الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوباما لتنحي الأسد ويقدّم ضمانات لـ"بقائه" النظام يستفيد من تجربتَي العراق وليبيا

أوباما لتنحي الأسد ويقدّم ضمانات لـ"بقائه" النظام يستفيد من تجربتَي العراق وليبيا

10.09.2013
روزانا بومنصف



النهار
الاثنين 9/9/2013
مع مضي الديبلوماسية الاميركية او حلفائها كفرنسا مثلا في تقديم "ضمانات" من اجل الحصول على تأييد غربي للضربة العسكرية التي يزمع الرئيس باراك اوباما توجيهها للنظام السوري ردا على استخدامه الاسلحة الكيميائية ضد شعبه في 21 آب الماضي في منطقة الغوطة في ريف دمشق، يبدو الرئيس السوري بشار الاسد مستمرا في التمتع بحصانة لم يحظ بها اي من الزعماء العرب التي طاولتهم الثورات في بلادهم وربما يحسدونه عليها. اذ اخذ وزير الخارجية الاميركية جون كيري من بيان الاتحاد الاوروبي الذي اقر استخدام النظام الاسلحة الكيميائية ومسؤوليته في هذا الاطار "سعي بلاده لعمل عسكري" محدود "يهدف الى تقليل قدرة الرئيس السوري على استخدام الكيميائي". لم يأخذ تشديد الاوروبيين في بيانهم "على المسؤولية الفردية لمنفذي الهجمات الكيميائية وعلى دور المحكمة الجنائية الدولية بهدف التحقيق في هذه الافعال والمحاكمة عليها "على رغم اعتبار الدول الاوروبية هجوم 21 آب انتهاكا صارخا للقانون الدولي وجريمة حرب وجريمة ضد الانسانية". يبقى الاسد على رغم ما يوصم به اذا بضمانة يقدمها الاميركيون من اجل ان يقبل في مرحلة لاحقة من حيث المبدأ التفاوض على انتقال السلطة على رغم مطالبته من الرئيس الاميركي بالتنحي منذ آب 2011. وحين تتاح الفرصة لاستخدام القوة التي يمكن ان تساهم في هذا التنحي تقدم ضمانات ان الهدف ليس اطاحته او رحيله. وهذا مكسب له بحكم الاعتبارات الغربية التي لا تقبل الموافقة على ضربة عسكرية محدودة وتعطي تطمينات في المقابل انها لن تتجاوز عملا تأديبيا.
والمكسب الاضافي له حتى الان، وما لم تؤد الضربة المحتملة الى خلخلة ما تبقى من اركان حكمه او تسمح للمعارضة بالاسراع ميدانيا الى تسجيل مكاسب اساسية، يكمن في ان الحشد الاميركي لضربة عسكرية تدأب الديبلوماسية على توصيفها بالمحدودة لم يؤد الى انشقاقات كبيرة ديبلوماسية وعسكرية على غرار ما حصل مع معمر القذافي الذي قفز اركانه من سفينته مع اكتمال الاستعدادات الغربية لتوجيه ضربة عسكرية له. اذ ان التطمينات الاميركية حول بقاء النظام والعزم على توجيه ضربة عسكرية لـ"التقليل من استخدامه الاسلحة الكيميائية او ردعه عن ذلك" بدت كفيلة حتى الان بان تُشعر من حوله بأن النظام باق حتى اشعار اخر ومن المخاطرة جدا الرحيل او الانشقاق او القفز الى سفينة المعارضة في حين ان حصول انشقاقات كبيرة كانت ستكون عاملا يؤدي الى انهيار النظام من داخل من دون عناء اي تدخل. وفيما يفترض ان التحضير على المستوى السياسي الدولي او على المستوى الميداني لجهة حشد الاساطيل يساهم في انهيار نفسي ومعنوي في محيط الاسد، فان هذا التحضير كان فرصة للاسد من اجل تحييد ما امكن تحييده من امكاناته وقدراته العسكرية. وقد أدّى دورا كبيرا في هذا الاطار اعلان اوباما اضطراره قسرا الى توجيه ضربة "محدودة" وليس القيام بحرب فضلا عن انقسام دولي ليس بين جانبي الداعمي للنظام ومعارضيه من القوى الاقليمية والدولية بما عطل مجلس الامن الدولي كليا بل ايضا بين قوى المعسكر الواحد من معارضي بقاء النظام. وهذا الامر اي التطمينات وعدم الرغبة في احداث انهيارات من حول الاسد ليس عفويا لان الغرب لا يود ان يرى تكرارا للمشهد الليبي في سوريا وما حصل قبيل الضربة العسكرية فيها او ما بعدها في موازاة عدم رغبته في ان يرى ايضا المشهد العراقي ايضا وتفكك الجيش السوري اكثر مما تفكك حتى الان.
وفي رأي مصادر ديبلوماسية، فان غض النظر الغربي عن الحكم الانتقالي في مصر وتركه يعالج الامور من دون ازعاجه علنا باطلاق المعتقلين من قيادات الاخوان المسلمين الذين ابعدهم عن السلطة قد شكل مؤشرا بالنسبة الى النظام السوري ان الدول الغربية قد سلمت بواقع ان الاخوان لن يكونوا اهلا لتسلم السلطة في دول اخرى وفي مقدمها سوريا. ولعل ابعادهم في الدرجة الاولى عن السلطة في مصر صب في مصلحته الى درجة استعجاله استخدام الكيميائي في الغوطة من اجل تسريع حسم الامور لمصلحته ميدانيا الى جانب واقع انصراف المجتمع الدولي الى الاهتمام بالوضع المصري الذي بات اكثر قلقا للولايات المتحدة ووضعها في وضع صعب ازاء حلفائها الاقليميين الذين انقسموا بين داعم للحكم الانتقالي في مصر واخر معارض له. وخيبة الامل الكبيرة من تجربة الاخوان القصيرة في مصر عززت عدم الرغبة في الاسراع في ترحيل الاسد قسرا من دون توافق على البديل الى جانب تصاعد المخاوف من التنظيمات المتطرفة في جانب المعارضة للاسد. وذلك في الوقت الذي تقر المصادر الديبلوماسية المعنية ان النظام السوري نجح في حملته التي ساعده فيها الغرب كثيرا ايضا عن قصد او عن غير قصد في التصويب على غالبية المتطرفين داخل المعارضة السورية في ظل استمرار عدم نجاح المعارضة المعتدلة في فرض نفسها. هذه المعطيات تطغى في تقويم الضربة العسكرية المفترضة ضد مواقع للنظام السوري واستنادا اليها سريان الاعتقاد بان الازمة الى مرحلة جديدة ومديدة وليس الى نهاية ما لم تحمل الحرب مفاجآت تبقى هي الورقة غير المكشوفة في كل الاستعدادات والتحضيرات السياسية والميدانية الجارية لهذه الضربة.