الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوباما.. "الصابر" الاستراتيجي

أوباما.. "الصابر" الاستراتيجي

10.02.2015
عبدالله بن بجاد العتيبي



الاتحاد
الاثنين 9-2-2015
يبدو أن مصطلح "الصبر الاستراتيجي" هو مصطلح خاص بإدارة أوباما، وهو يغنيه عن "التخطيط الاستراتيجي" أو "الفعل الاستراتيجي"، بمعنى أن هذا الصبر يجعل منه رئيس "الانتظار" لا رئيس "القرار". من الطبيعي بعد إعلان أوباما عن استراتيجيته للأمن القومي الأميركي للسنتين المتبقيتين من ولايته أن يعلن السيناتور "الجمهوري" ليندسي جراهام، أن هذا الصبر الاستراتيجي، الذي يقود سياسة أوباما الخارجية لا يؤدي إلا إلى "إطالة أمد الفشل"، وهو قال ساخراً: "أشك في أن تكون سياسة "الصبر الاستراتيجي" للرئيس أوباما قد أخافت تنظيم الدولة الاسلامية والملالي الإيرانيين أو فلاديمير بوتين". وأضاف: "من وجهة نظرهم، كلما تحلى أوباما بالصبر، ازدادوا قوة".
زار كاتب هذه السطور أميركا قبل ثلاثة أشهرٍ، ولمدة تجاوزت الأسبوعين لم أسمع في الشارع وفي التاكسي، وفي مناسبة مهمةٍ دعيت إليها إلا سخطاً على أوباما وسياساته، وهو ما عبرت عنه انتخابات لمجلسي الشيوخ والنواب كانت إعلاناتها تملأ الشوارع خسر فيها وخسر حزبه معه.
إن القائد لا يكون قائداً حين تكون مخاوف الإخفاق لديه أقوى من طموحات الإنجاز والتأثير، فهو لا يقود بل ينتظر، إنه ينتظر أن تحل المشكلات نفسها أو تتضح بشكلٍ لا يخفى على أحدٍ حتى يتخذ قراراً أسلم وبلا تبعاتٍ، وهو تماماً ما يصنعه أوباما ويسميه "الصبر الاستراتيجي" إنها أشبه ما تكون بـ"عقيدة الانتظار".
في بحثٍ سريعٍ في المعاجم والقواميس لن تجد شيئاً كثيراً عن "الصبر الاستراتيجي" وستجد الكثير عن "التخطيط الاستراتيجي" وعن "الخطط الاستراتيجية" وعن الفروق بين "الاستراتيجية والتكتيك" وعن الاستراتيجيات السياسية والعسكرية ونحوها، وفي عالمٍ مضطربٍ، تتغير فيه توازنات القوى الدولية، وتخسر فيه دولٌ عظمى وتكسب فيه أخرى، ومناطق تعمّها الفوضى وينتشر فيها الإرهاب، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، فإن "الصبر الاستراتيجي" لا يعني سوى الفشل.
من هنا فإن الدول العربية التي تقود العالم العربي اليوم، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر والأردن ومن يتعاون معهم من الدول العربية يجب أن يصرّوا على رؤاهم الاستراتيجية لمحاربة الإرهاب والأصولية كيفما تشكلوا وحيثما كانوا، بحيث تظل إيران ومشكلاتها الممتدة من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى غزة إلى اليمن إلى البحرين تمثل "عدواً استراتيجياً" حقيقياً وإن اختار "أوباما الصابر" التفاوض معها.
ثمة إجماع بين هذه الدول على مبدأ محاربة الإرهاب وهي باستثناء مصر دول مشتركة في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" في العراق والشام إلا أن هذا التحالف ينبغي تعزيزه بتكثيف الضربات الجوية، ويجب أن يتطور لحربٍ بريةٍ ضد التنظيم، أو بدعم فاعل للعشائر السُنية في الأنبار بالتدريب والتسليح النوعي والقوي، كما هو مقترح دولة الإمارات الذي أعلنت عنه مؤخراً، وبذلك تكون على الأرض قوة قادرة على دحر تنظيم "داعش" وتحجيمه وذلك ضمن استراتيجية فاعلة تعيد إحياء "الصحوات" في العراق، التي استطاعت من قبل دحر تنظيم "القاعدة" وتحجيمه.
الأمر الذي لا يقلّ أهميةً هو انقلاب "الحوثي" الكامل على الدولة اليمنية والشعب اليمني، وذلك بإعلانه الدستوري فاقد الشرعية وبتعيينه مجلساً لإدارة البلاد ما يعني استحواذاً كاملاً على السلطة في اليمن وإلغاءً تاماً لكل مكونات الشعب اليمني وكل أحزابه السياسية.
عبرت تيارات يمنية متعددة عن رفضها القاطع لانقلاب "الحوثي" من قبائل وأحزابٍ وتجمعات سياسيةٍ ومدنيةٍ بعضها يعمل داخل اليمن وبعضها خارجه، وخرج السيد بن عمر بخفي حنين بعد جولات متواليةٍ كان واضحاً أنها لن تثمر شيئاً في ظل توسع الحوثي العسكري وفرضه تدريجياً لواقع جديدٍ على الأرض، وقد كان أفضل لبن عمر لو أعلن من قبل عن فشل العملية السياسية، ولم يمنح الحوثي غطاء لتنفيذ مخططه الانقلابي.
"الحوثي" وجماعاته "أنصار الله" هو أحد جيوش إيران في المنطقة كما سماها قائد عسكري إيراني من قبل، وهو شبيه بـ"حزب الله" في لبنان وبالمليشيات الشيعية في العراق وسوريا، إن "الحوثي" لا يمثل المذهب الزيدي في اليمن بل يمثل جماعةً للإسلام السياسي بنسخةٍ زيديةٍ تم بناء إيديولوجيتها لتتماهى مع المذهب الشيعي الإثني عشري في نسخته الإيرانية.
أخيراً، فإن مواجهة "داعش" في العراق وسوريا ومواجهة "الحوثي" في اليمن يجب أن تتمّ عبر استراتيجيات متكاملة وقوية، وأن تكون ضمن مشروع دولي حتى لا تتحمل دول الخليج لوحدها أعباء مناطق مضطربةٍ تهدد العالم بأسره، وبخاصة أن "الصبر الاستراتيجي" لأوباما يهدد مصالح هذه الدول.