الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أمريكا والأخطاء الجسام في الشرق الأوسط 

أمريكا والأخطاء الجسام في الشرق الأوسط 

13.06.2021
رياض معسعس


القدس العربي 
السبت 12/6/2021 
كالدولة الأعظم في العالم، تعطي أمريكا الانطباع أن سياساتها الخارجية سياسات مدروسة من جميع جوانبها، وهي سياسات استراتيجية، وليست تكتيكية، أو مزاجية حسب كل رئيس يتسلم الإدارة الأمريكية، بل هي سياسة استمرارية النهج للوصول إلى الهدف المطلوب من وراء هذه السياسات التي من المفترض أن يكللها النجاح بشكل عام. والولايات المتحدة ومنذ أن تصدرت العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، كان همها الأول هو الوقوف في وجه الاتحاد السوفييتي والتمدد الشيوعي في العالم، فكان حربها في كوريا، ثم في فيتنام، ودعم ما كانت تسميهم ” المجاهدون ” في أفغانستان في حربهم ضد الاتحاد السوفييتي المحتل. وبالطبع في باقي مناطق المعادية لها في العالم ككوبا وسواها. وقد نجحت في بعض مساعيها في إسقاط الاتحاد السوفييتي، وأخفقت في أخرى كحربها في فييتنام. 
الشرق الأوسط: إيران 
لا شك أن الإدارة الأمريكية ومنذ ولاية جيمي كارتر كان لها عين تراقب عن كثب الوضع في إيران منذ احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين، وإطلاق الخميني بعد ثورته شعار “مرك بر أمريكا، مرك بر اسرائيل” ( الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل)، وأظهرت نواياها الظاهرة باستخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية، والباطنة لصناعة قنبلة نووية والدخول في النادي النووي العالمي. فطبقت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، ثم تم التوقيع على الاتفاق النووي في ولاية باراك أوباما في العام 2015، مقابل رفع العقوبات تدريجيا. لكن واشنطن سرعان ما انسحبت من الاتفاق في فترة دونالد ترامب في العام 2018. 
ومع بداية فترة بايدن الرئاسية أعلن سيد البيت الأبيض الجديد نيته العودة للمفاوضات مع إيران وإحياء الاتفاق النووي. (والأمر نفسه حصل في اتفاق المناخ ). 
وهذا ما يوضح تماما التخبط في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء مشكلات عالمية في غاية الأهمية ومواقف متذبذبة من علاقاتها مع الدول وقراراتها بشأنها. 
الانسحاب من أفغانستان 
عندما قررت واشنطن تحت رئاسة جورج بوش الابن غزو أفغانستان (على غرار ما فعلت موسكو قبلها وخرجت الاتحاد السوفييتي مدحورا) بعد الهجمة الإرهابية للقاعدة في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك، كان القرار هو القضاء على القاعدة، وعلى نظام الطالبان وتسليم البلاد لحكومة ديمقراطية. 
شاركها في مهمتها حلف شمال الأطلسي الذي أرسل أيضا قوات لتقاتل إلى جانب الجيش الأمريكي. لكن خلال عقدين كاملين من التواجد الأمريكي والأطلسي إلى أرض أفغانستان لم تفلح في القضاء على الطالبان، بل اضطرت الولايات المتحدة للجلوس على طاولة مفاوضات الطرف المقابل فيها ليس سوى الممثلين عن طالبان برعاية قطرية. ويأتي قرار الرئيس جو بايدن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وكذلك قوات الأطلسي للتأكيد على أن عملية غزو أفغانستان لم تكن بأفضل من العملية السوفييتية، لأن كل المراقبين المختصين في الشأن الأفغاني يؤكدون أن نظام كابل لن يقوى على صد هجمات طالبان التي ستعود سريعا لحكم البلاد، وتطبيق نظامها على الشعب الأفغاني، وهذا ما سيؤدي بالتأكيد للجوء الملايين من الأفغان إلى دول أخرى.. 
غزو العراق 
جاء قرار غزو العراق في فترة رئاسة بوش الابن والمحافظين الجدد أيضا على خلفية معلومات ملفقة بامتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل تهدد إسرائيل ودول المنطقة، وفي واقع الأمر فإن غزو العراق كان مبيتا من قبل، وكان مارتن انديك سفير واشنطن في إسرائيل والمتحدر من عائلة يهودية بريطانية، قد أطلق ما أسماه “الاحتواء المزدوج” ويقصد به احتواء العراق وإيران، فهما الخطران الحقيقيان على إسرائيل ودول المنطقة، وبالطبع وراء هذه الخطة النفط الذي أوصى الفيلسوف ليو شتراوس ( الأب الروحي للمحافظين الجدد) السيطرة على منابع الطاقة في أوراسيا والتي تشمل العراق وإيران. ولكن بعد إسقاط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان/ أبريل 2003 ماذا حل في العراق بعد أن وعدت واشنطن بأن وجودها سيساعد على بناء الديمقراطية والرفاه للشعب العراقي؟ 
لقد عانى الشعب العراقي ولا يزال من تبعات هذا الغزو، فبوجود الجيش الأمريكي لم تتوقف العمليات الإرهابية، ونشأ تنظيم الدولة وترعرع واحتل ثلث العراق وسوريا معا، وتغلغل فيلق القدس الإيراني في كل مفاصل الدولة، وشكل قوة كبيرة على الأرض، وانتشرت الميليشيات الطائفية، أما الفساد فحقق أرقاما فلكية لا يضاهيها فساد في دول العالم. واليوم تقرر الإدراة الأمريكية الانسحاب من العراق وتتركه في حال أسوأ من حال أفغانستان. 
الخطأ الأكبر في سوريا 
سياسة واشنطن في سوريا تعتبر الخطأ الأكبر في الاستراتيجية الأمريكية لعدة أسباب، فعدم التحرك حسب مقولة الخطوط الحمر للرئيس باراك أوباما عندما ارتكب بشار الأسد مجزرة الغوطة الكيميائية في العام 2013، وتفضيل توقيع الاتفاق النووي مع إيران جعل من هذه الأخيرة أن تتمكن من استكمال القوس الشيعي طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت واقتراب فيلق القدس أكثر من الحدود السورية الإسرائيلية، وهذا ما جعل إسرائيل تشن هجمات شبه يومية على مواقعه في سوريا. 
وقد صرح أكثر من مسؤول إيراني أن طهران باتت تسيطر على خمس دول عربية. وبسبب ترك واشنطن الساحة السورية فارغة جعلت من ناحية استفحال أمر تنظيم الدولة، ثم جاء التدخل الروسي في العام 2015 ليحقق أكبر انتصار له بوصوله إلى المياه الدافئة وبناء قواعد عسكرية وبحرية قادرة على تنفيذ غارات بأسلحة نووية، كما صرح فلاديمير بوتين في رسالة موجهة لواشنطن قبيل لقائه بجو بايدن. هذا بالإضافة لإعطاء الضوء الأخضر للنظام السوري باستمرار هجماته الكيميائية وقتل أكثر من نصف مليون سوري، وتهجير سبعة ملايين آخرين، وتدمير المدن السورية. 
فلسطين المحتلة 
تعتبر فلسطين المحتلة أكثر البلدان العربية تضررا من السياسة الأمريكية منذ إنشاء دولة الاحتلال في العام 1948. 
فدعمها غير المشروط لها على حساب الشعب الفلسطيني خلف ويلات ومجازر ومصادرة أراض، وتمدد حدود الدولة الاستعمارية على كامل التراب الفلسطيني، وتماديها في تدنيس الأماكن المقدسة وجعل الشعب الفلسطيني رهينة الاعتقالات اليومية من قبل جيش الاحتلال، عدا عن جرائم القتل المتعمدة للمدنيين، وطردهم من بيوتهم. 
وكادت القضية الفلسطينية أن تصبح من ذكريات التاريخ المؤلمة عندما قامت إدارة دونالد ترامب بإطلاق صفقة القرن، لتنهي كل مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في بناء دولته وعاصمتها القدس الشريف. وجاءت إدارة بايدن لتضع حدا لهذه الصفقة حسب التوجهات الجديدة، وهذا ما أكده وزير الخارجية أنتوني بلينكن في زيارته الأخير لرام الله. وتصحيح المسار في التأكيد على حل الدولتين. هذه التخبطات في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط أضعفت من ثقة المنطقة بها، وجعلت الدول المناوئة لها تحتل أمكنة ما كانت لتحلم بها لولا الأخطاء التي ارتكبتها إدارات واشنطن المتعاقبة. 

كاتب سوري