الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أميركا وإيران وبداية الحوار الصعب!

أميركا وإيران وبداية الحوار الصعب!

28.09.2013
سركيس نعوم


النهار
الخميس 26/9/2013
حمّلت أوساط أميركية سياسية وبحثية عدة، الجمهورية الاسلامية الايرانية مسؤولية استمرار الصراع بينها وبين الولايات المتحدة على الأقل منذ انتخاب باراك أوباما رئيساً. ذلك أنه مدّ لها يد الحوار للبحث في حل المشكلات كلها بينهما، التي بدأت منذ احتلال ثوار اسلاميين مبنى السفارة الأميركية في طهران واحتجاز ديبلوماسييها، ثم التي تطوّرت بعد ذلك بفعل سياسة تصدير الثورة الاسلامية الايرانية الى العالمين العربي والاسلامي، ثم بفعل الحرب العراقية – الايرانية التي وقفت فيها أميركا مع الراحل صدام حسين على رغم مسؤوليته عن نشوبها، وبفعل الملف النووي الذي "فتحته" ايران قبل سنوات، وأخيراً يوم بدأت تنفِّذ عملية اختراق العالم العربي قبل ربيعه وخلاله وذلك بتأسيس محور يبدأ منها ويمر في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، فتقبض بواسطته على القرار العربي. لكن ايران هذه لم تلتقط اليد الممدودة لأوباما، واستمرت في عدم الثقة بالأميركيين وفي الرغبة في الحصول على تنازلات منهم قبل أي حوار، وفي السعي الى تحقيق انتصارات في شرق المتوسط والخليج تجعلها قادرة على فرض شروطها على أميركا أو على الاستغناء عنها. لكن المبرر الأساسي للسلبية المذكورة حيال الحواري أوباما كان في رأي الأوساط المذكورة أعلاها حرص ايران على تحقيق انجاز نووي يحصِّنها ضد أي ضربة أميركية ويجعلها زعيمة المنطقة ويدفع أميركا الى الاعتراف بها أمراً واقعاً.
طبعاً واجهت أميركا، أوباما، الرفض الايراني، بفرض عقوبات على الجمهورية الاسلامية كان تأثيرها كبيراً جداً على مواطنيها وعلى برامجها الاقتصادية والاجتماعية والنووية، فضلاً عن أثرها السلبي على قطاع النفط، اذ خفَّض انتاجها منه الى النصف. لكن ذلك لم يدفع قادة "الجمهورية" المذكورة الى اعادة النظر في سلبيتهم حيال اليد الأميركية الممدودة، أو في سياستهم الإقليمية المعادية لغالبية دول المنطقة. ومن أسباب ذلك استمرار مواردها المالية من النفط، وثرواتها الطبيعية التي تستطيع بها تأمين الحد الأدنى من حاجات شعبها، ونظامها الذي يؤمن به كثيرون من هذا الشعب، والذي لا يفسح في المجال أمام "الاحتجاجات" الخطيرة للذين لا يؤمنون به، أو للذين يريدون إشباع حاجات عائلاتهم على رغم ايمانهم به.
هل غيّرت ايران موقفها السلبي من التحاور مع أميركا أخيراً؟
يبدو أن تغييراً ما قد بدأ يتحقق. فالولي الفقيه علي خامنئي لم يكن مضطراً الى استقبال جيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة أثناء زيارته الأخيرة لطهران. لكنه فعل، واعتبر ذلك اشارة ايجابية. ومبادرة الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني الى استعمال لغة ولهجة مختلفتين حيال أميركا والعالم كله فيهما الكثير من الاستعداد للحوار ولحل مشكلات بلاده معهما من دون أي تفريط بحقوقها ومصالحها الحيوية والاستراتيجية، كانت اشارة ايجابية ثانية. ومبادرة الولي الفقيه نفسه الى التحدث مباشرة عن أهمية "المرونة البطولية" ودورها في أي حوار مع أميركا وغيرها، والى الثناء على دعوة روحاني "الحرس الثوري" الى عدم تعاطي السياسة، كانت اشارة ايجابية ثالثة. وما جرى في الأمم المتحدة أمس وما قد يجري فيها أثناء انعقاد جمعيتها العمومية كان وقد يكون اشارة ايجابية رابعة.
ما هي أسباب التغيير الايراني "الجنيني" حتى الآن؟
هي ادراك قادة الجمهورية الاسلامية أن تجاهل أخطار الاقتتال المذهبي (الاسلامي) في سوريا وترجيح شموله العالم الاسلامي كله، والوقوع في ما يسمى غرور القوة، والاقتناع غير المبرر بأن أميركا نمر من ورق يمكن التغلب عليه، والاستمرار في التشكيك في نيات أوباما، ادراكهم أن ذلك لن يكون في مصلحتها على المدى المتوسط ثم البعيد. وهي أيضاً اقتناعها بأنها حققت ربحاً من المواجهة مع أميركا والعرب في سوريا، وهي الغاء الضربة العسكرية للأسد. وذلك يعني على نحو غير مباشر أن ضرب ايران لن يحصل وخصوصاً اذا لم توفِّر هي له المبررات، وأن ملفها النووي يمكن حله بالحوار مثلما حُل ملف السلاح الكيميائي السوري.
في اختصار، لا تعرف الأوساط الأميركية اياها اذا كانت ايران لا تزال تناور. وتُقلِقها تصريحات قادة "الحرس" والعسكر فيها التي لا تزال متشددة، ذلك أنها لا تعرف اذا كانت تعكس خلافاً داخلياً فعلياً أو اذا كانت مناورة هدفها تعزيز موقف المفاوض الايراني مع أميركا، ولذلك لا بد من انتظار التطورات للحكم.