الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوباما - بوتين: صفقة ماكرة

أوباما - بوتين: صفقة ماكرة

21.09.2013
عبدالعزيز التويجري


الحياة
الخميس 19-9-2013
تأكد بما لا يرقى إليه الشك، أن صفقة متكاملة قد أبرمت بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على حساب أرواح أبناء الشعب السوري، مَن قتلوا ومَن هم مرشحون للقتل. هي صفقة تمت خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيسين في قمة العشرين وظلت في طيّ الكتمان، وتلك صفة لازمة في الصفقات المشبوهة، وما أعلن من معلومات عن هذه الصفقة بعد أيام من انفضاض قمة العشرين، هو جانب واحد من الإطار العام، وليس هو المحتوى والعمق. وإذا كان وزيرا خارجية البلدين قد اجتمعا في جنيف يوم الخميس 12 أيلول (سبتمبر)، للبحث في تفاصيل ما أطلق عليه المبادرة الروسية، فإنه يستبعد أن يعلن الوزيران عن مجريات مناقشاتهما ويكشفا عن خفايا هذه المبادرة التي هي في حقيقة الأمر، صفقة يجرى التوسّع في مناقشة كل ما يتصل بها من جوانب عدة بين الطرفين.
لقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حريصاً على توريط نظيره الأميركي باراك أوباما حين كلف مستشاره السياسي الكشف عما جرى بين الرئيسين أثناء لقائهما الأخير حول هذه المبادرة/الصفقة. وقبل ذلك كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد صرح بأن بلاده قد أطلعت الولايات المتحدة على تفاصيل المبادرة. وهو الأمر الذي يفهم منه أن الاتفاق يقضي بأن يأتي الإعلان عن المبادرة من الجانب الروسي، حتى يظهر الجانب الأميركي وكأنه لم يكن له علم مسبقاً.
هذا الاتفاق يحقق هدفين رئيسَيْن بالنسبة الى البلدين؛ فمن جهة يطلق اليد لموسكو لتظل سيدة الموقف والممسكة بخيوط الأزمة في سورية والمتحكمة في القرار السوري، وفي ذلك ما فيه من المكاسب الكبيرة على صعيد السياسة الدولية، ومن جهة ثانية ينقذ الرئيس باراك أوباما من الورطة التي وقع فيها بإعلانه المتعجل عن اتخاذه القرار بتوجيه الضربة العسكرية إلى سورية في ظل تزايد الانتقادات الشعبية في الولايات المتحدة لهذا القرار واتجاه الكونغرس نحو عدم التصويت على التفويض للرئيس بتنفيذ القرار الذي اتخذه.
وبذلك يكون الاتفاق السري المبرم بين الدولتين يخدم مصلحتهما المشتركة، وإنْ كان ضد القانون الدولي الذي يجرّم استخدام السلاح الكيماوي، وضد المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية التي تقضي بمعاقبة من يستخدم سلاح الدمار الشامل ويرتكب جرائم حرب وجرام ضد الإنسانية.
وأياً ما كانت النتائج التي ستسفر عنها هذه الصفقة، ومهما تعددت العناوين وتكاثرت التصريحات وغرقت سوق الإعلام العالمي في بحر من التحليلات السياسية، فإن مما لا شك فيه أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد خسر كثيراً، وأن صدقيته قد ضعفت ومكانة بلاده تزعزعت على الصعيد الدولي، بعد أن زاحمتها روسيا، بل أزاحتها بعبارة أدق من الموقع المتقدم الذي كانت تشغله، حين تصدَّر الرئيس بوتين واجهة السياسة الدولية، وأصبح قطباً لامعاً ولاعباً ماهراً، وهو ضابط المخابرات السابق الذي يعرف كيف يعمل في الخفاء ليحبك اللعبة ويعد العدّة قبل أن يظهر في العلن.
هذه هي طبيعة لعبة الكبار على المسرح الدولي. لكن ما يهمنا هو ضياع إحدى الفرص النادرة التي حسبنا أنها قد سنحت فعلاً للتعجيل بإنهاء المأساة السورية وإنقاذ الملايين من الشعب السوري من القتل والبؤس والعذاب والهوان، وإنقاذ سورية، بلد الحضارة والتراث وموطن الثقافة العربية الإسلامية عبر العصور، من الدمار والخراب وسقوط الدولة في مهاوي الفرقة والتمزق والتفكك والانهيار التام. ويبدو اليوم أن هذه الفرصة ضاعت من العرب، ومن السوريين بصورة خاصة، وأن على الجميع أن يتوقع الأسوأ.
وإذا تعمقنا في تحليل الأبعاد المتعددة لهذه الأزمة العالمية الجديدة، ونظرنا إلى الصورة من جوانب مختلفة، فسنجد أن إسرائيل هي المستفيد الأول من هذه الصفقة، لأن من مصلحتها الاستراتيجية بقاء نظام بشار الأسد الذي ورث عن أبيه الرئيس حافظ الأسد، الالتزام القطعي بحماية أمن إسرائيل على طول حدودها مع سورية، ومن مصلحتها أيضاً استمرار حالة الفوضى في المنطقة. وهو الوضع المأسوي الذي سيزج بالمنطقة في دوامة لا نهاية لها تضاعف في خطورتها الدوامة الحالية. وهو على كل حال، هدف استراتيجي لإسرائيل والصهيونية العالمية والقوى الدائرة في فلكها. وسنجد أيضاً أن إيران هي المستفيد الثاني من هذه الصفقة، وذلك ببقاء النظام الموالي لها والرابط بينها وبين عملائها في لبنان وعبر العراق، حيث عملت من دون كلل ولا ملل على دعمه وتزويده بكل متطلباته العسكرية والمالية والميليشيات الطائفية المناصرة له، في إطار استراتيجيتها للتوسع والنفوذ في المنطقة كلها.
وأياً كان القرار الذي سيتخذه الكونغرس، فإن الرئيس باراك أوباما قد تبنى الخيار الديبلوماسي، وإن كان لا يزال يلمح إلى احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري في حالة فشل الجهود الديبلوماسية. وهذا كلام يعبّر عن حالة من الارتباك الشديد أكثر مما يعبر عن إرادة سياسية حازمة في قيام الإدارة الأميركية بواجبها الإنساني والأخلاقي في معاقبة النظام السوري الذي أمعن في ارتكاب جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية باعتبارها زعيمة الديموقراطيات في العالم، كما تحب أن تصف نفسها.
وفي ضوء هذا كله، نستطيع أن نقول إن ما كنا نحلم به ونتوقعه نحن العرب، من إنقاذ للشعب السوري من محنته الخانقة، وإسقاط النظام الطائفي الذي يضطهده ويقتله ويدمّر مدنه وقراه ويهجّر أبناءه، كل ذلك قد تبخر.