الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أميركا وحلفاؤها في شرق أوسط جديد!

أميركا وحلفاؤها في شرق أوسط جديد!

29.10.2013
د. عبدالله خليفة الشايجي


الاتحاد
الاثنين 28/10/2013
واضح أن النظام الذي ساد في منطقة الشرق الأوسط لعقود يتغير الآن بشكل غير مسبوق ويؤسس لنظام إقليمي جديد مغاير كلياً لما شهدناه من قبل. ودول المشرق العربي تعاني من إنهاك وتراجع في قدراتها وإمكانياتها وأدوارها، كما تراجع واختفى أيضاً محورا الاعتدال والممانعة مع ثورات «الربيع العربي» التي غيرت كثيراً من المعطيات مع اختفاء محور السعودية- مصر- سوريا. كما تغيرت أهداف وأولويات ونظرة الولايات المتحدة للمنطقة بعد بوش وحروبه الاستباقية والعبثية وعقد الدم والمال الأميركي الذي قاد لإنهاك واشنطن ودفعها لأن تتغير أولوياتها وأهدافها ويتواضع طموحها.. بعدما تصاعدت خسائر وفاتورة الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق والحرب على الإرهاب. وقد تراجعت هيبة ومكانة أميركا في عيون خصومها وبدأ الشك يتسرب إلى حلفاء واشنطن، كما أوضحنا من قبل في العديد من المقالات هنا في «الاتحاد» خلال الأشهر القليلة الماضية. وقد رأينا ذلك التراجع ومحدودية الدور الأميركي باختيار واشنطن القيادة من الخلف في حرب إسقاط نظام القذافي في ليبيا عام 2011 وفي الانسحاب العسكري من العراق في نهاية عام 2011 وفي الاستدارة والتراجع عن توجيه ضربة عسكرية في سوريا كما كان الجميع يتوقع حتى الأسد نفسه ونظامه، وكذلك حلفاء واشنطن... وطبعاً زاد تفاقم التراجع ببروز الأزمة والمعارك الداخلية مع الجمهوريين في الكونجرس وإغلاق الحكومة الأميركية لستة عشر يوماً وما أثاره كل ذلك وما تركه في أذهان وعقول حلفاء واشنطن من قلق وتساؤل، وفي عيون خصومها من انشراح وسعادة.
واضح أن أميركا اليوم لا ترغب بل غير قادرة على تحقيق التغييرات كما كانت تفعل على الدوام. ويبدو ذلك جلياً في عجز واشنطن عن تحقيق الاختراق في عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل على رغم الزيارات أو الاجتماعات الشهرية في الشرق الأوسط وواشنطن وأوروبا بين كيري والمسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويبدو العجز والتردد أو كما يصفه البعض بالتخبط والضعف في سوريا خاصة، وكذلك في الاختلاف مع حلفاء واشنطن في مجلس التعاون الخليجي.
وقد تمحور النظام الإقليمي القديم حول إقصاء إيران التي تقود ما يُطلق عليه «محور الممانعة» الذي يشملها مع سوريا و«حزب الله» وحلفائهم. وحليف إيران الاستراتيجي السوري أُنهك وأضعف، و«حزب الله» فقد الكثير من الهالة التي ادعاها كقوة مقاومة وقفت وقاتلت ضد إسرائيل قبل انفجار الحرب الطائفية والمذهبية التي تهدد بإشعال المنطقة اليوم بين السنة والشيعة من المتوسط إلى الخليج. وفي الشرق الأوسط القديم ظلت إيران هي قائدة محور الممانعة، وتقاتل مع حليفها الاستراتيجي في سوريا، وتتفاوض مع الغرب، وتهدد وتتدخل في شؤون الجيران ودول عربية أخرى... وفي الشرق الأوسط القديم أيضاً كانت أميركا واثقة من نفسها ومتحالفة مع محور الاعتدال من مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي. وكان صدّام على رغم ديكتاتوريته وجرائمه وقراراته الكارثية وحروبه العبثية، إلا أنه كان يوازن إيران ويفرض توازن رعب صعباً على نظام الملالي في طهران، ما كان يشغلها بترتيبات للرد واحتواء لاستراتيجية صدام.
وفي الشرق الأوسط القديم دخل كذلك حلفاء واشنطن وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي في تحالف استراتيجي بوجود عسكري ومواقف والتزامات أميركية مطمئنة.
ولكن ذلك النظام الإقليمي القديم تعرض مع مرور الوقت لضربات متلاحقة قادت لتفككه وتغيره. وقد تغيرت أهداف وأولويات الولايات المتحدة، وتراجع حضوها ودورها بسبب طغيان الشأن الأميركي الداخلي ومتطلباته والأزمة المالية العالمية والالتفات الأميركي شرقاً. والأغرب تزايد المواقف التي عبر عنها كثير من النواب أثناء النقاش حول تفويض أوباما توجيه ضربة عسكرية لسوريا وطغيان النفس الانعزالي والانسحاب من لعب دور في الأزمات الدولية الذي عبر عنه كثير من النواب الذين رفضوا تفويض أوباما توجيه ضربة عسكرية لسوريا. وفي الشرق الأوسط الجديد لم تعد هناك ثقة وارتياح من التزامات ومواقف أميركا وبدأت الخلافات تظهر إلى العلن وآخرها وأهمها الخلافات العلنية مع الرياض ومواقف السعودية الغاضبة التي سنتناولها في مقالة قادمة.
والراهن في الشرق الأوسط الجديد أن حلفاء أميركا فيما كان يعرف بمحور الاعتدال قلقون وقد تراجعت ثقتهم في حليفهم الأميركي. وفي ذات الوقت تصدع أيضاً محور الممانعة والمقاومة بعد تعرض سوريا لضربات موجعة، وحصار إيران واندفاعها إلى غزل مع الخصم الأميركي. وإيران القوة الضاربة لحلف الممانعة في وضع صعب ومعقد، وفي صراع مع النفس ومع العقيدة والإيديولوجية، بقبولها الانخراط في التفاوض والجلوس مع «الشيطان الأكبر» بضوء أخضر من المرشد الأعلى للثورة بعد أن أعطى إشارة إلى ذلك عبر حديثه للمرة الأولى منذ المواجهة الضارية والعقوبات المدمرة وخاصة على القطاعين الأهم في إيران -النفط والاقتصاد- عن «التضحيات» و«المرونة البطولية»، ممهداً الطريق نحو الغزل الإيراني الذي قد يقود لاختراق تاريخي غير واضح المعالم. ولكن يرتكز بالدرجة الأولى على وقف برنامج إيران النووي الذي يثير مخاوف إسرائيل والغرب وكذلك مخاوف الجيران في دول مجلس التعاون الخليجي الذين طالبوا ويطالبون طهران على الدوام بالالتزام بالشفافية وكشف أهداف المشروع النووي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإبعاد شبح الحرب والمواجهة وتحويل منطقة الشرق الأوسط -بما فيها إسرائيل- إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ولكن يبقى التحدي الأكبر في تحقيق الاختراق هو كيف يمكن لإيران التخلي عن الركيزة الأساسية التي تضخ الأكسجين في روح الثورة ونظام الملالي الذي يقوم على العداء الإيديولوجي والتاريخي ضد «الشيطان الأكبر». ولكن هذا التقارب الأميركي-الإيراني قد لا يحقق الاختراق الذي يأمله كلا الطرفين لسبب بسيط هو عدم ثقة كل منهما في نوايا وأهداف الطرف الآخر، وكذلك حال المفاوضات بين ما يُعرف بمجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في الأمم المتحدة وألمانيا مقابل إيران، وخاصة إذا كانت نوايا طهران هي: التفاوض والحوار إلى ما لانهاية والاستمرار في تخصيب اليورانيوم دون الاستجابة لطلبات أو التقاط تحذيرات وعصا وجزر القوى الكبرى. أو أيضاً إذا ما عقد وصعّب الغرب وخاصة الولايات المتحدة سقف المطلوب من وقف تخصيب اليورانيوم إلى تفكيك البرنامج النووي بكل مكوناته، ووقف أدوات التخصيب وشحن اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة إلى الخارج.. وهذا ما قد يطلبه ويصر عليه الغرب قبل أن توافق الولايات المتحدة على تخفيض العقوبات والسماح لإيران بالعودة التدريجية إلى المجتمع الدولي.
أخيراً وفي المجمل، واضح أن أميركا وحلفاءها باتوا في شرق أوسط جديد ومختلف. وهذا سيؤسس لمرحلة جديدة لابد أن تدفع الحلفاء للتفكير ملياً في خيارات خارج الإطار التقليدي للعلاقات بين الطرفين. وسيقود هذا لتحفيز حلفاء أميركا في دول الخليج خاصة على تقليص الاعتماد على واشنطن المنكفئة والمتراجعة والمنشغلة بأزمات وأولويات الداخل.