الرئيسة \  برق الشرق  \  ألمانيا- الحرب التركية الروسية الجديدة

ألمانيا- الحرب التركية الروسية الجديدة

22.02.2016
هيثم عياش



كاتب ومفكر سياسي
برلين ‏21‏/02‏/2016
يحذر الرئيس الفرنسي فرانسوا اولند ومن خلال تصريحات له اثناء مؤتمر القمة الاوروبية الاخيرة التي عقدت ببروكسل يومي الخميس والجمعة 18 و 19 شباط / فبراير من حرب تقع بين روسيا وتركيا . وعزا اولند تصريحاته الى استياء روسيا من  الاجراءات العسكرية لانقرة داخل سوريا ضد الاتحاد الديموقراطي الكردي الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ  من حزب العمال الكردستاني فالاتحاد المذكور مع تنظيم ما يُطلق عليه بـ / الدولة الاسلامية /  احد طوابير نظام سوريا وايران والاتحاد المذكور موضوع ضمن لائحة الارهاب التابعة للحكومة التركية بالرغم من ان الولايات المتحدة الامريكية تعتبره شريكا للمفاوضات من اجل التوصل الى حل سياسي في سوريا كما يحظى الاتحاد المذكور بدعم كبير من موسكو التي أصرت على مشاركته بالمفاوضات التي جرت في جنيف في وقت سابق من اواخر كانون ثان / يناير 2016 وتوقفت ومن المقرر أن تستأنف في وقت لاحق من شباط / فبراير الحالي .
وأكد الرئيس الفرنسي ضرورة السعي للحيلولة دون تفاقم الفتور ونبرات التهديد بين انقرة وموسكو حاثا انقرة بوقفها قصف مواقع الاكراد والعودة الى الحوار خصوم تركيا  من حزب العمال الكردستاني وموسكو والعمل على تأمين وصول المساعدات الانسانية وغيرها الى سكان المناطق التي تعتبر معاقل حزب العمال والاتحاد الديموقراطي داخل سوريا . ولم يكتفي اولند بتحذيره من حرب محتملة بين انقرة وموسكو بل اكد بالوقت نفسه ان روسيا لن تستطيع استمرار دعمها لبشار اسد وان مغامرات  فلاديمير بوتين  بمواجهته لتركيا وعدم الاصغاء الى مطالب العالم بالكف عن دعم اسد ستعود نتائجها السيئة على موسكو وبوتين بشكل خاص .
نبرة الحرب ارتفعت بشكل ملحوظ منذ اسقاط المقاتلات التركية لمقاتلة روسية اخترقت اجواء بلادهم في وقت سابق من شهر تشرين ثان / نوفمبر من عام 2015 الماضي . ويؤكد مراقبو السياسة الروسية وتطورات الوضع العسكري بسوريا ان بوتين ينتهج سياسة انتقام ضد تركيا بسبب اسقاط الطائرة كما ينتقم من الاوروبيين  ايضا بسبب التمديد للعقوبات  الاقتصادية فانتقام الكرملين يكمن بالتدخل العسكري الروسي في سوريا وقصف الطيران الروسي للمدن والقرى السورية وخاصة حلب  ومحيطها هذه القصف يؤدي الى تهجير الالف يوميا الى تركيا .
وتتزامن  تحذيرات الرئيس الفرنسي وقلق بعض خبراء السياسة الروسية  بتكثيف روسيا تواجدها العسكري  بالقرى  القريبة من الحدود الارمنية التركية ، فأرمينيا حليفة روسيا  التي تحاول ايضا اقامة قواعد صواريخ لها في اليونان الدولة العضو بحلف شمال الاطلسي / الناتو / فموسكو تستغل العداء التقليدي بين تركيا وارمينيا وتركيا واليونان ، الا ان سبب عدم اقامة قواعد عسكرية لروسيا في اليونان يعود ايضا لعضوية الدولة المذكورة بالاتحاد الاوروبي وحاجة أثينا الماسة للاوروبيين ولا تريد إغضاب الاوروبيين اذا ما وافقت على طلب موسكو باقامة قواعد لطائرات روسيا العسكرية ، الا أنها تسمح لموسكو استخدام المقاتلات العسكرية الروسية المجال الجوي لليونان .
وتعيش تركيا حاليا بحرب على جبهات متعددة  فالى جانب عملياتها العسكرية ضد معاقل حزب العمال الكردستاني وتنظيم الابالسة / الدولة الاسلامية / تعيش في حرب مع الارهابيين الذين يقومون باعمال ارهابية لزعزعة واستقرار الامن في تلك الدولة كان آخرها الاعتداء الارهابي يوم الثلاثاء من في انقرة الذي اوقع اكثر من ثمان وعشرين شخصا  واصابة عدد لا يحصى بجروح ثم الاعتداء الذي استهدف وحدة عسكرية تركية  بمنطقة ديار بكر.
واذا ما وقعت بالفعل مناوشات عسكرية مباشرة بين تركيا وروسيا اذا ما قامت  أنقرة ومعها الرياض والدوحة بزحف بري الى داخل الاراضي السورية لمواجهة تنظيم ما يطلق عليه بـ / الدولة الاسلامية – داعش – الابالسة / ، فلا تعتبر بجديدة وشاذة ، فروسيا تعادي تركيا منذ زمن الدولة العثمانية .
بعيد فتح القسطنطينية / استانبول / على يد السلطان ابي الخيرات وابي الفتح محمد الفاتح بن السلطان الشهيد بايزيد الاول الذي قتله التتار  / رحمهما الله / في عام  857 هجرية الذي وافق لعام 1453  للميلاد الذي كان نهاية الدولة البيزنطية / الروم الشرقيين / رأى  القياصرة  الروس احقيتهم بالدفاع عن المسيحية في اوروبا وشمروا عن سواعدهم لاستعادة القسطنطينية  من جديد فبدأت الحروب بين دولة الخلافة الاسلامية العثمانية ، وكان اولها بين عامي 1676- 1681 بعيد الحرب التي وقعت بين العثمانيين والبولنديين بين عامي 1672- 1676 التي انتهت باتفاقية لوقف الحرب واتفاق بين محور بولندا وليتوانيا مع القياصرة يعتبر بمعاهدة القياصرة للبولنددين ودول بحر البلطيق ، كان اباب الحرب العثمانية البولندية هو من اجل السيطرة على اوكرانيا المعروفة ببلاد الكرج ، فالدولة العثمانية التي ظهرت كقوة اسلامية واوروبية رئيسية رأت ان حماية مسلمي اوكرانيا والقرم على عاتقها.
كما كانت اسباب الحروب الرئيسية التي اندلعت بين دولة الخلافة الاسلامية العثمانية وروسيا طموحات القياصرة بالوصول الى المياه الدافئة وفي  مقدمتها البحر الاسود الذي كان ولا يزال يعتبر بالنسبة لروسيا منفذا للوصول الى المناطق الدافئة من البحر الاسود الى البحر الابيض المتوسط ومنه الى منطقة الخليج العربي . وقد بدأت طموحات القياصرة بالوصول الى المياه الدافئة والاستيلاء على البحر الاسود من شبه جزيرة القرم الذي استولى القياصر عليه بحروب ومفاوضات  بين روسيا ومحور دول بحر البلطيق الذي كانت تقوده بولندا والدولة العثمانية عليه استمرت لاكثر من  تسعة  اعوام / 1774- 1783 انتهى باتفاق سيطرة القياصرة على القرم بادارة روسية عثمانية ، وكان هدف القياصرة من استيلاءهم على القرم ليس من اجل الوصول الى المياه الدافئة فحسب بل من اجل نشر المسيحية ايضا بتلك المناطق التي اعتنقت الاسلام في عهد فتوحات الصحابة رضوان الله عليه لها ، الا أن سياسة روسيا بتنصير الكثير منهم بالترغيب والترهيب فشلت الى حد كبير كان من نتائجها تهجير السمليمن من بعض مناطقهم الى داخل بولندا والى دول البلقان والى داخل تركيا .
تسعة حروب وقعت بين دولة الخلافة الاسلامية العثمانية وروسيا بدأ الاعداد لها باتفاق مع دولة هابسبورج / القيصرية الرومانية الغربية المقدسة / والقياصرة الروس اثر فتح استانبول ، وبالتالي اتفاق تم بين قيصرية هابسبورج والقياصرة الروس مع دولة الصفويين في ايران لوقف اي زحف اسلامي على اوروبا ، فحصار فيينا الذي  وقع مرتين في عام 1529 فقد كاد المسلمون فتح فيينا لولا اتفاق تم بين الروس والصفويين لانشاب حرب مع السلطان سليمان القانوني  اذي أمر بانهاء حصار فيينا والدفاع عن الدولة العثمانية ومواجهة الصفويين وكاد ان يقضي على دولتهم لولا تدخل القيصرية الروسية ودول اخرى في اوروبا اتتهى بالانسحاب من طهران ، ثم كان الحصار الثاني عام 1683 فقد اجتمعت الدول الارووبية كلها على محاربة العثمانيين الذي انتهى بانهاء حصار فيينا . فجيمع الاتفاقيات التي تمت بين الكاثوليك والارتودوكس والبروتستانت الذين يعيشون في خلاقات تاريخية ومذهبية بينهم هو لحماية الغرب من الاسلام .
كان آخر الحروب بين القياصرة والدولة العثمانية تلك الحرب التي وقعت بين عامي 1877- 1878 /  التي كان هدف روسيا الرئيسي عدا عن مساندتها لثورات ارتودكس بلاد البلقان على الدولة العثمانية الوصول الى البحر الابيض المتوسط كانت نتيجة تلك الحرب معاهدة صلح برعاية الدول القوية في ذلك العصر دولة هابسبورج بالتعاون مع القيصرية البروسية وفرنسا وغيرها نتج عنه اجتماع برلين تحت سقف مبنى البرلمان الالماني حيث اقر المشاركون بالمؤتمر بان الدولة العثمانية اصبحت مع دولة هابسبورج رجلا اوروبا المريضان وتم الاتفاق ايضا على دعم الثورات في روسيا ضد القياصرة التي انتهت بالثورة البلشفية عام 1917 .
فاذا ما وقعت حرب بالفعل بين تركيا وروسيا من اجل سوريا والاكراد فلا تعتبر شاذة بل هو من اجل تحقيق أطماع روسيا بالسيطرة على البحر الابيض المتوسط والخليج العربي بالتعون مع ايران وبعض الدول الاوروبية ويعتقد الكثيرون الى وجود اتفاقيات سرية بين واشنطن وموسكو تكمن بتقاسم منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي بينهما .