الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "أليكسا 2" يترصد نخوتنا

"أليكسا 2" يترصد نخوتنا

24.12.2013
عبدالعزيز قاسم



الوطن السعودية
23/12/2013
ليس من المعقول أن ننفر لهبة إخوتنا في الشام، وتصل أموالنا لأيدي المتطرفين هناك، ليرتدوا إلينا قنابل بشرية، ونبتلى مرة أخرى بهم، فيستنزفون ميزانياتنا، ويوقفون عجلة التنمية، وقد انصرفنا للحرب عليهم
عُفْتُ ـ وأيم الله ـ نفسي والدنيا، وأمضّني الألم والاكتئاب خلال الأسبوع الفارط؛ وقتما طالعت صورة الطفلة الرضيعة في سورية التي قضت، وقد تجمّدت أطرافها من الصقيع. وأمضيت ذلك اليوم مكتئبا، والسؤالات توخزني: هل أتحمل مسؤولية ما حدث لعدم إغاثتها؟ هل يتلبسني الإثم أو بعضه لعدم نجدة تلكم الزهرة، وغيرها بالعشرات، ممن لم تصلنا أخبارهم؟
الأوضاع صعبة هناك في شآمنا الغالي، فتقارير الأمم المتحدة تقول إن مأساة اللاجئين السوريين هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، والمتحدث باسم المنظمة الدولية في ميونيخ قال: "هناك مخاوف من أن كثيرا من الأطفال لن يمكنهم البقاء على قيد الحياة خلال الأسابيع المقبلة؛ إذا لم يتم التحرك سريعا".
وتصفعنا وكالة "ناسا" بإطلاق تحذير هو الأول من نوعه منها، لدول الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، قائلة إن المنطقة ستتأثر بعاصفة ثلجية أخرى اليوم الاثنين، تكون أقوى وأبرد من الأولى، حيث يتوقع أن يصل تساقط الثلوج إلى الساحل السوري. وأضافت "ناسا"، أن عاصفة "أليكسا 2" ستستمر لعدة أيام وتنتهي 27 ديسمبر وستخلف أطنانا من الثلج.
بمجرد قراءتي الخبر، حوقلت واسترجعت، إذ سنكون أمام آلاف من الصور الفاجعة، وسيتضاعف عدد الأطفال والنساء الموتى بفعل الصقيع القاتل، وهم هناك في العراء – خصوصا الداخل السوري- حيث لا غطاء لهم سوى السماء، وزمهريره، ولا فراش إلا الأرض البيضاء المثلجة، في مناظر تقشعر لها الأبدان، مما يحكي لنا عنها الذين ذهبوا للإغاثة، وأنا أتكلم عن الداخل السوري، الذي لم يستطع لاجئوه الوصول لتركيا أو مخيم الزعتري في الأردن أو مخيمات لبنان.
رغم كل هذه الصورة السوداوية التي سطرت، لنعترف بأن لدينا إشكالات في موضوع التبرعات هذه، ففي تجاربنا السابقة، وجدنا بعض المختلسين عديمي الضمائر من المتصدين لأعمال الإغاثة، ولم يكونوا بالأمانة التي توخيناها منهم، فضلا – وهو الأهم- عن تسرّب بعض تلك الأموال للمنظمات المتطرفة كالقاعدة، التي قويت شوكتها، وتوسعت بعملياتها بفضل ما حصلت عليه من دعم منا، وارتدت أموالنا خناجر في خواصرنا، ونحن الذين وفرنا لهم السلاح والعتاد بما كنا نظن أننا نغيث وننجد.
أزعم أن أحد أهم انتصار رجال أمننا الأبطال على تلك الشرذمة المتطرفة، بعد تلاحم المجتمع مع قيادته ضدهم؛ تجفيف منابع التمويل لهم، فباتوا بلا أسلحة ولا أموال يتنقلون بها، وهذا موضوع ـ يا أحبة ـ لا نستهين به، فليس من المعقول أن ننفر لهبة إخوتنا، وتصل أموالنا لأيدي المتطرفين هناك، ليرتدوا إلينا قنابل بشرية، ونبتلى مرة أخرى بهم، فيستنزفون ميزانياتنا، ويشغلوننا ويوقفون عجلة التنمية التي نعيشها في بلادنا، وقد انصرفنا للحرب عليهم.
ولكن السؤال: هل سيكون هذا مانعا من نجدة وإغاثة أولئكم الأطفال والنساء والعجائز في سورية الحرة، ونجلس بكل تبلد نتفرج عليهم والبرد والجوع يقضيان عليهم؟ بالتأكيد ليس هذا صحيحا، ولا يليق بوطن هو رأس العالم الإسلامي وقلبه، وهو القائد لكل المجتمعات الإسلامية، وتأريخنا حاضر، ووقفاتنا مع الأشقاء، إن في أفغانستان أو الشيشان أو البوسنة أو الصومال، وقبل ذلك كله في فلسطين.
أزعم أن جيلي منذ صغره لا يمرّ عليه العام أو العامان، إلا و قد سمع عن هبة ونجدة للمملكة هنا أو هناك، في كل صقع من أصقاع هذا الكون، يتقدمنا ولاة أمرنا بالتبرع، وهم غرسوا فينا هذا الخلق العربي القديم، إذ يضرب العالم المثل بالعربي في نخوته ونجدته ونصرته لمن استغاثه، وعدم تسليم من استجاره، ولو على رقبته، كائنا من كان.
الاحتقان الشعبي الخليجي يتصاعد، والألم الذي اعتصر مثلي، كان أضعافه عند غيري ممن أبقى الله لهم شيئا من المشاعر البشرية، ومن الضروري فتح فسحة بسيطة للحراك الشعبي ليتنفس، ويؤدي واجبه الذي يوخزه حيال إخوته المنكوبين في الشام، ونحن ندعو الله ليلا ونهارا على بشار وجلاوزته، والصفوي وحزب شيطانه، والأميركي وغدره وجبنه، والأوروبي وموقفه الصامت المريب، والثمن يدفعه الشعب السوري المنكوب، الذي إن نجا من براميل الطاغية المتفجرة، لم ينج من الجوع الذي جعله يأكل القطط والحمير، ويقسم لنا بالله أحدهم إنهم أكلوا جثث الموتى كي يعيشوا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كم أتمنى أن تصل أصواتنا للمسؤولين هنا، في أرض النجدة والنخوة، بأن تبادر لجان شعبية، يترأسها علماء ودعاة، موثوقون، ولهم مصداقيتهم وقبولهم الشعبي، ولنعلن حملة تبرعات وإغاثة على مستوى الوطن، وستسرّوا والله، بكيفية هرولة المواطنات بالتبرع بذهبهن وحليهن، والأطفال بمصروفات جيوبهم البسيطة، والفقراء بأكسيتهم.. يؤثرون بها أولئك الحفاة الجياع في شآمنا الأثير، وهناك الموسرون الذين يطلبون ما عند الله بلا منّ ولا رياء، وأنا لا أبعد النجعة في تخيلاتي، فقد رأينا هذا المجتمع السعودي، من وحي شيمه وأخلاقه، يفعل ذلك للبعيد، فكيف بأخيه السوري القريب.
لندفع البلاء عنا بالتصدق والغوث لمن استجار بنا واستنجد، لنفعل هذا من أجلنا، فالله يدفع بالصدقة الكوارث ويحفظ النعمة التي نحن عليها.