الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أميركا "تمحو" الشرق الأوسط؟

أميركا "تمحو" الشرق الأوسط؟

02.06.2013
الياس الديري


النهار
السبت 1/6/2013
في نهاية هذا المطاف الأميركي الاستنزافي الطويل، وبعد مسلسل من التجارب المريرة "المزخرفة" بحروب مذيَّلة جميعها بالفشل، والانقلابات والتغييرات التي زادت الطين بلّة، اقتنعت واشنطن، على ما تقول صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، بأن تدير ظهرها للشرق الأوسط، وتنسحب إلى الأبد من هذا السباق العبثي الذي لم يعد عليها إلا بالخيبات، والخسائر، والندم.
وربما كان لإسرائيل فضلٌ، ودور، وتأثير فعّال، في جعل الإدارة الأميركية تقتنع أخيراً بأنها اضطلعت بدور دون كيشوت طوال هذه السنين، واكتسبت "وساماً" عنوانه "الاميركي البشع"، وساهمت من حيث لا تدري في تركيز الدور الاسرائيلي أوسطيّاً ودوليّاً، ومحت عن هوية اليهودي صفة التائه التي لازمته حتى أمس الذي عبَر.
التأمّل بل التمعّن في الكلام الدقيق، والمدروس بعناية يهوديّة فائقة، والذي اتقنت "هآرتس" تقديمه، لا يخفي ارتياح وربما غبطة إسرائيل ويهود الشرق والغرب لهذا القرار الذي تترتّب عليه نتائج ومتغيرات لا تُحصى:
أولها اعتراف واشنطن وإدارتها وحتى البيت الأبيض بالفشل الساحق، المتواصل، الذي حصدته المغامرات الأميركية على صعيد الشرق الأوسط... بلوغاً للشرق الأقصى، مما يحضّ العاصمة الأميركية على المزيد من الانسحاب والابتعاد، والاكتفاء بالدور السياسي، ووفق معايير واعتبارات ومبادئ لا تمسّ بـ"البرمجة" الجديدة للدور الذي كان كبيراً وعسكرياً ومباشراً. ولا تضطر الدولة العظمى إلى الانخراط مجدداً في أية مغامرة أوسطية أو شرقية، أو حتى أفريقية...
متابعة التوجهات السياسية لواشنطن في فترة ما بعد تجديد ولاية الرئيس أوباما، والنهج الهادئ والمتأني جداً الذي واظبت عليه إدارة أوباما بالنسبة إلى الحرب السورية، توحي بالكثير مما تضمنته افتتاحية الصحيفة الاسرائيلية، ومما بين السطور، ومما سيظهر لاحقاً وفي مناسبات مشتركة تأكيداً لهذه الاستقالة الأميركية المتأخرة، ولهذا الانسحاب الذي ستتقن اسرائيل توظيفه واستغلاله لاحقاً.
سواء بالنسبة إلى المواقف العربيّة منها، كما بالنسبة إلى دورها في المقبل من الأيام والأزمات. عربياً وإقليمياً.
وبحيث تظهر كأنها أصبحت هي الوكيل، والأصيل، والمرجع، وصاحبة القرار... نيابة عن أميركا.
بعد هذا كله، لم يعد يهمّ واشنطن كثيراً "حصول الإيرانيين على السلاح النووي، ولا ذبح السوريين بعضهم بعضاً، ولا تفكّك مصر والعراق وليبيا"، وفق ما ورد في الافتتاحية المليئة بالألغام والسموم والشماتة.
وخصوصاً حين يؤكد كاتب هذه الافتتاحية، التي لا تختلف عن النعي، "أن الأميركيين يريدون إنهاء حروبهم كلّها، وإدارة ظهرهم للشرق الأوسط ومحوه من ذاكرتهم".