الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ألعاب صاروخية في الشرق الأوسط!

ألعاب صاروخية في الشرق الأوسط!

08.06.2013
جيفري كمب


الاتحاد
الجمعة 7/6/2013
هناك سؤال يتردد بإلحاح في الوقت الراهن على ضوء التطورات المتسارعة للأزمة السورية المتواصلة فصولا، وهو: هل سيشمل دعم روسيا المستمر للنظام السوري المحاصر، إمداده بمنظومة صواريخ متطورة من طراز اس-300 المضاد للطائرات؟ مع أن موسكو تؤكد أنه لم يتم بعد تسليم أي صواريخ لسوريا، إلا أن هناك مصادر أخرى تصر على القول بأن الصفقة قد باتت في مراحلها الأخيرة بالفعل. وهذا الموضوع بات على قدر كبير من الإلحاحية ومحلا للتكهنات، سواء في المنطقة أو في أوروبا، وهو يأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط من أجل التدخل الغربي في الأزمة السورية، من خلال إمداد المعارضة بالسلاح وتأسيس "منطقة حظر طيران" لرفع الروح المعنوية للقوات المناوئة للأسد، والتي عانت من بعض الانتكاسات في الآونة الأخيرة في أنحاء مختلفة من سوريا.
ليس هناك شك في أن نقل صواريخ اس-300 لسوريا سيمثل -كما يرى العديد من الخبراء- إضافة مهمة لقوات الأسد جيدة التجهيز أصلا. ومع ذلك يبقى ثمة سؤال مُثار بشأن السرعة التي يمكن بها للقوات السورية وضع هذه المنظومة الصاروخية المتطورة في الخدمة الفعلية، وسؤال آخر يتعلق بمدى فعالية تلك المنظومة في مواجهة القوات الجوية الغربية أو الإسرائيلية التي تتمتع بقدر كبير من الكفاءة، فيما لو وضعت بالخدمة فعلا!
وفي شهر يناير 1977 ترددت أخبار عن أن روسيا قد وافقت على بيع هذا الطراز المتطور من الصواريخ لجمهورية قبرص، التي تحتفظ موسكو بعلاقات وثيقة معها، وهو ما أدى -في حينه- لمواجهة كبيرة بين روسيا وتركيا، إذ كانت الأخيرة مؤيدة بقوة لجمهورية شمال قبرص التركية (المنطقة الشمالية التي يسيطر عليها القبارصة الأتراك من جزيرة قبرص المقسمة). وبعد مفاوضات مكثفة، نقلت الصواريخ بدلا من ذلك إلى اليونان التي قامت بنشرها في جزيرة كريت. وكنتيجة لهذا الحل، تمكن "الناتو" والاستخبارات الإسرائيلية من الحصول على معلومات جيدة للغاية عن هذه المنظومة، وتطوير إجراءات مضادة لها لإضعاف فعاليتها.
ومع ذلك يعبر بعض الخبراء عن قلقهم من أن المنظومة الروسية المقدمة إلى سوريا ما زالت قادرة على اعتراض أعداد كبيرة من الطائرات والصواريخ. وفي الحقيقة أن نشر تلك المنظومة الصاروخية في سوريا، يمكن أن يجعل من المحافظة على استمرار أي منطقة حظر طيران أمراً مكلفاً للغاية، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان أنه لا توجد في الوقت الراهن دولة من دول "الناتو"، ولا حتى إسرائيل، لديها الرغبة في تحمل ثمن باهظ لدعم المعارضة السورية التي لازالت تبدو حتى الآن معارضة غير منظمة، تضم في صفوفها جهاديين متطرفين، ومنظمات إرهابية مرتبطة بالقاعدة مثل "جبهة النصرة".
وربما يتبين أن كل ما هنالك هو أن روسيا تستخدم التهديد الخاص بنقل تلك المنظومة الصاروخية لسوريا لإقناع "الناتو" أنه سيكون من غير الحكمة إطلاقاً أن يحاول تغيير النظام في دمشق بالقوة. ويشار في هذا السياق إلى أن حساسية الروس وغضبهم تجاه تصرفات "الناتو"، كانا واضحين تماماً خلال الهجمات التي شنتها طائرات الحلف على صربيا عام 1999، والتي أدت إلى إسقاط نظام سلوبودان ميلوسوفيتيش. كما كانا ظاهرين أيضاً خلال تنفيذ الحملة الجوية من قبل القوات الأطلسية على ليبيا في عام 2011، وهي الحملة التي ساهمت في الإطاحة بنظام القذافي وقتله شخصياً في نهاية المطاف. وفي الحالتين، تم تجاهل الاحتجاجات الروسية ضد النظامين المذكورين مما أدى إلى إحراج موسكو أمام العالم وشعورها بالمهانة الشديدة جرّاء ذلك ولعدم قدرتها على أي رد فعل.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التصميم الروسي على منع تكرار ما قام به "الناتو" من قبل في صربيا وليبيا في الحالة السورية، فإنه ما زال من غير الواضح، إلى أي حد يبلغ استعداد روسيا للمواجهة إذا ما انتشر القتال في سوريا عبر أنحاء المنطقة وتدخلت فيه دول إقليمية أخرى مثل لبنان، وإسرائيل، وتركيا، وإيران، والعراق. فهذه الحقيقة تضيف عنصراً من عدم اليقين للموقف الذي يمكن أن يتطور ليصبح بالغ الخطورة إذا ما تدخلت قوات الناتو في القتال، وتعرضت لهجمات من قبل منظومة الصواريخ الروسية المتطورة في سوريا.
وبالإضافة لذلك، هناك نزاع مثير للاهتمام ولم يجر حله بعد، بين روسيا وإيران بشأن صفقة صواريخ اس-300، والتي كانت الأولى وعدت بها الثانية، ثم تراجعت عنها بعد ذلك، ما دفع طهران للتقدم بشكوى ضد روسيا في المحكمة الدائمة للتحكيم بجنيف، ومقاضاتها بتهمة إبطال العقد من جانبها. وهذه قضية لم تجد حلا لها بعد، لكنها تشير إلى حقيقتين واضحتين: الأولى أن هناك اهتماماً كبيراً بشراء منظومة الصواريخ اس-300 من قبل الدول التي تشعر بأنها تتعرض لتهديد القوة الجوية الغربية. والثانية أنه بمجرد ظهور كلمة "بيع" فإن القوى الغربية تتدخل عادة لثني روسيا عن مواصلة عملية البيع هذه حتى لو اضطرها الأمر إلى ممارسة ضغوط عليها.
وهذا يضع الروس في موقف محرج في واقع الأمر؛ فهم -من ناحية- يمتلكون قوة ضغط وتأثير معتبرة باستخدامهم لموضوع بيع أو نقل صواريخ اس-300 إلى الدول المعادية للغرب، لكنهم من ناحية أخرى يخاطرون بمطالبة الآخرين لهم بإثبات صحة دعاواهم، أي القيام فعلا بنقل تلك الصواريخ، وليس التلويح بنقلها فقط. وإذا ما حدث ذلك- أي نقل الصواريخ فعلياً إلى سوريا- فسوف يواجه الروس باستجابة موحدة من قبل الناتو مدعوماً بقوة من قبل إسرائيل والدول العربية. وبصرف النظر عن كل ذلك، فإننا إذا ما أخذنا في الاعتبار الاستثمار الروسي الذي تم بالفعل في دعم وتأييد بقاء نظام الأسد في الحكم، فإن توقعنا هو أن هذه الألعاب الصاروخية المرتفعة الرهانات، ستستمر على الأرجح.