الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أنقرة لا تريد أن تلقي بنفسها إلى التهلكة

أنقرة لا تريد أن تلقي بنفسها إلى التهلكة

09.10.2014
محمود سمير الرنتيسي



الشرق القطرية
الاربعاء 8-10-2014
اعتذر جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تصريحاته التي أدلى بها خلال كلمة له أمام الطلاب في جامعة هارفارد، قال فيها: "إن تركيا ودولاً أخرى في المنطقة وفرت الدعم للجماعات الإرهابية في سوريا، ومن بينهم تنظيم داعش".
الاعتذار جاء سريعا، وكان واضحا أنه استباق من نيويورك لعدم إغضاب أنقرة المترددة حتى اللحظة في قرار الانضمام إلى التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة تمدد تنظيم الدولة في العراق وسوريا.
وقد لفتت ردة فعل أردوغان على تصريحات بايدن الأنظار حيث قال أردوغان بعد أدائه صلاة في جامع السلطان أحمد وسط إسطنبول، "إذا ثبت إدلاء "جو بايدن" بمثل تلك التصريحات، فإنه سيصبح جزءًا من الماضي بالنسبة لي"، مضيفاً: "إذا أدلى السيد "بايدن" فعلاً بتصريحات من هذا القبيل، فسيترتب عليه تقديم اعتذار لنا".
ورغم أن البيت الأبيض حاول تمييع الاعتذار بالقول إن بايدن اعتذر لأنه وصف خطأً ما ذكره، أردوغان، في حديث خاص". إلا أنه يبدو بوضوح أن الاعتذار السريع جاء بشكل رئيسي لمنع التوتر ولعدم إفشال جهود الضغط والحرص الأمريكي على مشاركة فاعلة لتركيا في المواجهة مع داعش.
وقد مارست واشنطن في هذا كل الأساليب في حث أنقرة كما شنت وسائل إعلامية حملات تحريض للحكومة التركية تارة بتسهيل انتقال المقاتلين وتارة بتسويق نفط داعش، وتارة بالتعاون معها.
وقد برز الحرص الأمريكي في عدة مناسبات منذ مطلع شهر سبتمبر يأتي في مقدمتها:
1- تحدث فريق الأمن القومي التابع لأوباما، أكثر من مرة مع أردوغان ومع مسؤولين أتراك مع بداية سبتمبر حول إمكانات تركيا للمساهمة في مواجهة داعش.
2- دعوة تركيا للمشاركة في التحالف ضمن خطة حلف الناتو في 5/9/2014.
3- زيارة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هايغل لأنقرة في 8/9/2014. لاستطلاع حجم الاستعداد التركي للمشاركة في التحالف.
4- دعوة تركيا للمشاركة في اجتماع التحالف في مؤتمر جدة في 11/9/2014.
5- زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لأنقرة في 12/9/2014.
6- لقاءات الرئيس التركي مع الرئيس الأمريكي ونائبه على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية سبتمبر 2014.
ويقع حرص واشنطن في إدخال تركيا في أتون الحرب الدائرة في المنطقة ضمن مسارين الأول هو ترسيخ صداقة تركيا مع أمريكا والغرب وإبقائها في هذا الإطار وكذلك منعها من الاندفاع نحو الشرق الإسلامي الذي اتجهت إليه بقوة مع انطلاق الربيع العربي ويندرج تحت هذه الاستفادة من الواقع الجيواستراتيجي لتركيا وتخفيف نفقات التحالف وتوفير الكثير من الجهود.
أما المسار الثاني فهو يكمن في الزج في تركيا في مستنقع المنطقة وقد كانت أنقرة قد امتصت معظم الصدمات الناجمة عن الردة عن الربيع العربي في المنطقة وحافظ حزب العدالة على استقرار تركيا كما حافظ على تقدمه في الانتخابات البلدية والرئاسية. وبهذا المسار تسعى واشنطن لتحجيم آفاق الطموح التركي في الريادة الدولية والإقليمية.
وتتخوف أنقرة بشدة من المسار الثاني وتخشى على ما أنجزته خلال 12 عاما الماضية، كما أنها تتحفظ على المسار الأول وتراه علاجا جزئيا لن يصل لحل جذور الأزمة.
تدرك أنقرة أنها تمتلك مفاتيح قوة بفضل الجغرافيا والتاريخ والاستقرار السياسي والاقتصادي وبفضل إداراتها الجيدة للأزمات نسبيا، لذا فهي تقدم رجلا وترجع الأخرى فيما يتعلق بمشاركتها في التحالف فهي تريد أن تنفي عن نفسها التهم الموجهة إليها، كذلك يقودها وعيها لإدراك توازنات القوى في النظام الدولي إلى ضرورة المشاركة لكنها لا تريد أن تلقي بنفسها إلى التهلكة.