الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أميركا لن تتخلّى عن السعودية

أميركا لن تتخلّى عن السعودية

05.01.2014
سركيس نعوم


النهار
السبت 3/4/2014
تطبيع العلاقة بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية، على نحو يحفظ مصالح الدولتين ويقلّص بعضاً من الأخطار على العالم، ليس الهدف الوحيد لرئيس الأولى باراك أوباما، لكنه ربما الهدف الأول. وإيجاد تسوية سلمية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي المزمن يبقى هدفاً رئيسياً له. لكن تحديد موعد تحقيقه لا يزال عصياً عليه، كما على وزير خارجيته جون كيري رغم زيارته "دولتي" الصراع عشر مرات منذ انضمامه الى الادارة الأوبامية. اما الهدف الثاني للرئيس الأميركي فهو ترتيب العلاقة بين بلاده والمملكة العربية السعودية التي بردت منذ بداية الثورة السورية قبل أقل من ثلاث سنوات، ثم بدأت تسلك طريق التوتُّر والاختلاف الواضح والرسمي والمعلَن. وأسباب التردي ثلاثة: أولها من حيث الأهمية، دخول أميركا وإيران الإسلامية مرحلة الحوار والاتفاق المبدئي، واظهارهما معا الاستعداد للانتقال منها الى مرحلة أخرى عنوانها التطبيع ثم التعاون لحل مشكلات اقليمية عدة قد يكون الارهاب الاسلامي الأصولي المتشدّد (السنّي) أكثرها أهمية. وثانيها من حيث الأهمية تعاطي إدارة أوباما مع ثورة الشعب السوري بطريقة فيها الكثير من عدم الاهتمام ومن الإهمال، وسكوتها عن عشرات آلاف الضحايا التي سقطت، وعن الآلاف الأخرى التي سيستمر سقوطها جراء قمع غير انساني من نظام الأسد ولامبالاة غربية، وتحديداً أميركية وفي ظل رعاية، مع حماية روسية وصينية، للنظام المذكور. أما ثالث الأسباب، وهو الأقل أهمية، فهو عدم ممارسة أميركا أوباما الضغوط اللازمة على إسرائيل كي تُقلع عن عرقلة تسوية صراعها المزمن مع الفلسطينيين وتتصرف بمسؤولية بحيث يصبح حلّ الدولتين في متناول اليد.
متى يبدأ الرئيس الأميركي إزالة العقبات من طريق الهدف الثاني، الذي هو إعادة العلاقة مع السعودية الى التحالف المتين الذي تأسّس قبل منتصف القرن الماضي، والذي صمد رغم التحديات الكثيرة التي واجهته والصعوبات؟
المتابعون الأميركيون من واشنطن يقولون أنه ومساعديه باشروا، ومنذ بدء الاختلاف فالبرودة ثم التوتر، العمل لطمأنة المملكة وللتوصل معها الى تفاهم مشترك على الأولويات بعد التناقض الذي سادها. لكن حركة مسؤولين سعوديين كبار أولاً في اتجاه روسيا ثم حركتهم في اتجاه أوروبا، وتحديداً فرنسا، كوّنتا انطباعاً أن الغضب السعودي لم يهدأ بعد رغم الاشارات الأميركية المُطمئنة. ويقول هؤلاء أيضاً إن البرودة أو التوتر سيستمران في علاقة واشنطن – الرياض إلى أن تتوصلا الى تفاهم، وهو الأرجح، أو الى يأسٍ من التوصل اليه. علماً أن ذلك لا يعني أبداً وصول الدولتين الأعظم دولياً والكبرى عربياً الى "الطلاق" أو القطيعة. ثم يشرحون الموقف الأميركي من السعودية في العهود الرئاسية كلها، فيؤكدون أن أميركا لن تتخلى عن هذه الدولة رغم كل الخلاف والعتب والزعل والحَرَد والغضب. ولا يعود ذلك الى أسباب "عاطفية"، أو إليها فقط، بل يعود الى أسباب مصلحية. فأميركا، على ما يقول كثيرون، لم تعد تهتم كثيراً بالشرق الأوسط، وانها توجّهت باهتمامها الى الشرق الأقصى (الصين واليابان والفيليبين...)، وهو قول صحيح جزئياً فقط لأن التوجه الى المنطقة المذكورة لا يعني أبداً التخلي عن الشرق الأوسط والخليج ومصالحها فيه. فهي، وعلى رغم أن إنتاجها النفطي النووي سيتساوى قريباً مع الانتاج السعودي، مع ما يعنيه ذلك من عدم اعتماد على نفط الخارج، تريد أن تُبقي نفوذها على نفط الشرق الأوسط كي تستطيع بواسطة حلفائها في المنطقة التحكم فيه. ذلك أن الصين في الدرجة الأولى، وهي المنافس المستقبلي لأميركا على زعامة العالم، تستورد معظمه، وهي تحتاج الى السعودية لمحاربة الارهاب. الا أن ما يزعج إدارة أوباما اليوم أو بالأحرى يقلقها هو الداخل السعودي وتحديداً على مستوى الحكم والسلطة. إذ هناك خطان سياسيان رئيسيان. واحد متشدّد يقوده وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل وينفِّذه الأمير بندر بن سلطان. وآخر أكثر اعتدالاً يمثله الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية. والتشدد والاعتدال هنا يتعلقان بالموضوعين الايراني والسوري. وقد عبّر كيري عن انزعاجه بحصر اتصاله بالخط الأول في ديبلوماسيين، في حين أن العلاقة مع الخط الآخر طبيعية.
واختلاف الخطين هذا لن ينتهي الا عندما تدهم "الخلافة" على رأس الهرم السعودي الجميع. ويتمنى الأميركيون عند الوصول الى هذه المرحلة أن يسود التعقل وتسيطر الحكمة.
 
sarkis.naoum@annahar.com.lb