الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ألعاب إسرائيل الجوية وسيارة حزب الله وسوريا المستباحة

ألعاب إسرائيل الجوية وسيارة حزب الله وسوريا المستباحة

20.04.2020
يوسف بزي



سوريا تي في
الاحد 19/4/2020
يوم الأربعاء الماضي، 15 نيسان الحالي، نفذت طائرات إسرائيلية مسيّرة (درون)، عملية ضد سيارة رباعية الدفع يستقلها عناصر من حزب الله، من بينهم مسؤول أمني، في منطقة جديدة يابوس عند الحدود السورية اللبنانية.
فشلت العملية بعدما انفجر الصاروخ الأول الذي أطلقته الطائرة الإسرائيلية على بعد أمتار أمام السيارة المستهدفة، ما سنح لركابها بالفرار منها، قبل أن يصيبها الصاروخ الثاني ويدمرها.
وحسب كل المعلومات، فإن الطائرات الإسرائيلية التي كانت تلاحق السيارة وركابها، انتظرت حتى اجتازت السيارة الحدود اللبنانية ودخلت إلى الأراضي السورية، لتنقضّ عليها. وهذا "الانتظار" كان محسوباً بدقة من قبل القادة العسكريين الإسرائيليين. أي عدم استهداف حزب الله أو أحد عناصره داخل لبنان، منعاً لكسر قواعد الاشتباك بين الطرفين الذي تكرّس أكثر بعد حادثة إسقاط الطائرتين المسيرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت في آب الماضي.
ومن قواعد الاشتباك هذه، فصل الجبهة السورية عن الجبهة اللبنانية، فتكون الأولى مستباحة والثانية محرّمة. واستباحة سوريا وأجوائها أمر مرتّب بين الإسرائيليين والروس. أما في استباحة الأرض السورية فهي حال قائمة بين كل المتورطين في النزاع السوري، المتعدد والمتشابك الجبهات والجهات.
صحيح أن الإسرائيليين فرضوا خرقهم الدائم للأجواء اللبنانية بطائرات الدرون أو بالمقاتلات الحربية، إلا أن "المعركة" هي حصراً في النطاق الجغرافي السوري. فهناك، ينتشر حزب الله والميليشيات التابعة لإيران وحرسها الثوري، في جهد حربي متواصل يتضمن هدفين استراتيجيين: الأول، بسط النفوذ على الدولة وضمان ولائها للسياسة الإيرانية
الاقتراب من الجولان كلف حزب الله ثلة من قيادييه البارزين، وكذلك دفع جيش الأسد أثماناً باهظة كلما تورط متعاوناً مع الحزب والحرس
بالشراكة (والتنافس) مع روسيا، وضمان خط التواصل بين طهران وبغداد وبيروت عبر دمشق. والثاني، خلق تماس إيراني مباشر مع إسرائيل بوصفه ميداناً حيوياً للنظام الإيراني الذي يجد "شرعيته الثورية" في مقارعة الغرب، وفي حمله لواء فلسطين كأهم ذريعة للتوسع داخل المشرق العربي وللهيمنة عليه وعلى شبه الجزيرة العربية تالياً.
طوال السنوات الثماني المنصرمة، كانت الاستباحة الإسرائيلية للميدان السوري بالغة وواسعة النطاق. وهي سددت ضربات مؤلمة لجهود الحرس الثوري وحزب الله كلما حاولا اختراق الخطوط الحمر التي رسمتها إسرائيل لهما. الاقتراب من الجولان كلف حزب الله ثلة من قيادييه البارزين، وكذلك دفع جيش الأسد أثماناً باهظة كلما تورط متعاوناً مع الحزب والحرس. عمليات نقل الأسلحة من إيران إلى لبنان عبر سوريا، كثيراً ما قُصفت داخل الأراضي السورية تحديداً. الاغتيالات الإسرائيلية لكوادر فلسطينية أو لبنانية أو إيرانية تمت في معظمها بمحيط دمشق أو في الجولان السوري.
الميدان السوري هو عملياً البديل عن الحرب المباشرة، التي لا يتحملها حزب الله ولا بيئته الحاضنة في لبنان، بعد تجربة صيف العام 2006، ولا يتحملها الإسرائيليون عند حدودهم الشمالية وأكلافها المتضمنة انهيال الصواريخ على مدنهم.
هكذا، تشكل سوريا أرضاً لتبادل الرسائل النارية وميداناً لتصفية الحسابات و"صندوق بريد" متفجر. بمعنى آخر، يتشارك الطرفان في تبديد أي "سيادة" لما يسمى "الدولة السورية".
وإذا كان لبنان، بعد العام 1969، قد تحول ميداناً مشابهاً للحال السورية اليوم. فقد حدث ذلك رغماً عن إرادة دولته الضعيفة. أما في سوريا فقد حدث هذا على نحو مغاير، بقرار واعٍ وتصميم واضح من قبل النظام نفسه. فبشار الأسد، رغم كل محاولات فرنسا تحديداً ابتداء من العام 2000، ورغم كل الإغراءات الأميركية المغلفة بالتهديدات بعد العام 2003، ورغم كل المغويات التي قدمتها له دول الخليج حتى وقت قريب، بل ورغم كل الانفتاح التاريخي لتركيا على سوريا (قبل 2011)، فقد قرر أن يسلّم سوريا ومصيرها إلى إيران. وابتداء من خريف العام 2004 كان المخطط الاستراتيجي لإيران بإنشاء "محور الممانعة" قد تثبّت مع قرار الأسد هذا.
ومنذ خريف العام 2006، بات بشار الأسد ونظامه وسوريا كلها في الفلك الإيراني، معلناً بعد اجتماعه مع حسن نصرالله وأحمدي نجاد سياسة عدائية بالكامل لما يمكن تسميته "المحور العربي"، في خطابه الشهير عن "أشباه الرجال".
والتجربة اللبنانية المديدة في هذا السياق تقول إن وجهة "الممانعة" وشعارها في "تحرير فلسطين" و"مقارعة الامبريالية"، لا تفضي إلا إلى تناسل الحروب الأهلية والعبثية وتبديد السيادة الوطنية وتدمير الدولة ومؤسساتها واستباحة البشر والحجر، وقيام دويلات داخل الدولة وعلى أنقاض الاقتصاد والمجتمع من غير أفق أو خلاص.
والنظام الأسدي الضليع في هذه التجربة، اختار رمي سوريا فيها لسبب جوهري وأصلي: لا يمكن للنظام البقاء والاستمرار في "بلد طبيعي" أو وفق شروط "الدولة العادية". وحده هذا الصنف من الحرب اللانهائية يتيح للنظام البقاء، بوصفه نظام غلبة واحتراب واستيلاء.
عمداً، ذهب بشار الأسد منذ العام 2011 إلى قرار الحرب الدائمة، القائمة أولاً ضد الشعب السوري، الذي يمكن اختزال ثورته بأنها سعي ليكون شعباً طبيعياً يريد دولة طبيعية ببلد طبيعي. وهذا بالضبط ما لا يحتمله نظام لا مبرر له سوى ديمومة الحرب.
من أجل ذلك، ارتضى بشار الأسد تدمير مناعة السيادة السورية وفتحها للجميع كساحة نزاعات، وتمزيق الجغرافيا السورية ونسيجها السكاني، واستباحتها لجحافل داعش كما لجحافل الميليشيات الشيعية، ولجيوش المنطقة والعالم، ويكون هو في كل هذه الفوضى الدموية "حاجة الجميع" وذريعة للجميع في آن معاً.
اختارت إسرائيل أن تترك للإيرانيين ما يشاؤون من سوريا وفيها، لكنها رسمت خطاً أحمر (80 كيلومتراً بعيداً عن الجولان)، واختارت أن تمنح حزب الله حرية الحركة في كل أرجاء سوريا إلا الاقتراب من الجولان أو تهريب أسلحة نوعية إلى داخل لبنان. الروس أيضاً رسموا خطوطهم، كذلك الأتراك والأميركيون.
عند تقاطع هذه الخطوط يجلس الأسد مستمتعاً بـ"سلطته" على خرائب سوريا ومهانتها. ولهذا السبب قد لا يرغب أحد بإزاحته. لا أحد يرغب بسوريا بلداً طبيعياً ودولة طبيعية وشعباً طبيعياً.