الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أنقرة: قراءة تبسيطية في مشهد سوريا المعقد

أنقرة: قراءة تبسيطية في مشهد سوريا المعقد

22.09.2019
حليم العربي


نداء سوريا
السبت 21/9/2019
يبدو أن أشق المهام لدى الباحث تكمن في تفنيد الأحداث السياسية، وتتجلى في تبسيط المشهد السياسي المعقد أمام المتابعين البسطاء والعوام -قليلي القراءة- المنغمسين في مجريات الأحداث اليومية، وحاجتهم لتلك التحليلات كونها مرتبطة بمصيرهم ويبنون عليها أحكامهم وتتعلق بمصالحهم تعلقاً وثيقاً؛ ما يجعلهم يتلقفون أيّ خبر أو إشاعة ويبنون عليها أحلامهم أو مخاوفهم، فلا بد من اختيار الألفاظ المناسبة المعبرة عن الحدث، والتفريق بين المعلومات ذات المصدر والتحليلات، مع بيان نوع المعلومات وصحتها وفق المصدر المطلع على جوهر المفاوضات أو المحادثات.
تختلف المسألة السورية عن أخواتها من ثورات الربيع العربي، وكثيراً ما يختلط المشهد على المتابعين والدارسين والمحللين والعاملين في الشأن العام لكثرة التداخلات، وتعقد مصالح الدول الإقليمية المتحكمة أو القادرة على تغيير المسارات، إضافةً للتلون الطائفي والاجتماعي الموزع على خريطة سوريا الجغرافية الضيقة.
انتهت القمة "الروسية - التركية - الإيرانية" في أنقرة دون أن يستخلص المتابع أيّ نتيجة، بل يستخلص من استمع لبوتين أنه يريد ابتلاع المنطقة بشراهة وهي خالية إلا من السوريين الموالين لنظامه الوظيفي في دمشق المؤتمر بأمره، بينما عبَّر روحاني بخبث عن ممارسته العهر السياسي على العلن متمسكاً بخرقة النظام الحمراء البالية، مفتخراً بحمله رخصة الرذيلة الحصرية من الحكومة السورية الراعية للفواحش والجرائم.
في الطرف الآخر جلس أردوغان بحذر وكأن عيونه ترحل إلى أمريكا -حليف بلاده السابق- الذي خذله وتركه وحيداً يصارع ضباع المنطقة، لتنهش مصالحه وتبتزه مقابل أن تمنحه بعض الوقت -مهلة- كي يراجع حساباته ويفكك الألغام المزروعة بين أرجله وعلى طاولته، وفي حقيبة سياسته (صفر مشاكل) التي امتلأت بشتى أنواع المشاكل.
يقرأ المتابع النهم بين سطور البيان الختامي تهديداً مبطناً من الضامنين لنظام الأسد يحذران تركيا من العودة إلى حضن أمريكا المتدخل غير الشرعي في شرق الفرات، وإن فعلت فعليها الاستعداد لوليمة سوف تقام على أراضيها تستضيف القاعدة وداعش وقسد وباقي المجانين الحالمين بمشاريع تخترق حدود "سايكس بيكو" ولا تؤمن إلا بنظامها الخاص.
يقرأ المتابع أيضاً على الهامش إغراء الروس والإيرانيين لتركيا من أجل أن تدخل معهم في لعبة حرائق الحرب وإشعال ما تبقى من المنطقة، وتوسيع الدائرة باتجاه مصالح الغرب المفروض على الجميع حمايتها منذ الحرب العالمية الثانية البائدة، قالها بوتين صراحة لولي عهد السعودية محمد بن سلمان إن أراد تحصين آبار النفط من هجمات حليفه في سوريا.
هذا يعني أن المجتمعين يؤمنون بفكرة واحدة وهي: (أن الحرب وحدها تصنع السلام) فهلموا يا أهل المنطقة لندخل جميعاً في الحرب، ونصنع بعدها السلام، ويجدر بالمنتصر أن يخيط لنفسه ثوب السلام وفق مقاسه وحده، لأن أثواب الأنظمة الوظيفية اهترأت، واتسع الخرق على الراقع، وتمزقت حتى كشفت عورات المجتمع الدولي وسوأة النظام العالمي الجديد.
الانطباعات السابقة عن القمة وآفاق تسوية الأزمة السورية نفسها لا تشبع نهم المتتبع، فيبحث عن التسريبات وما وراء الكواليس يستوقفه ما غرد به "مصطفى سيجري" على حسابه الشخصي عن إنشاء منطقة (عازلة جديدة) خالية من السلاح الثقيل، وتحديد مسار الدوريات التركية الروسية المشتركة، وإبعاد الشخصيات المصنفة على لوائح الإرهاب الدولية، وحل حكومة الإنقاذ، ودخول الحكومة السورية المؤقتة إلى المنطقة، كشرط لتقديم الخدمات واستئناف الدعم الإنساني الدولي، ثم استكمال الخطوات النهائية بما يخص اللجنة الدستورية التي تحدث عنها المجتمعون بإسهابٍ، وبعد تجاوز العقدة بإقرار اسم "دحام الجربا" الذي أوفد بوتين مبعوثه ألكسندر لافرينييف إلى دمشق الأحد عشية قمة أنقرة من أجل إقراره، إلا أنه لم يتم الوصول سوى إلى إقرار أسماء اللجنة تتوج بقانون انتخابات جديد، ثم يستطرد بملاحظة أن أيّ رفض أو عرقلة للاتفاق من قِبل فتح أو حرَّاس الدين أو أنصار التوحيد سيكون فرصة لإعلان حرب جديدة، وربما سنكون أمام سيناريو مشابه لمدينة خان شيخون و50 بلدة أخرى في ريف حماة وإدلب.
لعل هذا الحديث يفسر إعلان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، حيث قال واثقاً في 13 من الشهر الحالي: إن الحرب السورية قد انتهت فعلاً، ولا تزال "عدة بؤر توتر منفردة" خارج سيطرة القوات الحكومية السورية -يقصد إدلب وشرق الفرات-، قالها لافروف غير متردد وكأن الأتراك يملكون جهاز كنترول ينهون بكبسة زر الفصائل والجماعات المتطرفة مثل "هيئة تحرير الشام" التي تعهدت تركيا بتحييدهم، ولا يُفهم البتة كيف يمكن تحقيق ذلك، لعلها التدابير المشتركة الإضافية التي تحدث عنها الزعيمان دون التطرق لتفاصيل تلك التدابير، إلا أن ثبات النقاط التركية مكانها إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية، ومواصلة تدعيمها على مرأى ومسمع الضامنين توحي بأن لدى تركيا أوراقاً قوية يمكنه اللعب فيها، ورغم جميع الخلافات القائمة فإن الوجود الأمريكي شرق الفرات يجعل من تركيا شريكاً مهماً لروسيا، وسوف تبقى العلاقات الودية بين الزعيمين بمثابة ضمانة نجاح المسار الذي يسير به البلدان في العقدة السورية صعبة الحل.
يبدو أن جميع الأطراف قد قرروا منح مهلة للأتراك لمعالجة ملفات إدلب ومنطقة "خفض التصعيد" عَبْر تفاهم غير معلن، ويتم تأجيل هجوم ميليشيات النظام وطهران والقوات البرية الروسية المتمركزة شمال حماة وغرب حلب، كما انتزع الروس ضمانات تركية باستعجال محاربة التنظيمات المُصَنَّفة في إدلب.