الرئيسة \  تقارير  \  ألكسندر دوغين.. فيلسوف بوتين وعقله

ألكسندر دوغين.. فيلسوف بوتين وعقله

24.08.2022
الجزيرة


الجزيرة
الثلاثاء 23/8/2022
ألكسندر دوغين فيلسوف وكاتب قومي وباحث سياسي روسي يوصف بأنه "عقل بوتين"، يتقن 8 لغات، درس الطيران في معهد موسكو قبل أن يغير مساره إلى الفلسفة والعلوم السياسية وعلم الاجتماع.
مساء 20 أغسطس/آب 2022، فقد دوغين ابنته وسكرتيرته الصحفية داريا إثر انفجار سيارتها في ضواحي موسكو، وحسب التحقيقات، فإن دوغين كان من المفترض أن يركب السيارة التي انفجرت، لكنه استقل سيارة أخرى في آخر لحظة.
يؤمن دوغين بمفهوم روسيا الجديدة الذي يعني "استرجاع الأمة الروسية الكبرى قوتها بالعودة إلى قيمها المحافظة"، واستخدم هذا المفهوم لتبرير السيطرة على مناطق كانت تخضع تاريخيا للاتحاد السوفياتي، مثل ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 والحرب الروسية على أوكرانيا لمنع تمدد نفوذ واشنطن.
المولد والنشأة
ولد ألكسندر جليفتش دوغين في السابع من يناير/كانون الثاني 1962 في العاصمة موسكو لوالد كان جنرالا في دائرة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة السوفياتية، ووالدة تعمل طبيبة.
ترك والده الأسرة عندما كان في الثالثة من عمره، لكن استمر في رعايته بشكل جيد.
تزوج دوغين من الناشطة الروسية إيفجينيا ديبريانسكايا، وأنجبا ابنهما أرتور، ثم تزوج من الفيلسوفة ناتاليا ميلينتيفا، وأنجبا ابنتهما داريا.
الدراسة والتكوين العلمي
بدأ دوغين دراسة الطيران في معهد موسكو عام 1979، لكنه غيّر مساره فيما بعد إلى الفلسفة ليتخرج بماجستير في الفلسفة، ويحصل بعدها على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية وعلم الاجتماع.
يتقن دوغين 8 لغات، ويقول إنه يعرف أساسيات اللغة العربية لكنه لا يلم بها جيدا.
ويرجع دوغين نشأته وانطلاقته الفلسفية والعلمية إلى تعرفه على العالم الإسلامي والفيلسوف الأذربيجاني حيدر جمال.
التجربة السياسية والعلمية
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 انضم دوغين للمعارضة وشارك في الانتفاضة الشعبية التي ساهمت في إسقاط الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، الذي كان يعده "شموليا سلطويا"، في المقابل أعلن تأييد الرئيس فلاديمير بوتين بعد وصوله للسلطة.
وحلل سبب سقوط الاتحاد السوفياتي في اعتماده على "حضارة اليابسة" في مقابل حضارة البحر والأطلسي التي عمل عليها الأميركيون والأوروبيون على حد سواء، وليس بسبب الحرب الباردة.
وصِف دوغين بأنه العقل المدبر وراء ضم شبه جزيرة القرم، الذي بسببه أدرجت الولايات اسمه في قائمة العقوبات الأميركية عام 2014 بعد احتلال الجزيرة.
في عام 2019، انخرط دوغين في نقاش مع المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي حول موضوع ما أطلق عليها "أزمة الرأسمالية وتمرد الشعبوية القومية".
التوجه الفكري
يعتقد دوغين أن النظريات الرئيسية المؤثرة في العالم بالعصر الحديث هي الشيوعية والفاشية والليبرالية، التي يعتبرها قائمة على "تحرير أعضاء الجسم من سيطرة العقل".
ويضيف دوغين أن الليبرالية وزعيمتها أميركا القائمة على توفير الحرية الفردية والسوق الحرة، انتصرت على الفاشية عام 1945 وعلى الشيوعية عام 1991، لكنها تعاني "أزمة قاتلة" تهددها بالأفول الآن، من وجهة نظرته.
وبما أنه يرى أن النظريات الفائتة ستنتهي ومعها الليبرالية، فإنه طرح فكرة أسماها "النظرية السياسية الرابعة"، التي لا تركز على الفرد أو العرق أو القومية، بل على الوعي الذاتي الإنساني الذي همّش من قبل التكنولوجيا.
ولأن الوعي الذاتي يختلف من إنسان لآخر، فلابد للعالم أن يكون متعدد الأقطاب وليس كما تحاول أميركا جعله "حكومة عالمية" تقودها نخبة معينة ومديرو أعمال عالميون، وتستهدف الناس لمصالح شركاتها الخاصة.
ويرى أن الصراع بين روسيا وأميركا صراع "جيبوليتيكي" (جغرافي) وليس كما كان سابقا "صراعا أيديولوجيا" بين الليبرالية والشيوعية.
"النظرية السياسية الرابعة"
وصف دوغين النظرية السياسية الرابعة بأنها نظرية الثورة وتصفية الاستعمار بالنسبة للمجتمع الروسي، والتي تدافع عن "أصالة الحضارة الروسية وعن حقوق الإنسان"، ولكن ليس وفقا للقيم الغربية التي قال إنها ليست شمولية وهي غير مقبولة لا في روسيا ولا في "العالم الإسلامي ولا في الصين".
يرى دوغين أن على روسيا قيادة "الاتحاد الأوروآسيوي" (أقاليم الاتحاد السوفياتي السابق)، وهو ما دفعه لتأسيس الحركة الأوروآسيوية الدولية، وكانت الخطوة الأولى في هذا الهدف هي احتلال شبه جزيرة القرم، التي تكمن أهميتها في أنها توفر لروسيا منفذا بحريا.
ويرى أن من حق الحضارات الأخرى أن تعتمد التعاليم السياسية الخاصة بها القائمة على قيمها هي لا على القيم الغربية.
ولا يعد دوغين الولايات المتحدة خصما للاتحاد "الأوروآسيوي"، إنما الخصم الحقيقي هو حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) المؤسس على يد 12 دولة بينها أميركا، والذي أنشئ بهدف وقف تمدد الاتحاد السوفياتي عام 1949.
الهوية الروسية
يقول دوغين إن روسيا كانت إمبراطورية بعقيدتها وتصورها، لكنها أصيبت بتغييرات جذرية بدأت بعد قيام الثورة البلشفية على إثرها تغيرت الهوية الروسية عام 1991، مما جعل روسيا جزءا من العالم الغربي حتى جاء بوتين وأعاد القوة للبلاد مدافعا عن القيم المحافظة الخاصة بها.
الحرب على أوكرانيا
تنبأ دوغين بحرب بلاده "الحتمية" على أوكرانيا تحت ما أسماه "نوفو روسيا" (روسيا الجديدة)، ودعا بوتين للتدخل العسكري في شمالي أوكرانيا، متعللا بـ"إنقاذ السلطة الأخلاقية لروسيا"، وأنها ستنقذ العالم من الأحادية القطبية.
ووصف حرب بلاده على أوكرانيا بأنها "ليست حربا على الشعب الأوكراني ولا على الدولة، ولكنّها حرب على الدمى الغربية التي تحاول السيطرة على العالم، وعلى النازيين الجدد الذين انقلبوا على إرادة الشعب الأوكراني في 2014".
وذكر أن "أوكرانيا كدولة ليس لها معنى جيوسياسي" كما كتب في كتابه "أسس الجغرافيا السياسية"، ودعا إلى أن تستوعبها روسيا بالكامل تقريبا وترك معظم المناطق الغربية من أوكرانيا خارج نطاقها.
التدخل في سوريا
يرى دوغين أن التدخل الروسي في سوريا مهم لوقف التمدد الأميركي المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يعدُه منتجا أميركيا يهدد الوجود الروسي بشكل مباشر، مما يلزم موسكو باحتوائه للضرورة الجيوسياسية التي يؤمن بها.
ويقول دوغين إن "سوريا هي خطنا الخارجي للدفاع، والخط القادم بعد سوريا هو على أراضي الاتحاد الأوراسي (أ) وحتى داخل الاتحاد الروسي".
ويذهب إلى أن انهيار سوريا سيتسبب في انهيارات متتالية في منطقة الشرق الأوسط، وسيخلف فوضى في المنطقة بزيادة أعداد اللاجئين وتمددهم نحو أوروبا، الذي اعتبره سببا "سيرجع أوروبا سياسيا إلى الوراء".
وبنظر المفكر الروسي، فإن حل المشكلة السورية يجب أن يكون داخل سوريا نفسها، بالتعاون مع روسيا وإيران وقطر والإمارات والسعودية، أي أن ما سماها الأيديولوجية الليبرالية لا ينبغي أن تكون حاضرة في الملف السوري.
الوظائف والمسؤوليات
مؤرخ وأستاذ علم الاجتماع في جامعة موسكو سابقا.
مستشار سياسي وعسكري للكرملين.
مستشار رئيس مجلس الدوما غينادي سيليزنيوف.
عضو فاعل في حزب "روسيا الموحدة" الحاكم.
مؤسس الجبهة القومية البلشفية وحزب أوراسيا الروسي.
المؤلفات والإنجازات
ألف ما يزيد على 60 كتابا، أهمها "الخلاص من الغرب الأوراسية"، و"الحضارات الأرضية في مقابل الحضارات البحرية والأطلسية".
وتحول كتابه المنشور "أسس الجغرافيا السياسية" عام 1997 إلى منهج في أكاديمية هيئة الأركان العامة للجيش الروسي.
محاولة الاغتيال
مساء 20 أغسطس/آب 2022 أعلنت وسائل الإعلام الروسية مقتل ابنة الفيلسوف ألكسندر دوغين وسكرتيرته الصحفية داريا (29 عاما) إثر انفجار سيارتها على طريق موجايسكي السريع بالقرب من بلدة بولشيه فيازيمي بضواحي موسكو، في طريق عودتها من مهرجان "تراديتسيا" (التقليد).
فور مقتلها، وقع الرئيس بوتين على مرسوم منح وسام الشجاعة لروح داريا، وأثنى المرسوم الذي نشر على الموقع الرسمي للكرملين على "الشجاعة وإنكار الذات عند أداء الواجب المهني".
وصنفت لجنة التحقيق مقتلها بأنه "اغتيال بتحريض"، وقال أحد منظمي المهرجان إن ألكسندر دوغين كان من المفترض أن يركب السيارة التي انفجرت، لكنه استقل سيارة أخرى في آخر لحظة، وعقب حادثة الاغتيال نُقل دوغين إلى المستشفى إثر إصابته بصدمة نفسية.
وفق التقارير التي وردت على وسائل الإعلام في موسكو، فقد كانت القتيلة على قائمة العقوبات البريطانية بسبب "نشرها أخبارا كاذبة عن الحرب الروسية على أوكرانيا".
وأعلن جهاز الأمن الفدرالي الروسي عن التحقق من القضية، وكشف عن اسم المشتبه فيها، وهي مواطنة أوكرانية تدعى "ناتاليا فوفك".
وقالت الخارجية الروسية إنه في حال ثبوت تورط أوكرانيا في اغتيال داريا فسيكون ذلك "شكلا من أشكال إرهاب الدولة الذي تتبناه كييف".