الرئيسة \  تقارير  \  أميركا والانخراط العسكري في أوكرانيا!

أميركا والانخراط العسكري في أوكرانيا!

23.03.2022
توم كولينا


الشرق الاوسط
الثلاثاء 22/3/2022
في خطابه المؤثر أمام الكونغرس الأربعاء الماضي، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من الولايات المتحدة مزيداً من المساعدة في الوقت الذي تدافع فيه بلاده عن نفسها ضد الاجتياح الروسي. وقال زيلينسكي ببساطة مستشهداً بالهجمات على “بيرل هاربور” ومركز التجارة العالمي: “إنني أدعوكم لبذل مزيد من الجهد”.
بالنظر إلى المخاطر المحدقة، ينبغي على الولايات المتحدة فعل المزيد لإنهاء الحرب والمساعدة في تخفيف المعاناة الإنسانية بأوكرانيا. فقد كنا بالفعل نوفر أسلحة للأوكرانيين للدفاع عن أنفسهم، مثل صواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات وصواريخ “جافلين” المضادة للدبابات، علاوة على إخضاع روسيا لعقوبات اقتصادية ضخمة. وبعد وقت قصير من خطاب زيلينسكي، أعلن الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة سترسل 800 مليون دولار إضافية مساعدة عسكرية إلى أوكرانيا في إطار حزمة دعم بقيمة 14 مليار دولار كان قد وافق عليها الرئيس بالفعل.
لكن هناك حداً للمدى الذي يجب علينا السير فيه. فحتى في الوقت الذي تتوجه فيه قلوبنا إلى الشعب الأوكراني، فإن إدارة بايدن محقة في مقاومة الدعوات لتعميق المشاركة العسكرية الأميركية في أوكرانيا، لأن عواقب المواجهة المباشرة بين حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا قد تكون وخيمة بشكل لا يمكن تصوره. إذا أذعن بايدن للضغط العام، على سبيل المثال، وحاول إنشاء منطقة حظر طيران في أوكرانيا، فيمكننا السير على طريق الحرب النووية. وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأسبوع الجاري، فـ”إن احتمال نشوب صراع نووي قد عاد الآن إلى عالم الاحتمالات، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره في يوم من الأيام”.
وكنتاج للحرب الباردة، يدرك بايدن جيداً أن الصراع المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن يتصاعد إلى حرب نووية. ربما يكون الاتحاد السوفياتي قد اختفى قبل 30 عاماً، لكن أسلحته النووية لم تختفِ، ولا أسلحتنا أيضاً. فإذا تم استخدامها، فستكون العواقب مروعة - الموت الفوري للأشخاص في منطقة الانفجار المباشر يليه تدمير البيئة، والمجاعة المحتملة ومزيد من الموت مع انتشار الإشعاع. قد يعني ذلك نهاية الحضارة كما نعرفها.
تدرك إدارة بايدن المخاطر جيداً، إذ صرح في 11 مارس (آذار) بقوله: “لن نخوض حرباً ضد روسيا في أوكرانيا. فالصراع المباشر بين (ناتو) وروسيا سيكون حرباً عالمية ثالثة، وهو أمر يجب أن نسعى جاهدين لمنعه”. لقد استبعدت الإدارة حق إرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا في الوقت الحالي، وأرسلتها بدلاً من ذلك إلى دول “ناتو”، التي تعهدت الإدارة بالدفاع عنها. وقد رفض بايدن التفكير في أي شيء قد يثير صراعاً مباشراً مع روسيا، ليس فقط رفض منطقة حظر طيران، ولكنه أيضاً رفض عرضاً بولندياً لتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من الحقبة السوفياتية من طراز “ميغ”.
لكن مع زيادة الخسائر الإنسانية في أوكرانيا، سيزداد أيضاً الضغط لبذل مزيد من الجهد. بالنسبة للكثيرين هنا في الولايات المتحدة، سيكون من المحبط للغاية أن خطر الحرب النووية يحد مما نقوم به. فقد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن “أي شخص يحاول التدخل معنا” سيعاني من “عواقب لم يواجهها من قبل في تاريخه”. في الواقع، هو يستخدم ترسانته النووية سلاحاً لاحتجاز أوكرانيا رهينة وإبعاد الدول الأخرى. فهل هو يخادع؟ احتمال. لكن بالنظر إلى العواقب المحتملة، لا يمكننا تحمل أن نكون مخطئين.
ماذا عسانا أن نفعل؟ أولاً، يجب أن نواصل المسار وننهي هذه الحرب. تهدف العقوبات التي جرى فرضها بالفعل على روسيا والأسلحة التي يرسلها البنتاغون إلى أوكرانيا إلى رفع تكلفة الصراع على بوتين حتى يرى في النهاية حكمة التسوية السياسية. يجب أن يستمر هذا الجهد بينما يستمر البيت الأبيض في تجنب الصراع المباشر بين “ناتو” والقوات الروسية. فكلما طال أمد الحرب، زادت آلامها لكلا الجانبين. فعلى الرغم من صعوبة مشاهدة أوكرانيا تعاني، فإن تصعيد الحرب قد يجعلها أسوأ بكثير.
بعد ذلك، يجب علينا تغيير موقفنا تجاه الأسلحة النووية، وإدراك أن طرق التفكير القديمة ليست قديمة فحسب، بل خطيرة أيضاً. فالترسانة النووية الأميركية لا تفعل شيئاً لنا في هذا الصراع، هي لم تبقِ بوتين خارج أوكرانيا. ولأنه على استعداد لاستخدام تهديد الحرب النووية لردع التدخل في أوكرانيا، فإن وجود الأسلحة النووية، إن وجد، قد ساعد في تمكينه. إنه الوحيد الذي يشير إلى الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية غطاء لمعاملة الدول الأضعف بوحشية. يجب أن نستمر في وصم الأسلحة النووية بالعار والحد منها لتقليل فرص قيام روسيا بذلك مرة أخرى.
يمكن لإدارة بايدن المساعدة من خلال تغيير سياساتها النووية وفقاً لذلك، حيث يهدد بوتين باستخدام الأسلحة النووية أولاً في هذا الصراع. يجب على إدارة بايدن استبعاد الاستخدام الأول والسعي لبناء إجماع دولي حول فكرة أن الغرض الوحيد للأسلحة النووية هو ردع استخدامها من قبل الآخرين، وهو الموقف الذي أيده بايدن لسنوات. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ الآن في حشد الدعم الدولي للتخفيض العميق للأسلحة النووية وإزالتها في نهاية المطاف حتى لا يمكن استخدامها من قبل الأقوياء للتمكين من ارتكاب فظائعهم.
يتعين علينا جميعاً إنهاء هذه الحرب العبثية وحماية أوكرانيا وتجنب الكارثة النووية. فالجزء الصعب هو تحقيق التوازن الصحيح، ولتقليل النفوذ الروسي في المستقبل، يجب أن نواجه حقيقة أن الأسلحة النووية أكثر فائدة للرئيس بوتين مما هي عليه بالنسبة للغرب. القنبلة سلاح مرعب وبسيط وسهل الاستخدام، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لإبقائه تحت السيطرة.
* مدير السياسات في صندوق Plowshares
ومؤلف كتاب “الزر: سباق التسلح النووي الجديد والسلطة الرئاسية من ترومان إلى ترمب”،
بالاشتراك مع وزير الدفاع السابق ويليام بيري
* خدمة “نيويورك تايمز”