الرئيسة \  برق الشرق  \  ألمانيا- ندوة حول اسلام اوروبي

ألمانيا- ندوة حول اسلام اوروبي

05.06.2016
هيثم عياش


كاتب ومفكر سياسي
برلين 03‏/06‏/2016
يعتقد كثير من الناس ان المانيا عرفت الاسلام بالعمال الضيوف الذين ساهموا بإعادة تعمير المانيا التي دمرت الحرب العالمية الثانية أكثر مدنها وعملوا بمجموعات الصناعة الالمانية التي كانت تستقطب الايدي العاملة من تركيا والمغرب وتونس ومن البلقان وغيرها وفق اتفاقيات تمت بين الحكومات الالمانية وحكومات تلك الدول . ويعتبر الاتراك المسلمون اكثر الجاليات المسلمة عددا اذ يتجاوز عدد المسلمين حاليا وفق احصائيات رسمية الـ 4 مليون نسمة من مجموع حوالي 82 مليون نسمة عدد سكان المانيا منهم حوالي مليون و 600 الف تركي . الا ان المانيا عرفت الاسلام منذ القرون الوسطى وبالتحديد منذ فتوحات المسلمين في اوروبا اي الى عهد الدولة الاموية تلك الدولة التي خلفت دولة فتوحات الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم واستمرت في الفتوحات الى ما قبيل الانقلاب العباسي عليها حيث توقف الفتح الاسلامي ليعود مجددا في عهد دولة الخلافة الاسلامية العثمانية التي كان الاوروبيون يحسبون لها . ويؤكد التاريخ الاوروبي عمق العلاقات الدبلوماسية بين الدولة الاموية بالاندلس والدولة العباسية بالشرق مع القيصرية الاوروبية ابتداءً من اسرة كارولينغ في القرنين السابع الميلادي الى عهد أفول شمس دول الخلافة الاسلامية العثمانية تخللتها فتن أدت الى قيام الحروب الصليبية وغيرها . ولعل اقدم مسجد في المانيا على الاطلاق ذلك الذي يقع بمنطقة شفيتسينجين التي تقع بين مدينتي درامشتات وهايديلبيرج يعود بناءه الى اعوام 1500 بل تم العثور على بقايا مسجد بمدينة فريبورج / جنوب غرب / التي تقع على الحدود ما بين فرنسا وسويسرا يعتقد علماء الآثار انه تم تشييده في القرن الثامن الميلادي .
وقبيل توحيد الالمانيتين بقي الاعتقاد ان الاسلام ضيف، ثم تلاشى ذلك الاعتقاد تدريجيا ، وقد أثار تأكيد الرئيس الالماني السابق كريستيان فولف بأن اللاسلام جزء من المانيا بالخطاب الذي ألقاه عام 2010 بمدينة بريمن اثناء احتفالات اعادة توحيد الالمانيتين صدى واسعا في المانيا من بين المؤيد والمعارض ، وعندما استلم الرئيس الحالي يوئاخيم جاوك ، وهو قسيس سابق ، مفاتيح قصر بيلوفوه أعلن بان المسلمين جزء من المانيا وليس الاسلام ، الا انه التزم الصمت بعد ذلك لتؤيد المستشارة انجيلا ميركيل وبعض اهل السياسة والاجتماع وغيرهم تأكيدات الرئيس السابق فولف حول الاسلام .
وتسعى معاهد المانية للتقريب بين الاسلام والمجتمع الالماني والاوروبي من خلال اندماج ثقافي للحيلولة دون تنامي ظاهرة المعاداة للاسلام التي يحمل لواءها الاحزاب القومية لمتطرفة في المانيا وفرنسا وهنغاريا والنمسا وبلجيكا ، فالجبهة القومية الاوروبية لحماية الغرب من الاسلام تعتبر مدينة درسدن معقلا لهم ثم جاء الحزب البديل لالمانيا ليأخذ على عاتقه عداوة الاسلام حتى يضع ضمن خططه منع بناء مساجد بمئاذن وتصريحات بعض مسئوليه الرئيسيين بان الاسلام فكر سياسي لا علاقة له بالدين وغير ذلك من الترهات ، وعبثا حاول مجلس المسلمين الاعلى اقناع زعماء الحزب من اجتماع العدول عن خططهم المعادية للاسلام وانته الاجتماع الذي استمر لاقل من 40 دقيقة بالفشل والنزاع .
ويؤكد رئيس البرلمان الالماني السابق فولجانغ تيرزيه بندوة دعا اليها معهد بيترلسمان للدراسات أحد أكبر مجموعة اعلامية في العالم هذا اليوم الجمعة 3 حزيران / يونيو بالعاصمة برلين ، ان المسلمين جزء لا يتجزأ من المانيا والاسلام جزء هام في هذا البلد وفي اوروبا ومن الصعب والمستحيل رفض ذلك فالاسلام له اثر كبير على الحضارة الاوروبية وحضارة المسلمين باسبانيا والبرتغال وايطاليا وفرنسا وجنوب المانيا وبلاد البلقان وفي بولندا وغيرها لا تزال قائمة منذ مئات السنين .
التأقلم والاندماج لا يعني استغناء المسلم عن شخصيته فالاسلام حث على التأقلم والاندماج والتعايش مع الثقافات والاديان الاخرى وهو دين الحرية والنمساواة ولكن ضمن حدود .
وينتقد تيرزيه تصريحات شيخ الازهر احمد الطيب الذي حث بمحاضرة القاها أمام أعضاء البرلمان الالماني بجلسة معلقة في وقت سابق من شهر نيسان / ابريل من عام 2016 الحالي المسلمين في المانيا التاقلم بشكل تام مع المجتمع الالماني والاوروبي وقبول عادات وتقاليد الغير المسلمين ، اذ ان الحفاظ على الشخصية الخاصة بالمسلم وغير المسلم من حقوق الانسان ومن ضمن الانسانية فالذي فالذي يستغني عن شخصيته الخاصة به يستعني عن انسانيته .
وتعتبر نظرية التاقلم والاندماج واستغناء المسلم عن شخصيته موضع نزاع فرئيس وزراء ولاية هيسين السابق رولاند كوخ ومعه اعضاء من الحزب المسيحي الديموقراطي طالبوا المسلم الاستغناء عن شخصيته بشكل مطلق والتحلي بثقافة المانيا واوروبا الاصلية ، ذلك الاعتقاد كان وراء ضغوط تعرض اليها كوخ من قبل سياسيين واجتماعيين أضطرته للاستقالة من منصبه ومن الحزب المسيحي الديموقراطي ، اذ لا يوجد لالمانيا ولا لشعوب من شعوب العالم ثقافة اصلية فثقافة جميع الشعوب مقتبسة من بعضها البعض .
الاسلام الاوروبي لا يعني ان يصبح الاسلام كنسيا تؤدى الصلوات في المساجد فقط ولا علاقة بالسياسة وغيرها بل مشاركة المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها وعدم إخفاء دينهم عن الغير على حد قول تيززيه تفنيدا لأراء نائبة زعيمة حزب البديل لالمانيا بيئاتيه فون شتورش التي ادت بان الاسلام لا علاقة باوروبا .
واذا كان الاسلام ليس علاقة باوروبا فالمسيحية واليهودية ايضا ، فاوروبا لم يكن لها أي دين يذكر فقد كانت الشعوب الجرمانية عبدة أصنام وعبدة الطبيعة الى ان جاءت المسيحيىة واليهودية ثم الاسلام ونقلها من عبودية الاصنام والبشر الى عبودية الله وحررها من الخرافات .
لا يوجد في الاسلام ، اسلام سياسي ، هذه المقولة التي اصبحت على كل لسان وخاصة بين بعض شعوب المسلمين من العرب وذلك للتفريق بين الاسلام كعقيدة ودين وهوية بعد ان اختفت مصطلحات الاصولية وما شابهها من قواميس السياسة في اوروبا ودول عربية اسلامية . والاسلام ايضا يختلف عن المسيحية التي فقدت روحاميتها واليهوديبة ذلك الدين الجامد .