الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أما نحن، السوريين، فقد جربناه من قبل

أما نحن، السوريين، فقد جربناه من قبل

14.11.2016
عمر قدور


الحياة
الاحد 13/11/2016
لا مبرر قوياً لدى السوريين للتخوُّف، على نحو خاص، من مجيء دونالد ترامب إلى الحكم، فالقضية السورية ليست ضمن أولوياته، مثلما لم تندرج في أولويات سابقه. هذا لا يعني الانسياق وراء القول الموروث الدارج بأن جميع رؤساء الولايات المتحدة سواء، أو أنهم مجرد واجهة لدولة عميقة لا تحول ولا تزول، أو أنهم جميعاً يبنون سياساتهم في المنطقة وفق المصالح الإسرائيلية... مثلما لا يعني عدم التمييز بين ما أعلنه ترامب وهيلاري كلينتون في ما خص القضية السورية أثناء الحملة الانتخابية، حيث تميزت عنه بوجهة نظر أكثر حزماً إزاء نظام بشار الأسد.
ترامب في الرئاسة، بموجب أقواله أثناء الحملة الانتخابية، معروف ومُجرَّب من السوريين. فهو في جوهر ما قاله لم يبتعد إطلاقاً عن سياسة أوباما إزاء القضية السورية، وانتقاده سياسة الأخير لا يعدو كونه مزايدة لفظية تتعلق فقط بسرعة القضاء على تنظيم "داعش". أما عدم الاكتراث بتنحية بشار، فذلك مشترك بين ترامب وأوباما، بل يظهر الأخير متقدِّماً عليه لجهة الفعالية. فإدارته، كما كشف عديد التسريبات، اتفقت مع موسكو على إبقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، في حال حدوثها، ومن ثم الاحتفاظ له بحق الترشح للرئاسة في الانتخابات التي تليها.
إذاً، لندع جانباً الفوارق العامة بين الرجلين والعهدين. في المسألة السورية جرّب السوريون ترامب بهيئة أوباما، بحيث تتضاءل الفوارق بين رئيس ديموقراطي وآخر هو الأكثر يمينية ضمن الحزب الجمهوري. المبررات التي ساقها أوباما لعدم التدخل ضد نظام بشار لا تختلف من حيث المؤدى عن التي يسوقها ترامب. على سبيل المثال، لا يُعدّ الأسد خطراً مباشراً على الأمن القومي الأميركي، بخلاف "داعش" الذي أعدم رهينة أميركية، ولننسَ موقتاً خطاب ترامب العمومي المعادي للمسلمين، لأنه في عمومه يتعلق بقضية داخلية هي الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولننسَ أيضاً موقفه من اللاجئين السوريين، لأن بلاده لم تستقبل أصلاً سوى عدد ضئيل منهم.
في ما يُحكى عن انسجام محتمل بين ترامب وبوتين، جرّب السوريون تنسيقاً على أعلى المستويات بين إدارة أوباما وموسكو، وجربوا أكثر من ذلك مسلسل التنازلات الأميركية التي قدمها جون كيري لنظيره سيرغي لافروف مع كل جولة من مفاوضاتهما. اللقاءات بين بوتين وأوباما لم تكن تتخللها خلافات ذات شأن حول الملف السوري، على العكس من الملف الأوكراني، مع التنويه بأن تصعيد الغرب في الملف الأخير توقّف على وقع التفاهم الروسي- الأميركي في الميدان السوري.
قيل الكثير عن أرجحية الثنائي بوتين- لافروف على الثنائي أوباما- كيري، بحيث يصعب توقع مجيء وزير أميركي للخارجية على الدرجة ذاتها من الانسجام أو قلة الحيلة إزاء نظيره الروسي، مثلما يصعب توقع أن يقبل ترامب بأكثر مما قبل به أوباما من بقاء بشار فعلياً إلى موعد غير محدّد. ففي المحصلة لن تبلغ الحماسة بترامب أن يدفع بالقوات الأميركية ليفرض تصوراً مشابهاً، ولن يفعل أكثر من سلفه عندما اشترط على منتسبي بعض الفصائل الاقتصار على محاربة "داعش" وعدم محاربة النظام مطلقاً.
أما عن عنصرية ترامب، فلن يختبر السوريون عنصرية أشد من تلك التي سمحت بإبادتهم طوال سنوات من حكم أوباما. بل إن عنصرية الأخير كانت واضحة تفصيلاً، ولو على سبيل تبرير سياساته، عندما سخر من المعارضة بوصفها مجموعة من الفلاحين وأطباء الأسنان! كذلك كان خطاب الإدارة مطلع الثورة، عن حماية الأقليات التي لم تتعرض لأي تهديد جدي، في ما ظهر أنه تسامح إزاء استهداف الأكثرية وفق مفهومها نفسه، ها هنا عنصرية تقيم التمييز بين السوريين ومَنْ يستحق الحياة منهم.
يُشاع أن ترامب سيتصرف كرجل أعمال لا كسياسي، ولكن لم يرَ السوريون أوباما يتصرف بمنطق مغاير، ولم يتحلَّ نهجه إزاء القضية السورية بقليل من الأخلاقية التي يُفترض أن تمتاز بها السياسة عن عالم المقاولات. المثال الساطع على هذه العقلية صفقة "الكيماوي" التي عُقدت ضمن المستويات الأدنى أخلاقياً لمعنى الصفقة، وكان تراجع أوباما عن خطه الأحمر الشهير يشبه أيضاً ما يُحكى عن تقلب ترامب، والأهم أنه تعامل بمنطق الكسب غير المشروع من خلال الصفقة، إذ جرّد الأسد من بعض ترسانته الكيماوية بينما دفع ضحايا سوريون الثمن. وكما هو معلوم تجاهل في ما بعد استخدام غاز الكلور على نطاق واسع ضد مقاتلي المعارضة والمدنيين لأن ترسانة الكلور لا تشكل خطراً على غير السوريين.
أيضاً، تهميش أوروبا إزاء الملف السوري لا يختلف في العمق عما فعله جورج بوش الابن وقت غزو العراق، على رغم التماس الأوروبي مع قضايا المنطقة وموجات اللاجئين إلى دول الاتحاد. وإذا ركّز ترامب في خطاب فوزه على استعادة هيبة أميركا فإن أوباما لم يقصّر في إظهار هيبتها أمام الحلفاء الأوروبيين، أما التفريط الظاهر بها أمام موسكو وطهران فشأن آخر يخدم استراتيجيته في المنطقة، ولندع جانباً الكلام الذي لا سند له في الواقع عن سلبية الإدارة أو سياساتها غير التدخلية، ما دامت نشطت بفعالية ومنعت إسقاط نظام بشار بكل أنواع الضغط.
على الأرجح، لن يضيف ترامب مزيداً من السوء فوق السوء الذي أوقعه أوباما بالقضية السورية، وإذا صدق في انتقاداته للاتفاق النووي مع إيران فربما تترك مواجهته طهران آثاراً أقل سلبية على الملف السوري مما تركه التقارب معها. هو افتراض ضعيف على أية حال، ويرجّح أن يستمر في الخطوط العامة لسياسة أوباما في الملف السوري.
يبقى أكيداً أن ترامب، بموجب الخطاب الذي يقدّمه سيكون أسوأ على الصعيد الدولي، على الأقل لجهة تأثير خطابه في تعزيز التطرف العالمي، الأمر الذي ينبغي أن يعني السوريين بوصفهم جزءاً من العالم. مع الأسف، الشريحة العظمى من السوريين تشعر بأنها مُنعت من أن تكون جزءاً من العالم، ولا تملك ترف التضامن الذي افتقدته وهي تحت رحمة ترامبية أوباما. في المدى المنظور، يعلم السوريون أن الأسوأ آتٍ، لا مع قدوم ترامب وإنما مع ما تبقى من أيام أوباما.