الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوراق تركيا في مواجهة التدخل الروسي

أوراق تركيا في مواجهة التدخل الروسي

11.10.2015
د. محمد مصطفى علوش



الشرق القطرية
السبت 10/10/2015
تركيا أمام استحقاق الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل والأحزاب جميعها تحشد لها، والحكومة التركية المعنية بالحصول على أغلبية مطلقة لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات لا تريد أن تخسر الناخب التركي صاحب الاهتمامات الداخلية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مهما كان تقديرها للمصالح التركية خارجيا. وهي تعلم أن ما يربطها مع روسيا جملة من المصالح المتنوعة اقتصاديا وسياسيا في مناخ جيوسياسي شديد الحساسية. ولا يمكن أن تطيح بكل مصالحها مع روسيا بسبب الخلاف حول الوضع في سوريا في رهان لا تملك فيه أوراق قوة واضحة مع حلفائها. كما تعلم أنها لا تستطيع التحرك بمفردها أمام هذا التطور النوعي في الأزمة السورية طالما أنه لا يمكن الاعتماد فقط على الحلفاء الخليجيين دون دعم أو غطاء أمريكي وأوروبي واضح، وهو غير متوفر حالياً إذ تنعدم الثقة التركية بالموقف الأمريكي الذي بدأ يميل لقبول الأسد في فترة انتقالية على الأقل. أما الموقف الأوروبي فهو أشد وضوحاً في رفض مطالب أردوغان إقامة منطقة عازلة لما يراه حلا جذريا لتدفق المهاجرين إلى الغرب. وكان أردوغان تحدث في بروكسل عن ثلاثة حلول: تدريب وتجهيز القوات المسلحة المعتدلة المعارضة، إقامة منطقة آمنة لابد من حمايتها من الإرهاب، إقامة منطقة حظر جوي. وبدلا من الموافقة على مطالب أردوغان، سعى الاتحاد الأوروبي إلى إقناعه بالمعادلة الأوروبية: تقديم مساعدات مالية إلى تركيا، وإعفاء مواطنيها المتوجهين إلى أوروبا من الحصول على تأشيرات، ومشاركتها في دوريات مشتركة مع خفر السواحل اليونانيين في شرق بحر إيجة كجزء من العمل المنسق من قبل الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، وإقامة "مواقع ساخنة" لتسجيل طالبي اللجوء على الأراضي التركية، وبناء ستة مراكز استقبال جديدة للاجئين على الأراضي التركية، تستوعب حوالي مليوني لاجئ.
في ظل هذا المناخ المعقد والظروف المستجدة، تعيش أنقرة على وقع التدخل الروسي الواسع في سوريا، وتكاد تحصي كل قنبلة تسقطها الطائرات الروسية، مع الصواريخ العابرة القادمة من بحر القزوين في رسالة شديدة الوضوح لتركيا التي باتت تحاصرها النيران الروسية. ولعل الهاجس الأبرز عند أردوغان حاليا هو تصميم الروس على فرض الأسد عسكريا قبل الخوض في الحل السياسي ما يعني بقاءه دون العودة للنقاش حول مرحلة انتقالية ومدتها، أو تقديم دعم عسكري للأكراد وهو ما سيضع الأمن القومي لتركيا على المحك.
قليل من التدخل الروسي يخدم الموقف التركي بلا شك، وهو إضعاف داعش. لكن حتى اللحظة، ليس واضحاً أمام الحكومة التركية وأجهزتها الاستخبارية النوايا الحقيقية للتدخل الروسي في سوريا. ولهذا فهي تنتهج سياسة تقطيع الوقت بالتصريحات الحادة، المرافقة للدبلوماسية النشطة مع التقييم للخيارات المتاحة وأضرارها الجانبية قبل اتخاذ موقف واضح لحفظ مصالحها في سوريا.
عملياً لم يتم وضع تصور تركي لكيفية مواجهة هذا التصعيد الروسي. كما أن خيارات أنقرة المتوفرة حاليا قد تؤذي البلدين، كإيقاف مخطط عبور أنابيب الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، أو الانضمام إلى العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو، أو تحريك الأقليات المسلمة في جزيرة القرم الخاضعة حاليا للسيطرة الروسية.
الأرجح أن تعمد تركيا خلال الفترة المقبلة انتهاج الدبلوماسية النشطة مع حلفائها من جهة ومع روسيا من جهة أخرى وداخل المؤسسات الدولية الفاعلة للتأكيد على مصالحها الحيوية أملا في خلق جبهة دولية معارضة بفعالية للتدخل الروسي. وأوراق الضغط التركية على روسيا قد تكون بإعادة الالتزام بدعم المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، وهذا يتطلب وقتاً لما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في الأول من نوفمبر القادم.
وفي حال فشلت الدبلوماسية النشطة، وطال أمد الحرب السورية دون أن تحسم، سنجد أنفسنا أما سباق تسلح جديد بين الناتو وروسيا في كل من سوريا وتركيا، ما يعني عودة للحرب الباردة تحت مسميات جديدة، معها ستخرج الأزمة السورية من وضعها الإقليمي إلى أبعاد دولية أكثر تعقيداً وخطورة. وهو ما سيعكس ضررا فادحا على تركيا التي تسعى أن توازن وتنوع علاقاتها الخارجية بين الغرب وروسيا والصين وإيران.