام البعض منها وصلى وانتسب زوراً  إلى الإسلام.!!
فوالله الذي لا إله إلا هو ، لا يعرف طعم الإسلام ، ولا يرح رائحة الجنة ، من بات غاشّاً للسوريين ، خائناً لهم ، سارقاً لأموالهم ، مغتصباً لحقوقهم ، محتكراً لطعامهم ، متحايلاً على بسطائهم ، متشاطراً على فقرائهم ، متآمراً مع أعدائهم ، وإن قام العمر ، وصام الدهر ، وتعلّق بأستار الكعبة المشرّفة ...!!!
فالمسلم له في حياته علاقتان ، الأولى مع ربه : وهي قائمة على التسامح والتساهل والغفران ، فالصلاة خُففت من خمسين صلاة في اليوم والليلة إلى خمس ، وحتى هذه الخمس للمسلم أن يقصرها ويجمعها عند الحاجة ، وله كذلك أن يصلي قائماً أو قاعداً أو على جنب ، حسب ما يسمح به ظرفه ، وما تسمح به صحّته ...
وهذا التسامح ينطبق على جميع فروض الإسلام ، لأنها حقوق لله تعالى ، والله غفور رحيم ...
أما الثانية : فعلاقة المسلم مع إخوانه وأفراد مجتمعه ، وهي على العكس تماماً ، فكلها قائمة على الشدّة والصرامة والضبط ...
فقد دخلت امرأة النار ، وهي كثيرة الصلاة والصيام والصدقة ، ولكنها كانت تؤذي جيرانها ... !!!
واحترق شهيد في النار في شملة غلّها من أموال المسلمين ...!!!
وانتفى الإيمان إطلاقاً عمن لا يأمن جاره بوائقه ...!!!
وانسلخ من الإسلام بالكلية من غشّ المسلمين في بيعه  وطفف المكيال عليهم ...
مع عشرات الأمثلة المشابهة ... !!!
ووالله إنه لمما يفطّر القلوب ، ويفتت الأكباد ، أن ترى العربي المسلم الصائم القائم الملتحي ، يصلي أوقاته في المسجد ، فإذا خرج  ، فقد غشّ هذا ، وكذب على هذا ، وأكل أموال هذا ... دون أن يكون له رادع من صوم ، أو صلاة ، أو لحية ، حتى شاعت في مجتمعاتنا مقولة مخزية تقول : ( لا تخافوا إلا من أبو لحية )..!!!
 نعود إلى النص ، فالله يريد أن يرحم الذين آمنوا من هذه المقتلة المدمرة للحياة ، المردية للنفوس ؛ وهذا طرف من إرادة التخفيف عنهم ؛ ومن تدارك ضعفهم الإنساني ، الذي يرديهم حين يتخلون عن توجيه الله ، إلى توجيه الشياطين وأصحاب الشهوات …!!
 ويلي ذلك ، تهديد الذين يأكلون الأموال بينهم بالباطل ، معتدين ظالمين ، تهديدهم بعذاب الآخرة ؛ بعد تحذيرهم من مقتلة الحياة الدنيا ودمارها – الآكل فيهم والمأكول سواء – فالجماعة كلها متضامنة في التبعة ؛ فمتى ما تركت الأوضاع الظالمة ، التي تؤكل فيها أموال الناس بالباطل تروج ، فقد حقت عليها كلمة الله في الدنيا والآخرة : (( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ، فسوف نصليه نارا ، وكان ذلك على الله يسيرا )) .!
إنه والله تهديد مرعب ، تنخلع له القلوب ، وترتعد من هوله الفرائص ، فمن يجرؤ على تحدّي القهار الجبار.!؟
ومن له طاقة بنار جهنّم التي وقودها الناس والحجارة .!!!؟
وهل ينتبه الغافلون قبل فوات الأوان …!!!؟؟؟