الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أمام العبادي ضوء ولكن في نهاية النفق

أمام العبادي ضوء ولكن في نهاية النفق

15.09.2014
طارق الهاشمي



الشرق القطرية
الاحد 14-9-2014
تهدئة النفوس، تخفيف الاحتقان، زرع الثقة.. تمهيدا للانطلاق إلى الصفحة اللاحقة وتعني بإصلاحات راديكالية تمس مختلف جوانب الحياة وتعمل فيها تحسينا وتغييرا، هي الوصفة الناجعة التي يحتاجها الآن شعب العراق.
أما مجرد الوعود، أما إخضاع المشهد السياسي لإصلاحات تجميلية، غايتها لا تتجاوز إدارة الأزمة فضلا عن معالجة آثارها واقتلاع مسبباتها.. فهي مقاربة أقل ما يقال عنها إنها قاصرة ولا تتناسب مع طبيعة المرحلة ولا في خطورتها.
البيان الوزاري الذي قدمه رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي قبل أيام كان من هذا النمط، ولاشك أنه أصاب أكثر المتفائلين بقدومه بالإحباط وخيبة الأمل.
في تصوري من بين الكثير من التحديات فإن رئيس الوزراء الجديد يواجه ستة تحديات خطيرة:
مجتمع سني ثائر يطالب بالإنصاف والعدل، هم ضحايا سياسات طائفية.
فساد مستشر وتخلف إداري يهدد كيان الدولة بالانقراض.
تقاطع في المصالح بين الإقليم والمركز.
نفوذ غير مسبوق لإيران ينتقص من السيادة ويهدد الأمن والاستقرار.
انحراف خطير عن بناء الدولة المدنية لصالح الدولة الدينية المذهبية الإقصائية.
تنامي ظاهرة التطرف والعنف في جانبيه الشيعي والسني.
رئيس الوزراء العبادي كان عليه الإشارة في بيانه الوزاري بحزم ووضوح أنه قادم للتغيير، يبرهن على امتلاكه نوايا صادقة يترجمها برؤية واضحة للتغيير تعززها إرادة حديدية يترجمها بقرارات صعبة لن تتأثر بالضغوط الأيدلوجية الطائفية لحزب الدعوة أو بكبيرهم الذي علمهم السحر نوري المالكي أو تخضع لمناورات إيران الراغبة في إدامة الأزمة بأي ثمن.
أما كيف؟ فقد كان على العبادي أن يتبرأ من تراكمات سياسة سلفه الكارثية في مختلف المجالات وعلى وجه الخصوص الخروقات الهائلة في ملف حقوق الإنسان، ومن فساد حكومته المستشري ومن التناقضات بين الإقليم والمركز وذلك بالإدانة الواضحة والبراءة من هذه السياسات وهو ما لم يحصل، وعندما سكت العبادي عن جميع مساوئ سلفه فإنه بذلك يقيم الحجة على نفسه بالموافقة والقبول.
من جانب آخر بينما فشل نوري المالكي في التعاطي الموضوعي مع ثورة المظلومين من العرب السنة وانحاز لخيار استخدام القوة الذي ثبت بعد ثمانية أشهر أنه سلاح مكلف وعقيم بل كارثي من زاوية قتل المزيد من شباب الشيعة والسنة من جهة ودفع المزيد من العرب السنة للكفر بالعملية السياسية السلمية والاعتدال واللجوء مضطرين للتعصب والعنف، لم يبادر حيدر العبادي حتى الآن في إيقاف تصعيد القصف الجوي على المدنيين وعلى البنى التحتية، كما لم يعمل على الحد من إرهاب المليشيات الشيعية وهي تعبث بأمن واستقرار المحافظات السنية وتجبر الأهالي من كل حدب وصوب على النزوح والهجرة.. وهي مؤشرات سيئة للغاية وانطلاقة غير موفقة.
لقد انتظرت يومين بعد أن تولى العبادي مقاليد منصبه رسميا قبل كتابة هذا المقال ولم ألمس تغييرا ملحوظا في سياق العمليات العسكرية الجارية على الأرض في المحافظات الست المنتفضة بل ربما لاحظت تشديد العدوان على مناطق في محافظة صلاح الدين وفي الفلوجة وهو ما يؤكد مخاوفي بأن الخلف ماض على نهج السلف حذو الخطأ بالخطأ.. بمعنى أن الذي يحكم فعلا هو حزب الدعوة لا غير وهنا تسكب العبرات.. مع ذلك آمل أن تكون مخاوفي في غير محلها، ولا أريد أن استبق الأحداث.
لا أنتظر معجزة، ولا أرى في يده عصا موسى، وأعلم أن المهمة صعبة ومعقدة ولابد أن نصبر والعبادي يبشر العراقيين بنهج جديد.. إذا ما المانع أن يتحرك العبادي ويبني على الخطوة الناجحة المتمثلة في إزاحة نوري المالكي خطوات أخرى حتى لو استدعت قرارات صعبة، ما المانع بسبب خصوصية كل ملف أن نفكك الأزمة إلى ملفات ونعالج كل ملف على حدة أملا في جمع العراقيين لاحقا بعد أن عولجت قضاياهم الخاصة في مؤتمر طاولة مستديرة يجتمع فيها المشارك والمعارض للعملية السياسية لبلورة رؤية مشتركة حول مستقبل بلدهم، شكل الدولة وطريقة إدارة الحكم والعلاقات مع دول الجوار.
ولأن التحدي الأمني هو الأخطر إذا لابد أن يحظى بالأسبقية، وفي هذا الإطار ما المانع أن يطلق حيدر العبادي مبادرة شجاعة يبادر هو فيها أولا بإطلاق رسائل مشجعة تدعو للاطمئنان وزرع الثقة مع العرب السنة ربما يشرع فيها تدريجيا بالاستجابة إلى المطالب المشروعة الأربعة عشر للحراك الشعبي كبادرة حسن نية، بعدها يأمر بإيقاف العدوان العسكري على المحافظات المنتفضة ويسحب القطعات من خطوط التماس، ويدعو لعودة المهجرين، ثم يدعو إلى لقاءات ثنائية مباشرة للحوار مع الفصائل المسلحة والعشائر الثائرة في الميدان (باستثناء تنظيمات الدولة الإسلامية بالطبع)، للاستماع إلى مطالبها والاتفاق معها على أفضل الحلول الممكنة لتطبيع الأوضاع في محافظاتهم تمهيدا لإطلاق حملة الأعمار على عجل.. أنا على ثقة أنه سينجح، والجهود كل الجهود ينبغي أن تنصرف لإيقاف مسلسل اقتتال العراقيين بعضهم مع بعض، غاية نبيلة تستحق أن نكرس لها كل الجهود والطاقات.
هذه الخطوة لاشك سيكون لها إيجابياتها وانعكاساتها الإستراتيجية اللاحقة في تطويق العنف والتعصب وعزله في مناطق العراق المختلفة. وهي خطوة لا مفر منها ومن دونها لا أمل في النجاح .
لاشك أن العبء الذي تواجهه حكومة حيدر العبادي أكبر من أن تتحمله لوحدها، ولهذا من غير الممكن أن يطلب منها إنجاز المستحيل، ولو نجحت فقط في تطبيع الأوضاع أو إيقاف عجلة التدهور وإصلاح جسور الثقة المهدمة لكان إنجازها تاريخيا من شأنه أن يفتح الطريق أمام حل المعضلة العراقية المتشابكة والمعقدة والتي في تصوري لا أمل في تحقيقها غير الطاولة المستديرة يلتقي حولها ممثلو الكيانات الاجتماعية تحت رعاية دولية.
قد يوافق العبادي على هذه الرؤية وقد يستبعدها، وأعلم أن الخيار ليس سهلا إذ هو ليس ببساطة بين مجرد قبول فكرة أو رفضها، بل هو خيار بين السلام والعنف، بين الاستقرار والفوضى. فأيهما يا ترى سيختار؟