الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوباما الجمهوري: أيدٍ ناعمة "غبية"

أوباما الجمهوري: أيدٍ ناعمة "غبية"

28.06.2014
نائل حريري



الحياة
الخميس 26/6/2014
في 2009 وصل السيناتور الديموقراطي باراك أوباما إلى البيت الأبيض ليكون أول رئيس أسود لبلاد لم تتخلص من عنصريتها بعد. لم يكن ممكناً لحملة أوباما تجاوز هذا الحاجز العرقي لولا الإخفاق الجمهوري المرعب الذي دفع مركب الديموقراطيين، أي أن صاحب الفضل الأكبر على أوباما كان جورج بوش الابن نفسه ومن بعده المرشح الجمهوري جون ماكين، حيث كان جل برنامجهما السياسي يتلخص في استكمال كارثة سياسية واقتصادية واجتماعية خيمت على الولايات المتحدة مدة ثماني سنوات.
لم يدخر أوباما جهداً في استغلال هذه النقطة لمصلحته: اعتمد على موقفه من سياسة الجمهوريين في العراق، وأطلق الوعود بإعادة الأبناء إلى أهاليهم ومحاولاته إيقاف الولايات المتحدة عن إدخال قواتها في حروب تمتد في اتجاهات الأرض الأربعة.
ما ينساه باحثو تلك الفترة أن الجمهوريين انتهجوا سياستين متعاكستين تماماً في فترة إدارة الابن جورج بوش، فبعد أن اعتمدوا خطة "الشرق الأوسط الجديد" عام 2001 معتبرين أن في إمكانهم دفع الدول المحيطة بإسرائيل نحو مناخ أكثر ديموقراطية وأكثر صلة بالولايات المتحدة عبر الارتكاز على "تقوية العوامل الديموقراطية الداخلية" ودعم حركات حقوق الإنسان والحريات العامة وحراك المجتمع المدني في سورية والعراق خصوصاً، ما لبثت الإدارة نفسها أن انقلبت على مشروعها الخاص وقررت أن الشرق الأوسط في حاجة إلى "تدخل مباشر من الخارج". يمكننا القول إن صورة الشرق الأوسط الحالي كانت لتكون أفضل بمراحل لولا النفس القصير الذي دفع بالإدارة الجمهورية آنذاك إلى غزو العراق عام 2003.
اكتفت إدارة أوباما الحالية بالنظر إلى الموضوع من السطح، إذ قررت أن انتهاج سياسة "الأيدي الناعمة" يعني مجرد سحب الجنود الأميركيين من العراق في الولاية الأولى والقيام بالمثل في أفغانستان مع نهاية الولاية الثانية. واعتبرت أن مشاكلها تنحصر في الابتعاد عن الساحة السياسية للشرق الأوسط ومنح الوجه السياسي والإعلامي الكفيلين بضمان استمرار حكم الديموقراطيين بعد انتهاء ولاية أوباما الثانية. ويبدو أن الساحة الداخلية الأميركية تحمل ملامح نجاح الديموقراطيين في مسعاهم هذا. فحتى الآن يثبت آخر إحصاء للرأي نشرته "بوليتيكو" قبل أيام أن 54 في المئة من الأميركيين يتبنون موقف أوباما من العراق وأفغانستان في مقابل 28 في المئة يساندون رأي جون ماكين الذي يهاجم الإدارة الحالية في "استنكافها" عن التدخل بفعالية في الشرق الأوسط. لكن ثمة قصر نظر واضحاً في رؤية الديموقراطيين الذين يعتمدون على استطلاعات الرأي الانتخابية وحسب لتحديد مدى نجاحهم السياسي، ومن هنا لا يجد أوباما داعياً للمزيد من الجدية لمعالجة آثار الدمار الشامل العالمي الذي أحدثته السياسات الأميركية طيلة خمس عشرة سنة خلت. لقد اختارت إدارة الديموقراطيين أن تتبع أسهل الحلول وأسوأها: ألا تفعل شيئاً على الإطلاق.
إذا شئنا تقييم السياستين الأميركيتين بالمقياس السياسي الأميركي ذاته فإن "خطة سيئة أفضل من عدم وجود خطة"، لكن هذا لا يعني إعادة الاعتبار للجمهوريين الذين يصرون حتى اليوم أن يعالجوا المشكلة ذاتها بمشكلة أكبر، بل يعني أن إدارة أوباما الديموقراطية تعاني من مشكلة حقيقية في تقديم أي خطة سياسية مقابلة. لقد اختارت إدارة أوباما أن تتبنى أسوأ ما في سياسة الجمهوريين السابقة، أي التخلي عن دفع أي عوامل داخلية تؤدي للحل في دول الشرق الأوسط، واكتفاءها بالمراقبة من بعيد فيما يقتصر تدخلها السياسي المباشر على مستوى أعلى مع القطب السياسي المقابل الذي تقوده روسيا، ومن هنا يخرج الشرق الأوسط بأكمله من المعادلة وتغدو مسألة "الأيدي الناعمة" موجهة نحو الدب الروسي بدلاً من دول الأزمة ذاتها. من الطبيعي، والحال كذلك، أن يتناول الإدارة الحالية هجوم الجمهوريين الذين يرون أن الإدارة الديموقراطية قد "أضاعت الهيبة الأميركية أمام الروس".
اليوم يفتقد الحزبان الأميركيان الضخمان إلى فهم البنية السياسية الضرورية للتعامل مع الشرق الأوسط، ويتفقان في نقطة وحيدة هي تغييب الشرق الأوسط بأكمله، وكلاهما يغفل السبيل الوحيد لتراكم حل سياسي مقبول عالمياً وهو دعم دول الأزمة ذاتها نحو إنتاج كتل سياسية حليفة قادرة على المشاركة في الحل.
في هذه الفترة، يبدو أن تعامل أوباما مع الأزمة السورية لا يختلف نهائياً عن تعامل الأسد نفسه معها، حيث يقوم كلاهما بتغييب السياسة والمجتمع في سورية ليقوم كل منهما بصياغة الحل "على طريقته" من دون الالتفات إلى أي ظروف محيطة أو عوامل قابلة للاستغلال السياسي. ولا شك في أن الولايات المتحدة في حاجة ماسة اليوم إلى إعادة توجيه أيديها الناعمة الغبية نحو مسارها الصحيح ودعم شركاء سياسيين في المنطقة عوضاً عن مراوحتها في المكان، لكن كل ما تفعله الآن هو التصدي لفشل الائتلاف السوري الذي ترعاه عبر مزيد من الوعود البراقة بتسليح المعارضة. ومن العجب أن يكون موقف دولة سياسية كبرى موقفاً لا سياسياً بالمطلق، وأن تطبيق رؤيتها للوصول إلى "حل سياسي" لا يكون إلا عبر "المزيد من التسليح".
ثمة نافذة مواتية الآن لإعادة صياغة أسس الحل السياسي بعد الانتخابات الرئاسية السورية وتوقف مسار المفاوضات، ولا بد أن العام المقبل مفتوح على جميع الاحتمالات، لكنه بحاجة إلى لاعبين سياسيين محترفين وأيدي ناعمة أكثر ذكاء في تحديد مكمن العطب في السياسات الحالية، والعمل على توجيهها باتجاهها الأمثل.
* كاتب سوري