الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أهمية الموقف العربي

أهمية الموقف العربي

03.09.2013
محمد الأشهب



الحياة
الاثنين 2/9/2013
اختلطت الألوان، وما كان يسميه الرئيس الأميركي باراك أوباما خطوطاً حمراء، لجهة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية. باتت تتطلب ضوءاً أخضر للمضي قدماً في تنفيذ تعهداته. ولعله من خلال ربط الضربة العسكرية بمفهوم حماية الأمن القومي الأميركي يرغب في استمالة المترددين داخل الكونغرس.
غير أن انتقال المعركة إلى الداخل الأميركي، مصدرها الحرص على عدم تكرار أخطاء الغزو للعراق، وبذلك يكون أوباما الذي كان في وسعه إصدار قرار الذهاب إلى الحرب وحده سعى إلى إشراك الكونغرس درءاً لأي تداعيات محتملة على صورته كرئيس التزم سحب قوات بلاده من العراق ثم أفغانستان. ولا يعني تركيزه على ضربة محددة بأهداف مرسومة، سوى أنه يتجنب الظهور بمظهر من لا يفي بمقولته حول الخطوط الحمراء التي لا يمكن التساهل إزاءها.
بالقدر الذي أضعفه موقف مجلس العموم البريطاني في إطلاق اليد، بعد أن كان مصراً على بناء تحالف دولي قوي في مواجهة غطرسة النظام السوري، بالقدر الذي يريد أن ينقل المعركة إلى داخل الكونغرس تحت يافطة الأمن القومي. فهو يدرك أن التململ البريطاني سيكون له تأثير في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي، وأصبحت باريس الأكثر حماساً لتوجيه ضربة كان الرئيس فرانسوا هولاند حدد توقيتها قبل الأربعاء المقبل، في وارد استشارة نوابها. ما قد يعاود إلى الأذهان وقائع التدخل العسكري في ليبيا. ولعله لهذا السبب تحديداً دفع أوباما بمشروع قرار إلى الكونغرس، وليس إلى مجلس الأمن، بهدف تحويل المسألة إلى قضية أميركية صرفة، لإثارة الجانب الإنساني في حرب يراد أن تكون شرعية بمنطق قطع دابر الأسلحة المحظورة التي تهدد العالم.
بين مختلف التأويلات التي يدعو بعضها إلى الإبقاء على مجلس الأمن مصدراً وحيداً لاتخاذ قرار الحرب، ويلوذ بعضها الآخر إلى معايير الأمن القومي والبعد الإنساني، تبرز إشكالية المرجعية القانونية والأخلاقية التي لا تناقش مبدأ الضربة العسكرية في حد ذاته، بل مسوغاتها التي تجنب الغرب مؤاخذات تجارب سابقة، كما حدث في العراق. ولا يعني دخول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الخط سوى أن موسكو تريد إشعار العالم بأن دورها إلى جانب الصين لا يمكن شطبه من معادلة القرارات الدولية، وتتوق لتجعل من قمة الدول العشرين فرصة سانحة للاعتراف بدور لها في التطورات المتلاحقة.
بل إنها زادت ذلك من خلال التشكيك في الأدلة المتداولة، مع أنه كان في إمكانها أن تدلي بما تملك أمام الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، إلا أنها فضلت الحديث بلغة ديبلوماسية للإفساح في المجال أمام حوار. وطالما أن الدول الغربية المعنية بقرار الحرب لجأت إلى محاورة برلماناتها، فلا أقل من أن تفعل الشيء ذاته مع قوى دولية لها حضور وازن في هرم القرار الدولي.
من هذا المنطلق، تبدو أهمية الموقف الذي ستلتزمه جامعة الدول العربية، من جهة لأنها تنظيم إقليمي معني بتطورات الأحداث المأسوية التي تعرفها سورية عن كثب. ومن جهة ثانية لأنها ضمت ائتلاف المعارضة السورية إلى عضويتها باعتبارها تمثل سورية، أي أن القرار مهما كانت طبيعته لن يكون مفروضاً، بل سيساهم ائتلاف المعارضة في إقراره، بما ينسجم والدور المنوط بالجامعة العربية في بلورة القرار العربي الذي يعتبر امتداداً للشرعية الدولية. أقله لناحية الإفساح في المجال أمام الذهاب إلى جنيف الثانية، من دون شروط مسبقة، وفي ظل معطيات تروم الحفاظ على وحدة سورية، والحؤول دون انفجار حرب أهلية أكثر مأسوية.
في سوابق عدة استند القرار الدولي بالذهاب إلى الحرب، كما في إخراج القوات العراقية من الكويت أو شن حلف الناتو حرباً على ليبيا بمبرر حماية السكان المدنيين، إلى المرجعية العربية، ولدى عرض شريط الأحداث منذ اندلاع الأزمة السورية لم تكن هكذا خيارات مطروحة. فقد توالت دعوات الحوار ولجان الرقابة واستخدام العقوبات الاقتصادية، لكن دون جدوى. وأي قرار يصدر في الظرف الراهن سيكون خلاصة تجارب مريرة في التعاطي والأزمة السورية التي أوصلها نظام الرئيس بشار الأسد إلى الباب المغلق، إلى أن حشدت البوارج على الساحل الأطلسي. فثمة لغة وحيدة يفهمها النظام آن لها أن تفرض نفسها. وإذا كان الأميركيون يتحدثون عن الأمن القومي في هذه المسألة، فالجامعة العربية أحرى بالتلويح بهذا البعد، لأن دولة عربية تتعرض للتفكيك ولمخاطر حرب مدمرة.
في مقابل الحماس الذي أبدته تركيا لتوجيه ضربة عسكرية لسورية. والتضامن الذي أبدته إيران مهددة باستشراء الحرب لتشمل أطرافاً أخرى، يكون أجدر بالدول العربية التي لا تريد لنطاق الحرب أن يتسع أو لأنواع الأطماع في الأراضي السورية أن تنفذ أن تقول كلمة الفصل. وإذا استطاعت جامعة الدول العربية في عصر التغيير أن تتحول إلى برلمان عربي مصغر، فإن ذلك سيؤكد لا مجال أن القرارات الأكثر وجاهة هي التي تنطلق من وفاق ديموقراطي. وقتذاك يمكن لكل الأطراف أن تعاين تطورات الأحداث اللاحقة مطمئنة البال والضمير.