الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أنطونيو جوتيريس..الخلفية الاشتراكية وأجندة اللاجئين

أنطونيو جوتيريس..الخلفية الاشتراكية وأجندة اللاجئين

11.10.2016
طه حسيب


الاتحاد
الاثنين 10/10/2016
رغم حالة الاستقطاب الواضحة بين الولايات المتحدة وروسيا على خلفية قضايا عدة، رشحت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء الماضي رسميا وبالإجماع، رئيس وزراء البرتغال السابق أنطونيو جوتيريس أمينا عاماً للأمم المتحدة، خلفاً للكوري الجنوبي بان كي مون الذي تنتهي ولايته الثانية على رأس المنظمة الدولية بنهاية العام الجاري. ومن المتوقع خلال الأيام المقبلة أن تقر الجمعية العامة للأمم المتحدة ترشيحه، ليتسنى له ممارسة مهام عمله مطلع العام المقبل. اللافت أن ترشيحه تم بعد أن أجرى أعضاء مجلس الأمن 6 اقتراعات سرية لاختيار من سيأتي خلفاً لـ"مون"، وفي كل مرة لم تصوت أي دولة من الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس ضده، فهل ثمة قناعة بجدارته للمنصب، أم أن المرحلة المقبلة من العمل الأممي تتطلب رجلاً بمواصفات جوتيريس.
الأمين العام الجديد الذي سيتولى منصبه رسميا مطلع 2017 من مواليد 30 أبريل عام 1949 في العاصمة البرتغالية لشبونة، وعندما كان في المرحلة الثانوية فاز في عام 1965 بجائزة أفضل طالب في البرتغال. جوتيريس درس الهندسة والفيزياء في المعهد العالي للتقنية، والتحق بسلك التدريس الجامعي عقب تخرجه من الجامعة عام 1971، حيث عمل أستاذاً مساعداً في مادة نظرية الأنظمة والاتصالات، وفي المرحلة التي تلت ما يعرف بـ"ثورة القرنفل" في البرتغال التي اندلعت في 25 أبريل عام 1974 ترك جوتيريس مهنته الأكاديمية ليلتحق بالحزب "الاشتراكي"، وانهمك في فرع الحزب بالعاصمة، ومذاك أصبح سياسياً متفرغاً للعمل الحزبي. ونظراً لنشاطه الحزبي، شغل مناصب قيادية منها: مدير مكتب وزير الصناعة خلال عامي 1974و1975 كما شغل مقعداً برلمانياً مثّل فيه مدينة "كاستيلو برانكو" البرتغالية وذلك خلال الفترة من 1976 إلى 1995 وخلال تلك المدة ترأس لجاناً برلمانية عديدة، وكان رئيساً للكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي. وشغل منصب زعيم المعارضة كونه أميناً عاماً للحزب الاشتراكي عام 1992، وفي العام ذاته شغل منصب نائب رئيس(منظمة الاشتراكية الدولية) التي تجمع طيفاً عالمياً من الأحزاب الاشتراكية تنتمي إلى 160 دولة تقريباً.
وعندما فاز الحزب الاشتراكي في الانتابات البرلمانية في البرتغال 1995، تم اختياره رئيساً للوزراء وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 2002. وخلال فترة حكمه انتعش الاقتصاد البرتغالي وأسس لحوار بين الحكومة وكافة أطياف الشعب، ونجح في خفض عجز الميزانية وزيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية، وتمكن من تنظيم معرض "إكسبو لشبونة" عام 1998 الذي عزز حضور بلاده على الصعيد العالمي. وعلى الرغم من أنه قد أعيد انتخابه لتشكيل حكومة جديدة لفترة أخرى، فإنه لم يحقق خلالها نجاحاته الأولى، فقذ طغت الخلافات في صفوف حزبه وتباطأ النمو الاقتصادي ما ألحق الضرر بشعبيته.
الأمين العام الجديد للأمم المتحدة شغل منصب رئيس "المجلس الأوروبي" وذلك لمدة سبعة شهور من يناير وحتى يوليو من عام 2000، واستقال من منصبه كرئيس للحكومة البرتغالية عام 2001 بعدما مُني الحزب الاشتراكي بخسارة فادحة في الانتخابات المحلية.
وتجدر الإشارة إلى أن "جوتيريس" عضو في ما يُعرف بـ(نادي مدريد) الذي يعد منظمة مستقلة غير ربحية تضم كوكبة من الرؤساء ورؤساء الوزراء السابقين من 57 دولة، والمنظمة معنية بتعزيز المؤسسات الديمقراطيات ودعم العمل القيادي.
جوتيريس يتحدث الإنجليزية والفرنسية والإسبانية بطلاقة إلى جانب لغته الأم "البرتغالية"، ركّز جل اهتمامه على الدبلوماسية الدولية، حيث أصبح منذ عام 2005 مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واستمر في هذا المنصب حتى ديسمبر 2015. ومن الواضح أن جوتيريس نجح في ترؤسه مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، فاستطاع تقليص عدد العاملين في مقر المفوضية بجنيف، وفي الوقت نفسه ازداد عدد موظفي الأمم المتحدة العاملين في مناطق الصراع والبقاع الساخنة المكتظة باللاجئين والنازحين، الآن يوجد أكثر من 10 آلاف موظف دولي يعمل في 126 دولة من أجل تقديم المساعدة لما يزيد على 60 مليون لاجئ ومشرد، وشهدت فترة رئاسته للمفوضية إصلاحات هيكيلة تضمنت تخفيض المصروفات الإدارية وزيادة قدرة المفوضية على الاستجابة للأزمات، خاصة الأزمة السورية التي تعد الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. جوتيريس غادر منصبه في المفوضية الأممية لغوث اللاجئين، ليتقلد أرفع منصب أممي لكن في فترة عصيبة، تعج بالصراعات الدولية وتنامي الإرهاب واستفحال الحرب السورية وما تلاها من أزمة لاجئين، في وقت تزداد فيه الفجوة بين روسيا والغرب. ما يبعث الطمأنينة جراء اختيار جوتيريس أن لديه خبرة تناهز الـ 11 عاماً في غوث اللاجئين، ما يجعله على تماس مباشر بمعاناة 60 مليون لاجئ حول العالم. وتصريحاته المتعلقة باللاجئين السوريين تعكس درايته الواسعة بحجم المأساة فهو يرى أن الأزمة تجاوزت كل القدرات، حيث ازداد على إثرها عدد سكان الأردن ولبنان بوتيرة كان من المفترض بلوغها في عقود وليس سنوات بسيطة. وبسبب اللاجئين السوريين، أصبحت تركيا- على حد قول جوتيريس - أكبر بلد يستضيف اللاجئين في العالم. والحرب السورية من وجهة نظرة "خلقت أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ، وتشكل تهديداً مخيفاً للأمن والسلام إقليمياً ودولياً". الأمين العام الجديد، بخلفيته الاشتراكية، يدرك أيضاً أن الفقر وعدم المساواة وانتهاك حقوق الإنسان وتدمير البيئة أسباب تؤجج النزاعات وتتشابك على نحو متزايد. والسؤال الآن، هل نتوقع أن تتصدر أزمة اللاجئين - أو بالأحرى الحرب السورية وتداعياتها- أجندة جوتيريس؟ الرجل يعلم جيداً أن تدفقات اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة والتي بلغ عددها 3.8 مليون لاجئ تهدد بتشكيل "جيل ضائع". وقد تكون سمات الأمين العام الجديد، التي أشار إليه "بان كي مون" والمتمثلة في المثابرة والعمل على مدار الساعة والمعرفة الواسعة بالشؤون العالمية والذكاء المتوقد تبث الأمل في قيادة جديدة فاعلة للمنظمة الدولية التي لطالما استاء من أدائها كثيرون، واعتبروا أن مواقف أمانتها العامة لا تتجاوز حدود التصريحات المعبرة عن "القلق" و"الاستياء" والإدانة. وإذا كان بان كي مون قد اعتبر أن اتفاقية باريس للتغير المناخي هي الإنجاز الأبرز لمسيرته الأممية، فإن خبرة جوتيريس الأممية وفي مضمار غوث اللاجئين تجعل التحليل يتجه نحو إمكانية تحقيقه اختراقا في مأساة اللاجئين على الصعيد العالمي، أو على الأقل في الحرب السورية التي تعد الرافد الأول لطوفان اللاجئين سواء المتدفقين إلى بلدان الشرق الأوسط أو إلى سواحل القارة العجوز.