الرئيسة \  مشاركات  \  أمرٌ ذو بالٍ أقضَّ مضجع الأسد، و أتى به ليلاً إلى روسيا

أمرٌ ذو بالٍ أقضَّ مضجع الأسد، و أتى به ليلاً إلى روسيا

24.10.2015
د. محمد عادل شوك




أراد الأسد في أكثر من مرة، و لاسيما في 2012م، أن يزور روسيا للتباحث معها في مصير نظامه، فنُصِح من حلفائه الإيرانيين ألاَّ يفعلها؛ تخوفًا من أن تكون رحلته تلك هي الأخيرة، على غرار رحلة جعفر النميري الأخيرة إلى واشنطن، التي جاء على أثرها انقلاب المشير سوار الذهب في : 6/ 4/ 1985م.
و كان يستعيض عنها بإرسال وليد المعلم وزير الخارجية، و هو الأمر الذي تكرر مرارًا إلى روسيا، و عُمان، و آخرها إلى الأمم المتحدة في 28/ 9/ 2015م.
و بالطبع العقوبات الدولية ليست هي العائق في ذلك؛ إذْ يمكن أن يتمّ إعلام أمريكا بالأمر و يسمح له بموجبه، و هو ما كان لوليد المعلم، و ما كان البارحة لبشار نفسه، الذي فاجأ وسائل الإعلام بظهره مع الرئيس بوتين في الكرملين.
إذن ما لذي أتي به في هذا الوقت بالذات، و هو الذي عاد إلى عادة أبيه في المكوث في دمشق، و تفضيلها عن الزيارات المكوكية إلى العالم الخارجي؟
لا شك أن في الأمر ما يدعو إلى ذلك، فليست الزيارة تلبية لدعوة مسبقة على عادة زيارات الملوك و الرؤساء إلى الخارج، و لم تكن في جدول أعماله اليومية، الذي أضحى طلسمًا لا يعرفه حتى مستشاروه، أو نائباه ( نجاح العطار، و فاروق الشرع )، أو رئيس حكومته وائل الحلقي.
لقد أتت هذه الزيارة التي وصفها البعض بزيارة الموت، في لحظة حرجة تمرّ بها الحالة السورية، حافلة بجملة من التطورات، من أبرزها:
1ـ الحملة الجوية المسعورة التي تنفذها روسيا بطلب منه، منذ ثلاثة أسابيع، و التي لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة لحدّ الآن، علمًا أن الوقت المحدد لها من الروس عند بدئها كان شهرًا، فهل ستكفي الأيام القليلة الباقية لإنجاز أهدافها المعلنة في القضاء على الإرهاب المتمثل في داعش ( الذي تقمصه الثوار السوريون !! ).
2ـ بدء وصول التوابيت المحملة بجثامين القتلى الروس إلى ميناء سيافستبول في شبه جزيرة القرم، حيث تشير مصادر أوكرانية إلى وصول ( 23 ) تابوتًا لحدّ الآن، و كان آخرهم الثلاثة الذين قضوا نحبهم في قمة النبي يونس في الساحل.
3ـ تزايد وصول جثث القادة الإيرانيين إلى طهران من سورية، و على رأسهم الجنرال حسين همداني، الذي قتل في جبهة شمال حماة، حيث تشير المصادر إلى بلوغ عددهم ( 114 ) قائدًا، و مستشارًا.
4ـ تتابع وصول الصناديق الصفراء إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، لإلقاء نظرة الوداع عليهم، و من ثمّ توزيعم على مناطق لبنان الأخرى ليواروا الثرى على وقع كلمات حسن نصر لعناصره المتبقية في سورية، بضرورة الثبات في مواقعهم ما أمكن حتى يرى في الأمر رأيًا.
5ـ الصمود الأسطوري الذي أبدته فصائل الثوار في الجبهات جميعها، و لاسيما في شمال حماة حيث وقعت المجزرة المفجعة للدبابات النظامية، المتبوعة بمئات من المليشيات الطائفية المساندة لقوات الأسد، هذا فضلاً على العشرات من المستشارين الروس و الإيرانيين، و قل الأمر ذاته في سهل الغاب الغربي، و جبال الساحل، و ريف حمص الشمالي، و حتى معركة جنوب حلب بدأت نتائج سياسة امتصاص الصدمة من الثوار، ترتد على القوات المهاجمة بشكل غير متوقع، و لم يبق أمام الأسد و الروس إلاّ أن يطلبوا من داعش أن تقوم بحركة تمثيلية تنسحب بها من مطار كويرس، و عدد من قرى شرق حلب؛ ليقوموا بالتقدم بعدها نحوها، فيغطوا بذلك فشل حملتهم التي روجوا لها طويلاً في إعادة شمال حلب و إدلب إلى حاضنة النظام.
6ـ كثرة الحديث عن تورط الروس في المستنقع السوري، و هو الأمر الذي أخذت أصوات في روسيا ذاتها تحذر منه، و أن فصائل الثوار قد أعدت نفسها لحرب استزاف طويلة بدأت ملامحها تظهر تباعًا.
7ـ تصاعد وتيرة التنسيق في مواقف بعض الدول الداعمة للثوار، و لاسيّما عقب الزيارة الخاطفة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى روسيا عقب تدخلها الفاضح في سورية، لتأتي بعدها زيارته إلى تركيا بغية تنسيق الجهود و المواقف بينهما، إضافة إلى قطر، و لتتوالى بعدها التصريحات عن مسؤولي هذه البلدان الثلاثة بإدانة الخطوة الروسية الأخيرة، و اعتبار التدخل الإيراني في سورية احتلالاً لها، و تصريحهم بضرورة إمداد الفصائل السورية بمزيد من السلاح النوعي ، و حتى المحظور منه، و هو الأمر الذي أكّد وصوله عدد منها.
8ـ الحراك السياسي المتصاعد من دول المنطقة، و من أوروبا، و آخرها أمريكا بضرورة إيجاد مسعى للحل في سورية، مستندًا إلى مرجعية ( جنيف 1)، و لا بأس في بقاء الأسد لفترة انتقالية لا تتعدّى  أشهرًا معدودة، يتمّ خلالها تشكيل هيئة حكم انتقالية، يعقبها رحيله إلى حيث منفاه الاختياري.
و قد جاء هذا الحراك متزامًا مع تصريحات روسية رسمية تشي بأنههم لا يمانعون مثل هذا التوجه، طالما أن رحيل الأسد ليس شرطًا أوليًا مسبقاً للبدء بمثل هذه الخطوة، و هو الأمر الذي تقبلته حتى السعودية على لسان الوزير الجبير في مؤتمره الصحفي مع الوزير الألماني قبل يومين، و كذلك الخارجية التركية التي صرح اثنان من دبلومسييها البارحة بقبول هذا الأمر شريطة ألاّ يتعدى بقاؤه ستة أشهر، و بضمانات دولية، و هو الأمر الذي بدأت فصائل المعارضة السورية تبدى مرونة تجاهه.
9ـ و يضاف إلى ذلك أيضًا رصيد الإنجازات الميدانية لقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن؛ الأمر الذي أرغم الحوثيين، و المخلوع صالح على الرضوخ و الامتثال لقرار الأمم المتحدة رقم ( 2216 )، والجلوس إلى طاولة المفاوضات في جنيف تمهيدًا لحل الأزمة.
إذن أمرٌذو بال أتى بالأسد ليلاً إلى روسيا، على أعين الحظر الأممي لسفره، يتعدّى الدعم اللوجستي الروسي لقواته.